محمد قطيفان – درعا
لم تكن أسواق إيجارات المنازل في درعا رائجة قبل الثورة، فمعظم أهالي المحافظة هم من “ملاك” العقارات على اختلاف مواقعها ومواصفاتها، والباحث بينهم عن بيت للإيجار غالبًا ما يجد طلبه لدى أقاربه أو أصدقائه، لكن ظاهرة الإيجار بدأت بالانتشار بشكل تدريجي مع افتتاح جامعة درعا قبل عدة سنوات، وتوافد عدد من الطلاب من المحافظات الأخرى إليها.
الانفجار الحقيقي لسوق الإيجار، كان بعد أشهر قليلة من بداية الثورة، وتحديدًا مع توسع رقعة الاشتباكات بين قوات الأسد والمعارضة المسلحة في مختلف مدن وبلدات درعا، وأصبح هذا السوق نشطًا، يختلف العرض والطلب فيه حسب المنطقة الجغرافية وسخونتها، وترتفع الأسعار وتنخفض فيه بمجرد الإعلان عن بدء أو توقف المعارك.
ورغم افتقار معظم مدن وبلدات درعا الخاضعة لسيطرة المعارضة للخدمات الأساسية، وتعرضها بشكل دائم لقصف النظام بأسلحة مختلفة، إلا أن ذلك لم يمنع بعض أصحاب البيوت المؤجّرة من التعامل مع المستأجرين على أن بيوتهم تقع في حارات دمشق الراقية، فتوصف الأسعار بأنها مرتفعة جدًا مقارنة بالظروف التي تعيشها المحافظة، وحتى أولئك الذين يقبلون ارتفاع الأسعار على مضض يجدون صعوبة كبيرة في العثور على طلبهم، حتى بات العثور على منزل للإيجار أشبه بالمغامرة، التي قد تنتهي ببعض العائلات للسكن في أشباه البيوت.
الريف الشرقي خمسة نجوم
بلدات ريف درعا الشرقي هي الوجهة الأبرز للباحثين عن بيوت للإيجار، فالمنطقة تضم عددًا كبيرًا من البلدات المحررة التي تعتبر آمنة نسبيًا، كما أنها تحظى بخدمات أفضل من باقي المناطق المحررة في المحافظة، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على الارتفاع الكبير في أسعار الإيجارات.
مؤيد الزعبي، مواطن من درعا، قال لعنب بلدي إنه احتاج لأكثر من شهرين حتى وجد منزلًا للإيجار في الريف الشرقي لدرعا، وأضاف “تجولت في معظم القرى الشرقية: صيدا، المسيفرة، الجيزة، غصم وغيرها، وكان الأمر مشقة حقيقية، فهذه المناطق بالكاد تجد فيها مكانًا لعائلة واحدة”.
وأوضح الزعبي أنه وجد ضالته أخيرًا في بلدة صيدا، بعدما قررت إحدى العائلات تغيير مسكنها، ليبادر بدوره للاستئجار بدلًا عنهم، وليُفاجأ بالشروط المطلوبة “الاتفاق بالدولار حصرًا”، والمبلغ المطلوب تجاوز 100 دولار شهريًا لمنزل بغرفتين ومنافعهما، بالإضافة لاشتراط صاحب المنزل أن يتم الدفع لكامل الفترة الزمنية مقدمًا، “ما يعني أنني كنت مضطرًا لدفع ستة أشهر”.
وأضاف مؤيد أنه حاول جاهدًا تخفيض السعر المطلوب، إلا أنه وجد نفسه مضطرًا في النهاية للقبول بالأمر، واستطرد “إن لم أدفع، كان غيري سيدفع حتمًا، فالطلب على البيوت أكبر بكثير من حالة العرض”.
الجهات القضائية مقصرة
قصة مؤيد تشابه غيرها الكثير، ولكن عدم قدرة بعض العائلات على تحمل المبالغ المرتفعة، يجعلها تتوجه نحو المخيمات التي تعاني ما تعانيه، أو يجعلها تبحث عن بيوت في أماكن توصف أنها أصعب، معيشيًا وأمنيًا، وهذا ما انطبق على عائلة عبد الكريم الهنداوي.
وقال الهنداوي لعنب بلدي إنه بعد تعرض منزله للقصف في درعا البلد، بدأ يبحث عن منزل لعائلته في القرى المجاورة، ليواجه نفس المعاناة التي واجهت مؤيد، وأضاف “لم تكن لدينا القدرة على المبالغ المطلوبة، فاخترنا البقاء في درعا البلد، بعد أن قدم لنا أحد المغتربين منزله لنسكن فيه دون مقابل”.
واشتكى الرجل من المبالغة في الأسعار، ملقيًا بالمسؤولية على الجهات القضائية والتنفيذية في المحافظة، إذ يقتصر دور المجالس المحلية في الوقت الراهن على مصادقة عقود الإيجار فقط، دون فرض أي قيود على الأسعار، وتساءل “أين الجهات التي تضبط الأسعار وتضع سقفًا أو معيارًا لهذا السوق؟ فمن غير المعقول أن يكون إيجار منزل بإمكانيات بسيطة في قرى درعا بنفس إيجار منزل في أحياء دمشق المعروفة، والاختلاف بين الاثنين كبير”.
بيوت قيد البناء كخيار ثالث
رغم الصعوبة التي واجهت مؤيد وعبد الكريم، إلا أنهما أوفر حظًا من كثير من العائلات التي وجدت نفسها أمام خياري المخيمات والبيوت ذات الإيجارات المرتفعة، لتختار الوسط بين الاثنين، وتبدأ البحث في البيوت قيد البناء وغير المجهزة للسكن بعد، إذ أوقفت الثورة حركة عمران الكثير من المساكن، فأصبحت اليوم مأوى من لا مأوى لهم.
عنب بلدي اطلعت على قصة من مئات القصص لإحدى العائلات النازحة من الغوطة الشرقية في ريف دمشق، والتي لم تجد إلا منزلًا قيد الإنشاء في إحدى بلدات ريف درعا الشرقي. وقال ربُّ هذه الأسرة إنه “عند وصولنا إلى درعا لم نستطع التأقلم مع الظروف الصعبة للمخيمات، كما أننا لم نملك القدرة على تأمين المبالغ المرتفعة للإيجارات، فكان هذا الحل هو الوحيد أمامنا”.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة للحياة في هكذا مساكن، إلا أنها “تبقى أقل صعوبة من المخيمات، فعلى الأقل لا نخاف أن تُغرقنا المياه في الشتاء”، أضاف النازح، لتتكامل قصة عائلته مع غيرها، في مشهد جديد من ثورة مليئة بالمشاهد المؤلمة.