عمر بقبوق
على الرغم من أن الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، أكد في خطاباته السياسية على أهمية الرياضة في سوريا، بقوله “إنني أرى في الرياضة حياة”، إلا أن واقع الرياضة السورية السيء في عهده، وعهد ابنه، يدل على أن الكلام الذي جاء في خطاباته لم يقترن بالفعل. وذلك ما جعل اللاجئين السوريين في أوروبا، يتعاملون مع تواجدهم فيها كفرصة للعمل في مجال الرياضة، في مناخ مناسب.
وفي الآونة الأخيرة سمعنا العديد من القصص عن رياضيين سوريين تألقوا بعد أن وصلوا لأوروبا، رغم أنهم كانوا مهمشين في بلدهم الأم، وقد تكون السباحة يسرى مارديني مثالًا على ذلك.
“كنا ننفذ أوامر عسكرية”
وإذا ما تساءلنا عن سبب تألق الرياضيين السوريين خارج سوريا، رغم النتائج المخيبة للرياضة السورية، فإن الإجابة عن ذلك تبدأ من النظام الذي يحكم الرياضة في سوريا، ويقول عبد الرزاق حمدون، لاعب كرة اليد في نادي النواعير، والمنتخب السوري سابقًا، والذي يلعب حاليًا بالدوري الدرجة الرابعة في ألمانيا، “مشكلتي في سوريا، أنني كنت أشعر وكأنني دائمًا في ثكنة عسكرية، فرئيس الاتحاد العام للرياضة موفق جمعة هو لواء، ورئيس اتحاد كرة اليد عميد ركن، وذلك حال أغلب القائمين على الرياضة في سوريا، وفي اجتماعاتنا كنت أشعر وكأنني عسكري سأنفذ مهمة، ولم أشعر يومًا بأن الاتحاد يحترمنا كرياضيين”.
وبرأي حمدون فإن مشكلة الرياضة السورية مرتبطة أيضًا بطبيعة النظام، القائم على المحسوبيات، إذ يقول إن “المعيار الأول باختيار المشاركين في المسابقات الدولية هو الواسطة، وذلك يتسبب بالنتائج المخيبة للآمال في الرياضة السورية، التي لطالما ألقت بمواهبها إلى الخارج”، ويضيف أن “أفضل لاعبي كرة اليد الذين عاصرتهم تجنسوا في قطر، ولم يتمسك الاتحاد الرياضي بأيٍ منهم”.
ويشكل الاتحاد الرياضي العام في سوريا، عن طريق مرسوم رئاسي، بينما تسمى الاتحادات الفرعية بقرارات إدارية من الاتحاد العام.
وعلى حسابنا الشخصي
كذلك فإن علاء الدين بقبوق، لاعب الركبي والكيك بوكسينغ المقيم حاليًا في السويد، والذي حقق العديد من البطولات المحلية والإقليمية، أثناء وجوده في سوريا، وأهمها المركز الأول في الكيك بوكسينغ في سوريا لثلاث سنوات متتالية، يلقي اللوم على الاتحاد الرياضي في سوريا، فهو يقول “الاتحاد السوري لم يقدم لنا أي شيء، ولا حتى تجهيزات اللعبة. فأنا مثلت نادي الشرطة في لعبة الكيك بوكسينغ لمدة ثمانية سنوات، ولم آخذ معدات سوى لمرة واحدة، وكان ذلك في آخر سنة، وبسبب زميل كتب مقال عني في صحيفة رسمية حينها”.
ويتابع بقبوق “كنت في سوريا أتدرب على حسابي الشخصي، وأعمل في صالة بلياردو لأغطي نفقاتي الرياضية، وذلك كان يؤثر على ممارستي للرياضة”. وهو ما يوافقه به اللاعب والحكم السوري محمد خليل، الذي يؤكد “كنا نعاني في سوريا من قلة الدعم، كان كل شيء نقوم به يتم على نفقتنا الشخصية، والاتحاد لا يهتم سوى باسمه”.
أما لاعب الكاراتيه السوري، نور الكردي، فيؤكد أن دور الاتحاد السوري اقتصر على تقديم بعض الفرص للمشاركة ببعض المعسكرات الرياضية داخل سوريا، وفي المنطقة العربية، ولكن الاتحاد حرمه من المشاركة لمدة خمس سنوات بسبب المحسوبيات.
ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن الدول التي يلجأ إليها السوريون تدعم موهبتهم، فعلى الرغم من اهتمام أوروبا بالرياضة، إلا أن التألق فيها يحتاج إلى جهد مضاعف، وفي هذا السياق يقول الكردي “حتى في أوروبا، إننا لا نلقَ الدعم الكافي كلاجئين، وكل البطولات التي نشارك فيها، فهي على نفقتنا الشخصية، ولكن لدينا الفرصة هنا للتطور، فالموهبة والعمل هنا فوق كل الاعتبارات”.
هل تمثل الاتحاد السوري؟
يفضّل الكردي عندما يشارك بالمسابقات الدولية أن يشارك بشكل فردي، وألا يمثل الاتحاد السوري أو الدولة المضيفة، “فكل ما وصلت إليه، وسأصل إليه، كان بمجهود فردي”.
أما بالنسبة لحمدون، فهو ينظر للواقع الجديد بتفاؤل أكبر، ويقول إن “انتقالي من اللعب بدوري الدرجة الأولى في سوريا، إلى دوري الدرجة الرابعة في ألمانيا، قد يراه البعض تراجعًا، إلا أنني أرى أن ذلك خطوة نحو الأمام، فأنا الآن في مكان يحترم الرياضة، وسأرتقي بجهدي وعملي. ألعب اليوم في مناخ رياضي مثالي، يتيح الفرصة للجميع، فلا يوجد امتيازات للمواطنين الألمان عن اللاجئين بالرياضة”.
قد يكون لجوء الرياضيين، الناجم عن سوء الأوضاع الإنسانية في سوريا، فرصة لهؤلاء الشباب لتحقيق المزيد من الإنجازات على المستوى الشخصي، ولكن الرياضة في سوريا لن تتطور إذا ما بقي النظام السوري قائمًا، ويخنقها بتأطيره العسكري، وفكره المتحجر.