عنب بلدي – العدد 78 – الأحد 18-8-2013
تتسم افتراضات الطفل، قبل تعرضه للرض، حيال الآخرين بالثقة والطمأنينة وحيال نفسه بأنه ذو قدرة على حل إشكالاته. أما بعد الرض -أي الصدمة- تتبدل هذه الافتراضات بشكوك وخوف وقلق ومشاعر فقدان الأمن وشعور بالصَّغار والضعف. ويتحول المحيط إلى مهدد للذات ومنذر بعودة مسبب الرض. بالتالي يتملّك الطفل شعورٌ بالعجز عن السيطرة.
تعرُّض الطفل لهذه الحوادث أو لإحداها يولد أعراضًا نفسية وسلوكية وأخرى جسدية. عمومًا يبدي الطفل فرط تنبيه واستجابات تخوفية تجاه مؤثرات خفيفة ومعتادة ويكون سلوكه مشوشًا ويصاب بنوبات انفجار غضب؛ ويعاني من صعوبة تركيز الانتباه قد تصل حد توقف قدراته العقلية؛ ويواجه مشكلات في النوم فيصعب استغراقه في النوم ويكون مضطربًا ومقلقلًا؛ أما الأعراض الجسدية فهي التوتر العضلي وعدم الاستقرار الحركي، والتعب بسهولة.
وقد يستعيد الطفل التجربة الراضة عبر ذكريات قد تماثلها جزئيًا كصورة أو فكرة أو إدراك مرتبط بالحادثة أو حتى كلمة ما، فيتسبب لديه كرب شديد يدفعه لتجنب أي منبه (مثير) مقترن مع الرض، فيتجنب الأفكار والمشاعر والأحاديث والنشاطات والأمكنة والأشخاص المرتبطين بالحالة أو ما يماثلها. وقد يصاب الطفل بفقدان الذاكرة التفككي، فينسى الجانب المهم من الحادث الراض. ويمكن أن يشعر بالانسلاخ عن المحيط، فيفقد أدنى اهتمام بأي نشاط حوله وتصبح عاطفته ضحلة فلا يشعر بمحبة الآخرين ولا يبادلهم إياها. وقد يصل الانسلاخ حد الدوار المتكرر أو المستمر. ويعبر الطفل عن الرض من خلال اللعب، أو بأحلام مكربة مخيفة قد لا يدرك محتواها إلا أنها تفزعه.
لنعيد للذين تعرضوا للرض السيطرة والثقة علينا أن ننقلهم خارج حدود البيئة المسببة للرض؛ والعمل -بالتعاون مع أخصائيين- على إعادة تركيب بنيتهم المعرفية لإعادة بناء جهازهم الادراكي وتأطير معرفتهم للتخفيف من التوتر الذي يعانونه.
ومن الجهود الوقائية التي يجب أن يُعنى باتباعها دومًا، العناية بامتلاك الطفل افتراضات واقعية وتدريبه على امتلاك المهارات السلوكية لمواجهة مثل هذه الحوادث بغية رفع حد تحمله للضغوط ليتمكن من مواجهة الصدمات، إضافة إلى عمليات الدعم الاجتماعي التي تسهم في بناء ذاته وتعزيز ثقته بنفسه.