الأناركية

  • 2013/08/19
  • 2:35 م

عنب بلدي – العدد 78 – الأحد 18-8-2013
مركز المجتمع المدني والديمقراطية في سوريا
0
تنتسب كلمة أناركي إلى اليونانية القديمة، وتترجم حرفيًا إلى (لا سلطة). خلال القرون الماضية أشار المصطلح فى الكتابات الغربية إلى حالة التفكك أو سقوط السلطة المركزية المسيطرة على بلد أو إقليم جغرافي ما، وصعود قوى مختلفة متصارعة للحلول محلها مولدة جوًّا من فوضى الحرب الأهلية، ثم تغيرت دلالتها في مختلف اللغات الأوروبية لتصبح مرادفة للفوضى.
تبلورت الأناركية كنظرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع  نهوض الحركات الاشتراكية. واعتمد أوائل  منظريها مصطلح الأناركية بمعنى اللاسلطوية، ودعوا إلى أن يقوم المجتمع  بتنظيم ذاتي لشؤونه دون أي تسلط لفرد أو جماعة.
اللاسلطوية لا تعنى تفكيك السلطة المركزية لسلطات متناحرة تحدث الفوضى في المجتمع بل الغياب التام للسلطة، واستبدال مؤسسات الدولة المركزية الهرمية بمؤسسات شعبية أفقية لا مركزية ترتبط كل منها بالأخرى للتكامل ولإدارة الموارد المشتركة واتخاذ القرارات الخاصة بها.
ينشأ الاقتناع باللاسلطوية عن الإيمان بحق  الإنسان الطبيعي في أن يكون وحده سيد مصيره، من خلال هذا المبدأ، يمكن فهم موقف الأناركية الرافض للدولة كشكل من أشكال تنظيم شؤون المجتمع يقوم على تركيز السلطة في أيدي أقلية تشكل خياراتها الظروف الحاكمة لمعيشة جميع أفراد المجتمع مما يعنى استلاب حق الآخرين في حرية اختيار ما يحقق مصالحهم الحقيقية، وأهم من ذلك ما يحفظ حقوقهم الأساسية. و من خلال المبدأ ذاته يمكن فهم حقيقة أن الأناركية نظرية وحركة اشتراكية معادية للرأسمالية كنظام اقتصادي واجتماعي يكون للأقلية فيه أن تسيطر على موارد المجتمع وتحتكر إدارة الاقتصاد بما يحقق مصالحها المتمثلة في تحقيق أكبر نسبة ربح ممكنة، مما يسلب الغالبية العظمى حق إدارة الاقتصاد بما يحافظ على حصولها على حاجاتها الأساسية والإنسانية ويحكم على هذه الغالبية بدرجات متفاوتة من الفقر يحرم أفرادها من حقهم الطبيعي في تنمية قدراتهم إلى أقصى حد ممكن، فيحرمهم ويحرم المجتمع كله من ثمار هذه القدرات.
ترفض الأناركية أيضًا كل أشكال السلطة الممارسة داخل المجتمع في مظاهر التمييز على أساس الجنس والعنصر والدين. وينبغي هنا توضيح رفض الأناركية لممارسة الدولة أو أي مؤسسة أي سلطة باسم الدين، ولكنها لا تعادى الدين في ذاته، لأن حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية تدخل جميعًا في إطار الحقوق الأساسية للفرد والمجتمع. على الأساس نفسه ترفض الأناركية، الفاشية القومية التي تسعى لتذويب الأقليات العرقية وقمع الاختلاف الثقافي، ولكنها لا ترفض أو تتدخل في الانتماءات القومية ومشاعر الوطنية والخصوصية الثقافية للجماعات البشرية.
البديل الذى يطرحه الأناركيون هو مجتمع من المنتجين، ويسيطر هذا المجتمع على جميع الموارد ووسائل الإنتاج المتاحة. ويدير عملية الإنتاج في المؤسسات الإنتاجية والخدمية العاملون بها وتتخذ الجمعيات العمومية القرارات الأساسية فيها بينما ينتدب بالانتخاب أعضاء لجان ومجالس يؤدون وظائف محددة تكلفهم بها الجمعيات العمومية، مع إمكان استدعائهم بمعنى إلغاء انتدابهم في أي وقت.
مقارنة بحجم انتشارها المحدود، فإن الأناركية تعتبر أكثر التيارات السياسية تعرضًا للهجوم والتشويه، ويعد الاتهام بممارسة العنف أكثر الاتهامات الشائعة عن الأناركيين، رغم أن الحقيقة التاريخية تثبت أنهم أقل التيارات السياسية ممارسة للعنف وبفارق كبير عن غيرهم. وبرغم أن الفئة الضئيلة من الأناركيين الذين آمنوا بأن أعمال العنف تصلح سبيلاً لتحفيز الجماهير على الثورة عاشت ومارست عنفها في بداية القرن الماضي، ثم اختفت ولم يعد لها وجود بين تيارات الأناركية المعاصرة. ولا يمكن تبرير حجم التشويه الذي تتعرض له الأناركية إلا بأنها كغيرها من التيارات المؤمنة بالثورة والسعي للتغيير الجذري للمجتمع بما يمنح الناس أملاً في إمكانية بناء عالم أفضل.

مقالات متعلقة

  1. ضحايا إعلام "Doomscrolling"
  2. برزت ملامحها في سوريا.. ما الدساتير دون الوطنية
  3. أيدان جيمس.. رجل بريطاني قاتل مع "قسد" يواجه تهم "الإرهاب"
  4. مخافر "فقيرة" وصاحب السلاح "سلطان" في درعا

أخبار منوعة

المزيد من أخبار منوعة