توليفة فنية مشتركة بين “العرب والكرد”.. احتضنتها الجزيرة السورية

  • 2016/10/23
  • 1:42 ص
توليفة فنية مشتركة بين "العرب والكرد”.. احتضنتها الجزيرة السورية

ضمت الجزيرة السورية العديد من الفنانين والمسرحيين والمغنين، وقدمت طبيعة غنية في تنوعها الفني والثقافي والحضاري في سوريا، لتعبر عن نفسها بعدد كبير من المسرحيات والأغاني الشعبية، بلغات تناغمت بين كلمات عربية وألحان كردية، وتداخلت فيما بينها، في مقطوعة واحدة.

لا ينسى السوريون كلمات الأغنية التي أهداها الفنان، سميح شقير، للمغني الكردي، شيفان برو، مغنّيًا مسيرته الغنائية في الثورة السورية بمشاركة أشقائه الكرد، مناديه بـ “غن يا شفان غن”، لتبدو الصورة العامة، أن الأخوة لا يمكن أن تخلو بين العرب والكرد أينما وجدوا، داعيًا شيفان للاستمرار بالغناء للشعوب، فعدو الحرية واحد في أي مكان.

 العديد من المسرحيين الكرد كتبوا أعمالهم باللغة العربية، ناهيك عن العديد من الأغاني التي كانت تصدح وترافق بعض المسرحيات بكافة اللغات

شيفان لم ينس الدعوة التي وجهها إليه سميح شقير، ليفي بوعده، ويوجه أغنية بلغة كردية عانقت العربية التي دعتها، أطلق عليها “السلام والحرية”، مستوحيًا كلماتها من المعاناة التي تعرض لها السوريون عربًا وكردًا من الظلم والاضطهاد والقمع، في سبيل إيصال صوت الحرية والحق.

غنى شيفان لسميح شقير بلغة عربية، استهلها بـ “سلام من صبا بردى أرق، ودمع لا يكفكف يا دمشق”، للشاعر العربي أحمد شوقي، حيّا فيها الفنان سميح شقير، مؤكدًا له، أن العرب والكرد مازالوا جنبًا إلى جنب على طريق الحرية.

“ها أنا شيفان صديقك، أغني لشعب تواق للحرية والسلام، ها أنا أغني لحمزة الخطيب، لجسد مزقت جسده طلقات الظلام، أغني للسلام والحرية، أغني لحرية الإنسان”.

عادل مراد، مسرحي وشاعر كردي، يعزف على آلة الطنبورة (عنب بلدي)

المسرح في أحضان الجزيرة.. ذكريات وماض جميل

يقلب في ذاكرته قصصًا وحكايات مسرحيات قدمها على خشبة مسرح مدينة القامشلي منذ أعوام، كانت لا تخلو من أبطالها الثلاثة الدائمين من أبناء المدينة (سرياني وعربي وكردي)، وجمهور كبير كفسيفساء ملونة من مكونات الجزيرة.

“كباقة ورد ملونة، نوزع أعمالنا المسرحية على أبناء مدينتا، وما أجمل المحبة والتصفيق، تصدح في مسرح القامشلي، لتزينها ترانيم كردية وعربية وسريانية”، يقول المسرحي والشاعر، عادل مراد إبراهيم، بينما تأخذه حكاياته وأعماله التي كتبها ومثلها آنذاك، مع مجموعة من الممثلين والمسرحيين “عرب وكرد وأرمن وسريان”، كأول خطوة له في عالم المسرح والفن في مسيرته الفنية.

يضيف إبراهيم في حديث لعنب بلدي، “لم يقتصر عملي الفني على المسرح فقط، فكتبت الشعر باللغة العربية، وألقيته بلهجات سورية وعراقية ولبنانية، مستوحيًا كلماتها من الجو العام، الذي جمع عدة مكونات في الشمال الشرقي لسوريا في منطقة الجزيرة”.

منطقة الجزيرة السورية، التي ضمت العديد من المكونات، احتوت العديد من الشعراء والمسرحيين العرب والكرد والسريان، الذين كتبوا ومثلوا بروحهم وإبداعهم عن حياتهم المشتركة، وسجلوا بشعرهم ومسرحياتهم مواقف وحكايات كثيرة، تعطي صورة مزينة عن التنوع الثقافي والفني والمسرحي في المنطقة على الرغم من تنوع اللغات الموجودة، والتي أثرت المسيرة الفنية والشعرية لمنطقة الجزيرة.

الحالة الطبيعية التي يبدأ كل فنان فيها، تنبع من الارتباط المكاني للمنطقة التي يعيش فيها، فكيف إن كانت في منطقة الجزيرة السورية، التي فرضت جوًا فنيًا وشعريًا عامًا على ضفاف نهر الفرات، وزرعت قيم التعايش الراسخة في نفوس وشخصيات المنطقة، ليقدموا لونًا غنائيًا وفنيًا ومسرحيًا ينبع من قلوبهم، التي تسودها المحبة والإخاء. يؤكد عادل “الجزيرة فرضت على كافة المكونات، لونًا ثقافيًا واحدًا، المسرح ضم العربي والكردي والسرياني دون تفريق”.

الأعمال الفنية في منطقة الجزيرة لم تقتصر على المسرح والغناء، فجميع الأعراس والاحتفالات والمهرجانات التي كانت تتم في المنطقة، يشترك فيها العربي الذي يقدم كلماته ونصوصه العربية، والكردي الذي يلحن هذه الكلمات بآلته الموسيقية، والسرياني الذي يقدمها بثلاث لغات، ما يعطي “أوركسترا” غنائية تنبع من وحي هذه المنطقة. هذا ما عبر عنه عادل، بينما يعزف على آلته “الطنبورة” التي تشتهر الفرق الكردية بالعزف عليها، قائلًا “في جميع الأعراس والمهرجانات والاحتفالات التي تقام في منطقتنا، كنت أعزف وألحن على هذه الآلة، النصوص كتبت أغلبها بلغة عربية”.

“من عاشر القوم أربعين يومًا أصبح منهم وفيهم”، المثل الذي اختتم فيه المسرحي عادل بعد حديثنا معه، يدفعه لمتابعة أعماله الفنية النابعة من المشاعر الغنية التي تأصلت في نفسه، وتمنحه الثقة على الرغم من هذه الظروف التي يمر بها هو وزملاؤه من المسرحيين والفنيين.

وعلى الرغم من محاولات الفصل الكبيرة التي اتبعها النظام السوري على مدى ستة عقود في ترسيخ التفريق والتباعد الثقافي والفكري، بين العرب والكرد وباقي المكونات الأخرى، يرى عادل أنه “من الصعب التفريق بين أنواع التناغم الفني والمسرحي والشعري المشترك المتعلق بيننا، فالمسرح الكردي والمسرح العربي واحد، عندما كنا نذهب للمسرح سابقًا، ونشارك بأعمال مسرحية، نجتمع على أساس المواهب والاحتراف، دون أن نعرف أن هذا كردي والآخر عربي أو سرياني”.

خلال الأعوام الخمسة الماضية، تأثرت الحياة الفنية المتكاملة من “شعر وغناء ومسرح” لمنطقة الجزيرة، نتيجة التوترات الأمنية، والحصار المفروض على مدنها بسبب سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على المناطق المحيطة بها.

جميع الظروف السياسية والعسكرية القاسية من حصار وخناق فُرض خلال الأعوام الخمسة الماضية في سوريا، والذي امتد ليشمل منطقة الجزيرة السورية، التي لقيت النصيب الأكبر من أنواع الحصار الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، دفعت عادل لمتابعة مسرحياته وأشعاره مع العديد من المسرحيين والفنانين من المكونات العربية والسريانية.

المسرح في الجزيرة السورية.. ترابط فني وتأصيل تاريخي

شهدت مناطق الجزيرة في سوريا، حركة نشطة ومترابطة في مجال العمل المسرحي بأبعاده المختلفة، من حيث تقديم الأعمال المسرحية أو الأمسيات النقدية والمحاضرات المسرحية أو كتابة النص المسرحي، والتي انتشرت في المنطقة بعد عام 1991، بين مسرحيين عرب وكرد، كمحاولة للاهتمام به وترسيخ تراث منطقتهم التاريخي والثقافي من خلاله، مقدمين بذلك العديد من المهرجانات والأعمال المسرحية، إضافة إلى الفرق الفنية المستقلة فيما بينهم.

مدينة القامشلي في منطقة الجزيرة السورية الجامعة للعديد من المكونات، برزت فيها العديد من الأعمال المسرحية، قدمها عشاق مسرحيون أوائل من عرب وكرد وسريان، أغنوا فيها المسيرة الفنية لمدينتهم وللجزيرة السورية بشكل عام على الصعيد الفني.

مسرح القامشلي فسيفساء ملونة في تاريخ الجزيرة السورية

جمع مسرح مدينة القامشلي سابقًا، كافة الشرائح من المكونات الموجودة في منطقة الجزيرة السورية، حيث انطلق في بداياته الأولى من الفرق الفنية والنوادي القصيرة، والتي قادت بدورها الحركة المسرحية في المنطقة.

المسرح مر بعدة مراحل، متنقلًا من تقديم الطقوس المنتشرة والمعروفة في الجزيرة والحفلات الشعبية والمنولوجات، وصولًا إلى عروض مسرحية متطورة ومتقدمة.

حركة نشطة قدمها المسرح، ضمّت بين صفوفها عشّاقه وعشاق الأدب والفنون الأخرى في المدينة، وقد كان الاعتماد عليه بشكل أولي لتقديم عروض وفقرات فكاهيّة تمتع جمهور مدينة “القامشلي” بأعمال من الفن والإبداع، ومع مرور الوقت توسّعت شعبية المسرح وكبُرت بين مكوناتها.

أغلبية الأعمال المسرحية التي نشأت في المدينة مع بداية تأسيسها، اعتمدت بشكل رئيسي على شبان سريان وعرب وكرد، أغنوا بدورهم مسيرة العمل المسرحي في منطقتهم بشكل خاص وباقي مناطق الجزيرة بشكل عام.

يقول الممثل المسرحي الكردي، حسين برو، لعنب بلدي، “أولى الفرق المسرحية التي تشكلت في مدينة القامشلي، كانت مؤلفة من سريان وعرب وكرد، وانتشرت هذه الفرق لتغطي جميع المناطق في سوريا، من خلال تنقلها لتقديم العروض المسرحية في حماة وحلب وحمص ودمشق”.

نصوص “مسرحية كردية” كتبت باللغة العربية

يعد “النص المسرحي” قوام وأساس العروض والأعمال المسرحية التي تقام بكافة أشكالها، لما يحتويه من عناصر تسهم بقدر كبير في تشكيل الصورة الأخيرة لبداية العمل المسرحي.

ضمت المسارح في منطقة الجزيرة السورية العديد من كتّاب النصوص المسرحية، كانت غالبيتهم من المكون الكردي، وشكلوا مكانة متميزة في عملية الإبداع الفني على كافة الأصعدة، منطلقين من كتابة نصوصهم المسرحية بلغة عربية فصيحة، لتعرض بمشهد تمثله شخصيات كردية وعربية معًا.

يقول حسين برو “العديد من المسرحيين الكرد كتبوا أعمالهم باللغة العربية، ففي الأيام الماضية كان الفن لا يقتصر على كردي أو عربي، أو تميز اللغة السريانية عن الكردية وكذلك العربية، ناهيك عن العديد من الأغاني التي كانت تصدح وترافق بعض المسرحيات بكافة اللغات”.

وأغنى الفلكلور الكردي والعربي والسرياني في منطقة الجزيرة، ثلة من الكتاب والمسرحيين والمغنين من كافة المكونات الموجودة فيها، فبرز اسم المغني الأرمني “آرام” في العديد من المهرجانات والأعراس الكردية والعربية، والذي لعب الدور الأبرز في إغنائها وآنذاك، وما قدمه الفنان “سعيد يوسف” للأغنية العربية من آلته البزق، والفنان السرياني “إبراهيم كيفو” الذي غنى بثلاث لغات في القامشلي “العربية والكردية والسريانية”.

فرق مسرحية مكوناتها مختلفة أغنت المسيرة الفنية للجزيرة السورية

ارتقت “الجمعية العربية السورية” للتمثيل والموسيقى بعروضها إلى مستوى أفضل، مبتعدة عن البساطة في الأداء ومولية اهتمامًا أكبر بالمواضيع والقضايا التي تشغل بال كافة الشرائح المتقدمة في مجتمع منطقة الجزيرة، فبرز اسم فرقة “المسرح العربي”، التي أنشئت في تلك الفترة، وعاصرت الجمعية السورية، وأخذت على عاتقها تقديم عروض شعبية ومسرحية ومشاهد تمثيلية مستقلة تتخللها فواصل هزلية وغناء ودبكات وما شابه ذلك.

وأطلقت العديد من العروض مثل “الطبيب رغمًا عنه” لموليير، و”عاد بدري” لعلي أبو ذراع، و”غلط ضرب غلط” لعمر بصمه جي الممثل الكوميدي المعروف في المدينة.
وكان من أبرز أعضاء هذه الفرقة الفنان الشعبي، سليمان محمد، الذي عرفت الفرقة باسمه لفترة طويلة، والفنانون عبد الوهاب أنيس و حسن جنان وبسام داغستاني وعصام قدوري وغسان اسكندر وسمير بنجارو.

وأسهمت هذه الفرقة الشعبية بكل ما قدمته من عروض مسرحية وحفلات سمر في شد انتباه المتفرج العادي البسيط إلى متابعة عروض الحركة المسرحية في العديد من مناطق الجزيرة وخاصة مدينة القامشلي.

المسرح في الجزيرة السورية غدا فنًا جماعيًا وحالة اجتماع بشري وحضور شخصي مباشر لمشاهدة العروض المسرحية، إلا أن هذا العمل بدا أصعب في الظروف القاسية، التي تعرضت لها المنطقة من حصار خانق وتوترات أمنية، صرفت هموم الناس وأشغالهم عن هذه الأعمال، ما أدى لتوقف عجلة المسرح في البلاد وتوقفت العروض والمهرجانات المسرحية.

فنانون كرد غنوا بلغة عربية دعمًا للثورة السورية

اختار العديد من الفنانين والمغنين الكرد الطريق الأقرب إلى القلوب، والرسالة الأصدق التي تنبع من القلب، متجهين للأغنية التي قدموها منذ انطلاق الثورة السورية كوسيلة للتعبير عن دعمهم ووقوفهم بجانب الشعب السوري بكافة مكوناته، في احتجاجاته ومطالبه بإسقاط النظام، لا سيما أن فن الغناء متأصل عندهم منذ القدم.

لمع اسم العديد من الفنانين والمغنين الكرد في مسيرة الثورة السورية، كان أغلبهم من منطقة الجزيرة السورية، والتي احتضنت باقة جميلة منهم.

الفنان صلاح عمو

الفنان “صلاح عمو”

ينحدر الفنان عمو من قرية الدرباسية (شمال شرق سوريا)، التي تعج بخليط من سريان وعرب وكرد وأرمن، وقد كان لذلك أثر في تأسيسه لمشروع فرقة “جسور” للموسيقى والغناء الذي بدأه عام 2007.

غنى عمو أغنية “قصة وطن وشوية ضمير” في بداية أحداث الثورة السورية، ونشرها في “يوتيوب”، وكانت الأولى له باللغة العربية، وقد كتبها ولحنها إثر مقتل صديقه المخرج السينمائي “باسل شحادة”، الذي ترك السينما ليلتحق بالثوار في مدينة حمص.

وتقول كلمات الأغنية “القصة صارلها كتير، ما عاد بدها صفنة تأمل وكتير تفكير، القصة قصة وطن تعب كتير، وصار بدها شوية ضمير، شو رح تقول لباسل، لغياث، ولمشعل، وكيف رح تتطلع بعين طفل، وتنسى كيف حمزة انقتل”، في إشارة إلى الشهداء الذين سقطوا في بداية الثورة السورية، وتحولوا إلى رمز للثورة من باسل شحادة وغياث مطر ومشعل تمو والطفل حمزة الخطيب.

الفنانة زويا

الفنانة “زويا”

تنحدر زويا من مدينة القامشلي وتقطن في مدينة رأس العين، ذات الأغلبية الكردية، في الشمال الشرقي من سوريا.

غنت الفنانة للثورة السورية منذ انطلاقتها، فأطلقت أغنية بعنوان “الثورة السورية”، غنت فيها لحمص وحماة ودرعا وكافة المدن السورية.

تقول كلمات الأغنية “الشعب السوري ما بينذل بيعشق الحرية، كرد وسريان وآشور فداك سوريا، عاشت حمص العدية ودوما الأبية، بدنا نحرر سوريا بدمائنا الذكية”.

هذه الأغنية التي أطلقتها الفنانة ببداية أحداث الثورة، كانت سببًا في مغادرتها مدينة رأس العين إلى كردستان العراق، خوفًا من قمع النظام السوري لها.

الفنان هجار شيخو

الفنان “هجار شيخو”

أهدى الفنان الكردي شيخو من كردستان العراق، أغنية للشعب السوري خلال أحداث الثورة السورية باللغتين العربية والكردية، أطلق عليها اسم “أنا الشعب”.

تقول كلمات الأغنية “اقتلني كيفما استطعت، انشر مدافعك في كل المدن، واحجب المدن والبلدات بالدخان والصراخ، أنا الشعب ولن تغلبني أبدًا، لن تستطيع صد مقاومتي، أنا الشعب ولن تغلبني أبدًا، ولن نقبل الظلم والهوان بعد الآن، مهما طالت لن تطول، لن تدوم للأبد، الملايين تقول ارحل عنا يا ولد، رغم أنف المعتدي سأحرر بلدي، يا حناجر رددي نحن خير من وعد”.

الفنان دلو دوغان

الفنان “دلو دوغان”

ولد الفنان الكردي دوغان في قرية تربيسة غربي إقليم كردستان العراق، وأصدر العديد من الألبومات التي دعت جميع كلماتها إلى الحرية وفك القيد والظلم.

غنى أغنية للثورة السورية، فرحًا بها ودعمًا لها، عبر فيها عن حزنه الشديد على الشهيد، مشعل تمو، باللغتين الكردية والعربية.

جاء في الأغنية “مشعل أنت الشهيد للثورة عميد نهجك نريد مشاعل تزيد، عصر الذل لسنا به عبيد، ما بنرجع بالثورة صرنا نبادر أكيد، أنا كردي ثائر أنادي أزادي، كلنا مشاعل لتحرير بلادي، يالله بصوت واحد حرية والأزادي، الشعب السوري واحد بيسقط هالطاغية”.

بائع آلات موسيقية مع فنانين أكراد في مدينة القامشلي – (عنب بلدي)

مع ظروف الحرب التي تحيط بمنطقة الجزيرة السورية..

كيف يمارس مسرحيو وفنانو الجزيرة أعمالهم الفنية وما رؤيتهم حولها؟

ترتبط فرق الفنون والمسرح والغناء في مجتمع الجزيرة السورية، ارتباطًا عميقًا بالبعد التنموي المجتمعي بشكل عام، وتلعب دورًا كبيرًا في تجسيد حركة ثقافية فنية فاعلة تسعى إلى تجذير العلاقات الاجتماعية بين كافة المكونات الموجودة في المنطقة.

عملت هذه الفرق على تعميق العلاقة بين المكونات المؤلفة لمجتمع الجزيرة من “كرد وعرب وسريان وأرمن وآشوريين”، كأحد العناصر الفاعلة في تكوين الهوية الثقافية والفنية للمنطقة.

وانطلقت في عملها من محاكاة التراث التاريخي والعيش المشترك كأحد العناصر المهمة التي تميز مجتمع منطقة الجزيرة السورية عن باقي المجتمعات الأخرى.

منطقة الجزيرة السورية بقيت محافظة على لونها الثقافي واستمرار الحركة الفنية فيها وبين مكوناتها، لكن بوتيرة أخف، مقارنة ببقية المناطق كحلب وإدلب وريف دمشق ودرعا وغيرها، بعدما انعكست ظروف الحرب الدائرة على أوضاع الفنانين والمواطنين ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.

في لقاء لعنب بلدي مع عدد من الكوادر الفنية والثقافية والمسرحية في مناطق الحسكة والقامشلي، لاستطلاع آرائهم حول الواقع الفني من مسرح وغناء بين المكونات الموجودة في المنطقة، سابقًا وخلال ظروف الثورة السورية، وعن التغيرات التي طرأت على هذا الواقع وعلى العاملين فيه، قال المخرج المسرحي، فواز محمود، من مدينة القامشلي، “هناك من يميزون بين المسرح الكردي والمسرح العربي، فليس هناك ما يسمى الفرق بين المسرحين، لأن المسرح بشكل عالم هو (عشق الروح)، وعندما يكون الإنسان قريبًا من الناس بروحه، نستطيع أن نطلق عليه كلمة (ممثل)، دون أن نميزه سواء كردي أو عربي أو سرياني، فالشخص الذي يعمل بهذه المهنة سواء تمثيلي أو غنائي، يحمل رسالة مقدسة تحمل معاناة جميع الناس، فهو نقطة بداية لحياة مستمرة إلى الأبد”.

أما الشاب، محمد عابد، فأشار إلى أنّ “الأعمال الفنية والمسرحية كانت قديمة منذ وجود السكان على أرض الجزيرة، إلا أنها تأثرت بشكل سلبي خلال ظروف الحرب في سوريا، وبدا هذا التأثير بسيطًا بالنظر إلى تاريخ العمل الفني والغنائي بين المكونات العربية والكردية في الجزيرة السورية”.

العمل الفني والغنائي والتأثير البسيط عليه في ظل الثورة السورية، الذي يراه محمد في منطقة الجزيرة السورية، يبدو مختلفًا من وجهة نظر الممثل المسرحي، شفزان فواز محمود، من مدينة القامشلي، الذي اعتبرّ أن “المسرح العربي مرّ قبل أحداث الثورة السورية، بفترة ازدهار كبيرة، في حين كان المسرح الكردي متراجعًا، نظرًا للقمع الذي كان يعاني الممثلون الكرد منه آنذاك، في حكم النظام البعثي. بعد الثورة السورية انقلبت الأمور عكسيًا، ليتوقف دور المسرح العربي، ويزدهر دور المسرح الكردي”.

وعلى الرغم من الاختلافات بين المسرح الكردي والعربي سابقًا وحاليًا، وفق ما يرى شفزان، إلا أنه دعا “كافة المكونات الموجودة في منطقة الجزيرة السورية للعمل معًا على خشبة مسرح واحدة على الرغم من الظروف التي نتعرض لها”.

الفنان”بهاء شيخو” شقيق الفنان والمغني الكردي الراحل، محمد شيخو، الذي غنى بعدة لغات، وخاصة العربية، يقول “الفن وجد في منطقة الجزيرة السورية، مع وجود الأهالي من كافة المكونات على أرضها، فغنى أخي بلغة عربية فصيحة للعديد من الفنانين كفريد الأطرش وعبد الحليم”.

شيخو وافق الشاب محمد عابد بأن “أحداث الثورة السورية أثرت بشكل بسيط على الأعمال الفنية في الجزيرة، فالفن بشكل عام مثله كأي مؤسسة تأثرت بهذه الأحداث، وخاصة أن عددًا كبيرًا من الفنانين العرب والكرد هاجروا خارج سوريا بسبب الحرب الدائرة في المنطقة وحولها، الأمر الذي حدد هذه الأعمال لكنها لم تقتصر على مكون منفرد دون الآخر”.

إلا أن الفنان المسرحي، علي عثمان، وهو أحد سكان مدينة القامشلي، يجد أنه “رغم أن الحصار والظروف التي فرضتها الثورة السورية على منطقة الجزيرة ومدنها، أثرت بشكل كبير على الفنان بشكل عام، إلا أنها قاربت بين الفنانين من كافة المكونات الموجودة، لخلق عمل فني أو غنائي موحد، كون العدو واحدًا لديها جميعًا”.

فنانون كرد تركوا بصمة في الفن السوري

عاشت الدراما السورية قبيل الثورة السورية أجمل فترات تألقها، حيث طرحت أداءً تمثيليًا يرتقي من مصاف التمثيل إلى مرحلة الواقع، اشترك في نهضته العديد من الفنانين العرب والكرد، تاركين بصمة جميلة على صعيد الأعمال الفنية السورية.

واحتوت الأعمال الفنية السورية السابقة على كافة الأصعدة، نخبة من نجوم الفن الكردي، منهم من رحل تاركًا وراءه ذكرى لا تنسى، وآخرون مازالوا يضيفون لمسة تمتد عبر عصور الفن.

الفنان عبد الرحمن آل رشي

الراحل “عبد الرحمن آل رشي”

شيخ الفنانين السوريين ومخضرم الدراما السورية، الفنان الذي فقدته الشاشات السورية، والذي لم يبخل في إغناء الفن السوري بأدواره الإبداعية.

كان للفنان الراحل أدوار لا تنسى من أذهان الشعب السوري، بينها “الأزرق” في مسلسل “غضب الصحراء” و”ريّس المينا” بمسلسل “نهاية رجل شجاع” و”جنكيز خان” في مسلسل “هولاكو.

يعتبر آل رشي أحد أبرز النجوم الذين لمعوا في سماء البيئة الشامية، وقدم لها ما لم يقدمه غيره، ومنها شخصية “الزعيم أبو صالح” بالجزء الأول والثاني من “باب الحارة”، و”أبو جواد” في “الخوالي” و”أبو بطرس الزكرتي” بمسلسل “رجال العز” إضافة إلى أدواره في “الحوت” و”أهل الراية” وغيرها.

توفي الفنان آل رشي في نيسان 2014، واختتم مسيرًة فنيًّة حافلة، زادت على 50 عامًا، قدّم خلالها عشرات الأعمال المسرحية، والسينمائية، والإذاعية، والتلفزيونية.

واشتهر الراحل بنبرة صوته المميزة، وشخصيته الخاصّة التي تركت تأثيرًا في أذهان المشاهدين العرب.

الفنان خالد تاجا

الراحل “خالد تاجا”

أطلق عليه الشاعر، محمود درويش، لقب “أنطونيو كوين العرب”.

عمل الفنان الراحل في المسرح منذ كان صغيرًا مع كبار الفن المسرحي آنذاك، من أمثال عبد اللطيف فتحي وحكمت محسن.

ولد تاجا بحي ركن الدين الدمشقي عام 1939، وتنوع في العديد من الأعمال الدرامية والكوميدية وفي أنماط وبيئات فنية مختلفة، واشتهر بتماهيه مع الدور والحرص على تقديم أفضل ما لديه دائمًا. وله كم هائل من الأعمال الفنية المتنوعة.

لعب الفنان أدوارًا في أعمال تلفزيونية تجسد البيئة الشامية من قبيل “أسعد الوراق” و”أيام شامية” و”الحصرم الشامي” و”أبو خليل القباني”، وأخرى تاريخية من قبيل “خالد بن الوليد” و”ملوك الطوائف” و”ربيع قرطبة” و”صلاح الدين الأيوبي” وحتى كوميدية في “بقعة ضوء” و”الفصول الأربعة” و”يوميات مدير عام” و”أيام الولدنة”، بالإضافة إلى أعمال أخرى اجتماعية معاصرة.

رحل الفنان السوري في دمشق عن عمر يناهز 72 عامًا، بعد صراع مع المرض، غير أن عزاء محبيه يكمن في المئات من الأعمال الفنية المترعة بالإبداع، التي جسدها في شبابه وفي أواخر سنوات عطائه.

الفنان والمخرج الراحل طلحت حمدي

الفنان طلحت حمدي

ولد طلحت حمدي (طلحت حمدي كاكا) في دمشق عام 1941، واستهل مطلع شبابه في أجواء العمل المسرحي الذي ازدهر في دمشق والمحافظات السورية عبر الفرق والأندية الأهلية ما بين ثلاثنينات القرن العشرين ونهاية الخمسينيات حين تم تأسيس الفرق المسرحية الرسمية.

أولى مشاركاته كانت في فرقة “النادي الشرقي” التي أسسها “نهاد قلعي” عام 1958 وقدمت مسرحيتها الشهيرة “ثمن الحرية” في دمشق والقاهرة زمن الوحدة، وأشاد بها الناقد د. محمد مندور.

عرف الراحل واحدًا من نجوم الأبيض والأسود، وكان أحد نجوم الدراما السورية المعاصرة بأدوار خاصة، لا يمكن لأحد سواه إجادتها بالطريقة المتقنة.

كان حمدي ممثلًا مخضرمًا، وواحدًا ممن أسهموا في إغناء الحركة المسرحية من خلال تأسيسه للمسرح الطليعي وكان أول المنتمين لفرقة المسرح القومي التي تأسست سنة 1960.

بدأ حمدي مسيرته الفنية في مسلسل “ساري” لعلاء الدين كوكش، ثم حقق نجومية ساطعة بأكثر من عمل مثل الهراس في عمل يحمل نفس الاسم والرماح في غضب الصحراء، والأستاذ موفق في دائرة النار، ثم حاز على قبول واسع عندما أدى دور “شوكت القناديلي” في السلسلة الشامية حمام القيشاني.

توفي حمدي في الأردن عام 2012، بعد أن غادر سوريا مع أسرته، قبل أن تفاجئه نوبة قلبية، تاركًا مكانًا فارغًا كبيرًا، بعد أن غيب لعدة سنوات عن الفن السوري.

الفنان محمد أوسو

الفنان الشاب محمد أوسو

ينحدر الشاب محمد أوسو من حي ركن الدين الدمشقي، من أسرة كردية عريقة.

يُعتبَر من ألمع نجوم الكوميديا الشباب في سوريا، وحصل على الجائزة الأولى في مهرجان دمشق الخاص بالأعمال التلفزيونية السورية عن مسلسله “بكرا أحلى”، والذي كان أول عمل يخطو به إلى عالم الشهرة، كما شارك بعد ذلك في مسلسلات عدة، من أبرزها “كسر الخواطر”.

أوسو من الفنانين الداعمين للثورة السورية منذ بدايتها، وظهر في العديد من المظاهرات يهتف بإسقاط النظام في حي ركن الدين بدمشق، مرددًا “لا عربية ولا كردية .. بدنا وحدة وطنية”، لترددها خلفه حشود الجماهير.

تعرض أوسو للعديد من الاعتقالات على يد قوات النظام السوري في بداية الحراك الثوري السلمي في سوريا، وأطلقت العديد من الإشاعات عن نبأ وفاته في معتقلات التعذيب إلا أنها كانت كاذبة.

 

حسين برو – صحفي ومسرحي سوري

الفنون رافعة حقيقية

لصياغة الهوية الوطنية السورية الجامعة

حسين برو

يقول آينشتاين لو لَم أكن فيزيائيًّا، مِنَ المُحتَمَل أن أصبِحَ مُوسيقيًّا، غالبًا ما أفكّر بالمُوسيقى، أحلامُ اليَقَظةِ لَدي مُوسيقى، وأنظرُ إلى حَياتي بدلالَةِ المُوسيقى، أجمَلُ أوقاتي هِيَ تلكَ التي أقضيها بالعزفِ على الكَمَان“.

ما يقوله آينشتاين، يحيلنا بدلالة واضحة نحو أهمية الفنون، بوصفها واحدة من أهم الأدوات التي ساهمت في تشكيل الحضارة الإنسانية عبر العصور، بل وإن كثيرًا من هذه الحضارات قد اندثر، لكن فنونها مازالت خالدة تذكّر بها، وتقدّم كشفًا تاريخيًا عن حياة الناس وثقافاتهم.

الفن لغة عالمية يتعامل معها الجميع، بعيدًا عن عوائق اللغة أو القومية أو الدين، إلى الحد الذي يمكننا معه القول إن الفن يشكّل أهم سفير بين الشعوب، ويشكّل المادة الأساسية لحوار ثقافي حضاري يساهم في خلق حالة من التعايش والتقارب والتفاهم بين الشعوب.

وهذا الفعل الحضاري الذي تقوم به عادة الفنون، لا يأتي بقرار سياسي، ولا بتوجيهات حزبية ولا حكومية، هو حالة فطرية، تتولّد من رغبة صانع الجمال في أن يعبر عن ذاته ضمن محيطه، وبالتالي يترفّع الفن عن كونه لسان حال، أو فقرة في برامج القوى السياسية والحزبية، وأسوأ النماذج الفنية على الإطلاق هو ما يقدّم على شكل خطة لتحقيق هدف ما ترسم له سلطة ما، سياسية كانت أو ثقافية أو اجتماعية. وطبعًا لا يشمل هذا الدور الفاعل للفنون في المعالجات النفسية والدعم النفسي، وهذا ليس مجال الحديث عنه هنا.

في القامشلي، أو قامشلوـ كما يطيب للكرد تسميتهاـ تلك المدينة الوادعة القابعة في عمق الشمال الشرقي من سوريا، تجلى فيها الفن كأداة مساعدة في خلق مساحة مشتركة بين سكان هذه المدينة المتنوعين دينيًا وإثنيًا، وأسهم الفن بحالته الواعية، غير المسيسة ولا المؤدلجة في التأسيس لثقافة الحوار مع الاخر.

لا يمكن لأي متابع للحركة المسرحية في القامشلي، والتي بدأت منذ عشرينيات القرن الماضي، أن يغفل أسماءً كسليم حانا، وسمير إيشوع، ووليد العمر، ومحمد نديم، وعبد الواحد علوني، وأنطوان أبرط، وأحمد إسماعيل، وإسكندر عزيز، وفيصل الراشد، الذين شكلوا بانصهارهم في توقهم للشغل في المسرح، حالة من التلاقح الحضاري تقدم نموذجًا حيًا لحياة مدنية ما كانت تعرف التعصّب أو التقوقع في زاوية واحدة.

وهل يمكن للوحة الحركة التشكيلية السورية أن تكتمل خطوطها دون أن نذكر عمر حمدي أو يوسف عبدلكي وبشار العيسى ويعقوب إبراهيم وزهير حسيب وبهرام حاجو، الذين قدموا بانوراما فنية تنقل تفاصيل الحياة في تلك المدينة بعيدًا عن التحزّب والانتماءات الضيقة.

هل يمكن لكردي مثلًا أن ينسى آرام ديكران الذي قدم الفولكلور الكردي بأزهى صوره ولمدة تفوق الخمسين عامًا، أو إبراهيم كيفو الذي نقل في جولاته للعالم كله روعة الأغاني الكردية والسريانية والماردلية، هل يمكن أن يستقيم الوضع دون أن نذكر بزق سعيد يوسف، أو بحة محمد شيخو، أو شدو جان كارات، أو عود موسى الياس؟

لم يجتمع كل هؤلاء ذات يوم ليقرروا أنهم يجب أن يتعاونوا لتقديم صورة التعايش في مدينتهم، بل لأن التعايش بين الجميع خلق منهم حالة فنية فريدة من خلال الحفاظ على الخصوصية، والذوبان في المجموع. ليس الفنان الحقيقي بحاجة لقرار فوقي كي يتعايش مع غيره.

الفن كان وسيبقى الرافعة الحقيقية للوعي، وسنبقى نقول: إنه سيكون الرافعة الحقيقية لتشكيل صياغة جديدة للهوية الوطنية السورية الجامعة.

 

أعد هذا الملف من قبل جريدة عنب بلدي بالتعاون مع إذاعة راديو آرتا إف إم


حلقة خاصة عن الملف في راديو ARTA FM

مقالات متعلقة

  1. أطفال سوريا في برامج المواهب.. استعطاف أم إبداع؟
  2. الحفلات والمهرجانات.. صورة ناقصة لـ"سوريا بخير"
  3. لماذا غابت الفنون عن الثورة السورية
  4. عندما تكون حافلة الإسكان العسكري شاهدًا

في العمق

المزيد من في العمق