اقتصاد مدينة حمص.. تحكم واحتكار بيد طائفتين من المدينة
ضياء عودة – عنب بلدي
عمد النظام السوري منذ بداية الثورة السورية، إلى وضع كافة البنى والعمليات الاقتصادية الرئيسية التي تعتمد عليها المدن والمناطق بشكل عام في سوريا بيد مواليه، منطلقًا من اتجاهين، الأول تحجيم دور التجار من الطائفة “السنية”، لما لهم من دور كبير في الحركة التجارية والاقتصادية سابقًا، وليقدم لمواليه سواء من الطائفة “العلوية أو الشيعية”، صكًا بالسيطرة على طرق التجارة ومفاصلها بشكل رسمي.
مدينة حمص لقيت النصيب الأكبر من العمليات التي قام بها النظام السوري، نظرًا لطغيان أعداد الموالين فيها بعد عمليات التهجير التي اتبعها النظام في أحياء حمص القديمة وأحياء البياضة ودير بعلبة والقصور، والتي كان يشكل تجارها العمود الفقري للمدينة.
موالو المدينة وجدوا بهذا الحصار، الذي فرضه النظام السوري فرصة كبيرة ليتحكموا بالتجارة في المدينة، كاسبين الملايين من عمليات رفع الأسعار والسيطرة على طرق التجارة واحتكار البضائع على المواطنين.
تحجيم دور التجار “السنة الكبار” كحل أولي
يعتبر “سوق الهال” المتعارف عليه في مدينة حمص سابقًا، من أهم المحطات التجارية التي كان يعتمد عليها العديد من التجار “الحماصنة” في شراء بضائعهم، سواء من الخضار والفواكه أو السلع التجارية والتموينية الغذائية، إضافة لكونه مركزًا مهمًا يقصده الفلاحون من أرياف المدينة، كالريف الشرقي وتلبيسة وكفرعايا ومسكنة، في بيع بضائعهم ومنتوجاتهم الزراعية التي تنتج فصليًا أو سنويًا.
السوق لم يكن حكرًا على تجار مدينة حمص فحسب، بل كان يلجأ له العديد من التجار السوريين من كافة المحافظات السورية، من مدينة حلب وحماة ودرعا وغيرها، حتى أصبح مؤخرًا ما قبل بداية الثورة السورية من أهم الأسواق التجارية في سوريا المعتمد عليها بشكل كبير.
في بداية الثورة السورية، وضمن عمليات التهجير والقمع التي قام بها النظام السوري على أحياء دير بعلبة وحي القصور، والتي كانت أغلبية التجار الكبار بالسوق من هذين الحيين، اتجه النظام السوري معتمدًا على مواليه في المدينة إلى ضرورة إنهاء دور هؤلاء التجار، كونهم من الغالبية السنية، منطلقًا من الطائفية التي اعتمد عليها بشكل كبير.
برزت في السوق أسماء لتجار كبار، استطاع النظام أن يحجم دورهم التجاري، سواء من خلال عمليات الاعتقال أو عمليات السطو وسرقة الأوراق الثبوتية لمحالهم التجارية في السوق.
يقول أحد التجار من مدينة حمص ويدعى عادل الطالب، لعنب بلدي، “سوق الهال كان يعد الشريان الرئيسي للعمليات التجارية في مدينة حمص، ومصدر رزق كبير للعديد من الأهالي في المدينة وخاصة من حي دير بعلبة، الذي دمره النظام السوري واستولى على كافة المحال التجارية التي كان يملكها التجار في السوق حينها”.
مراكز تجارية مصغرة في المناطق الشيعية والعلوية في المدينة
اتجه الموالون للنظام السوري في مدينة حمص، بعد عمليات التفريغ التي قام بها النظام في المدينة، إلى إنشاء مراكز تجارية ومحال في المناطق التي يسيطروا عليها “قرية الحازمية، قرية الثابيتية، قرية خربة الحمام”، على نسق المحلات التي كانت موجودة في سوق الهال سابقًا، وعلى غرار التعاملات التجارية التي كانت مدرجة ومتداولة في السوق آنذاك “كمسيون خضار وفواكه”.
استغل الموالون هذه العمليات ببناء المراكز، كون السوق الوحيد الذي كان يعتمد عليه بكافة عمليات الاستيراد والتصدير من الريف الشرقي والشمالي والغربي قد أغلق، متجهين لخطة في السيطرة على كافة مفاصل التجارة وخاصة شراء المحاصيل التجارية التي تنتجها الأراضي في الأرياف كـ “العنب والزيتون والخضراوات”.
هذه الخطة التي رسمها التجار المحصورون في الطائفة “الشيعية والعلوية” من المدينة، نجحت في احتكار كافة المحاصيل التجارية والبضائع لصالحهم.
يقول التاجر “عادل” (رفض الكشف عن اسمه الكامل) من حي القصور بحمص، لعنب بلدي، ”سابقًا كنت من ضمن قائمة كبيرة من التجار الحماصنة في شراء الخضراوات والفواكه التي تنتجها محافظة حمص وباقي المحافظات، أما الآن فلم يعد لي أي دور، فالتجار من الطائفتين المواليتين، أصبح الأمر في يدهم، وانقلبت الحكاية لأنتقل من تاجر كبير، لمشترٍ من أشخاص لم يكن لهم أي صلة وصل بالتجارة”.
تجار غير معروفين لمعت أسماؤهم في الأحداث الحالية
برزت في أسواق مدينة حمص سابقًا، العديد من أسماء التجار، الذين عُرفوا على مستوى المدينة وباقي المحافظات الأخرى، وكان لهم دور كبير وتعاملات ضخمة ساهمت في ربط اقتصاد مدينة حمص وباقي المدن مع الدول المجاورة الأخرى كالعراق ولبنان والأردن.
خلال أحداث الثورة السورية، ظهرت عدة أسماء من التجار، لم يكن لهم أي دور سابقًا في الحياة التجارية اليومية، أغلبهم من القرى والمناطق الشيعية التي تحيط بمدينة حمص كـ “آل كاظم وشميع، آل حيدر” من (الحازمية، أم العمد، المزرعة).
وامتلك هؤلاء التجار العديد من المراكز التجارية التي توزعت على كافة مناطق المدينة، إضافة لأسطول من السيارات التي تنقل لهم البضائع اليومية من الأرياف والمناطق فيها.
عملية نقل البضائع على اختلاف أنواعها، باتت في أيدي هؤلاء التجار، إذ تلقوا العديد من التصاريح الأمنية اللازمة لهم في الدخول والخروج إلى باقي المحافظات.
يتحدث خالد، أحد تجار حمص، لعنب بلدي قائلًا “عملية نقل البضائع خارج المدينة أصبح بحاجة لموافقة أمنية وتصريح بالنقل من الأفرع الأمنية، الأمر الذي بات محصورًا بأيدي التجار من الطائفتين العلوية والشيعية، المخولين بنقل ما يشاء لهم من البضائع والسلع والمحاصيل الزراعية”.
نجح النظام السوري، في توجيه جميع طرق الحياة التجارية والاقتصادية في مدينة حمص، لمناطقه الموالية ومواليه، فارضًا نوعًا من الاحتكار الكامل لسبل العيش للسكان فيها، ومحولًا طبقات المجتمعات الموالية فيها، من طبقات فقيرة إلى طبقات تملك رؤوس أموال كبيرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :