عبادة كوجان – عنب بلدي
“مازالت هند موجودة بيننا وأبو سفيان” قالها مفتي النظام، أحمد بدر الدين حسون، لدى زيارته مؤخرًا أوس الخفاجي، قائد ميليشيا “أبو الفضل العباس” الشيعية، والتي تقاتل ضمن قوات “الحشد الشعبي” ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق، وضمن تحالف الميليشيات الأجنبية إلى جانب قوات الأسد في سوريا.
من باب المغازلة المذهبية الطائفية، تحدث حسون (السنّي الموالي للنظام وإيران) عن هند بنت عتبة، زوجة أبي سفيان، ووالدة الصحابي والخليفة الأموي الأول معاوية، مذكّرًا مستضيفه “المعمم” بحادثة تمثيلها بجثة عم النبي محمد (ص)، حمزة بن عبد المطلب، وملمحًا إلى تولي الأمويين (أبناء أبي سفيان) زمام الحكم الإسلامي بعد الحسن بن علي (الخليفة الراشدي الخامس)، إذ يعتبرها الشيعة انقلابًا على خلافة آل البيت واحتلالًا للشام.
وفي المرحلة التاريخية، بين معركة “صفين” التي جمعت جَيشَي علي بن أبي طالب (الخليفة) ومعاوية بن أبي سفيان (والي الشام)، ووصولًا إلى ما بعد معركة “كربلاء” في العراق، والتي قتل إثرها الحسين بن علي وآخرون من آل بيت الرسول محمد، احتوت المدن الشامية الواقعة ضمن الحدود السورية حاليًا، عددًا من المقامات والأضرحة المنسوبة لآل البيت، أبرزها في دمشق ومحيطها.
وصادف العاشر من محرم 1438 هجرية، يوم الثلاثاء الحادي عشر من تشرين الأول الجاري، وهو ذكرى “عاشوراء” التي قتل فيها الحسين بن علي مع عدد من آل البيت في معركة كربلاء، واحتفل أتباع الطائفة الشيعية الإثني عشرية في هذا اليوم، من خلال مآتم ولطميات، شهدت العاصمة دمشق وضواحيها عددًا منها.
وتحاول عنب بلدي، من خلال هذا التقرير، الذي يتزامن مع ذكرى “عاشوراء”، الوقوف على أهم المقامات والأضرحة في خمس مدن سورية، والتي اعتبرتها إيران إرثًا شيعيًا خالصًا، وجعلت منها مطيّة وحجّة مذهبية أمام الميليشيات الشيعية للتدخل العسكري إلى جانب النظام السوري.
دمشق.. المدينة الأكثر أهمية بعد كربلاء
تعتبر دمشق أكثر المدن أهمية لدى الشيعة بعد كربلاء، ففيها رأس الحسين ومقامات زينب ورقية، ومقبرة باب الصغير، التي تضم رفات أشخاص من آل البيت، ووصفها الكاتب العراقي الشيعي أحمد المالكي بـ “مدينة سبايا آل بيت النبوة”.
مشهد الحسين
تقول الروايات الشيعية إن يزيد بن معاوية احتفظ برأس الحسين بن علي، بعدما جيء به إلى دمشق، ووضع في زاوية في المسجد الأموي، سميت خلال الفترات التاريخية بـ “مشهد علي” أو “مشهد الحسين”، ويزورها الشيعة من العراق وإيران ولبنان ضمن قوافل.
وتذهب فئة من المؤرخين إلى أن رأس الحسين دفن في دمشق، حيث وضع، لكن جمهور العلماء الشيعة يؤكدون أن الرأس عاد إلى كربلاء ودفن فيها، بينما ذهب مؤرخون إلى أن رأس الحسين دفن في مكان مجهول في عهد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، في حين أنكر جميع الروايات السابقة العالم الدمشقي ابن تيمية، مؤكدًا أن الرأس دفن في مقبرة البقيع في المدينة المنورة.
مقبرة باب الصغير
أحد أشهر المقابر التاريخية في الوطن العربي والعالم الإسلامي، باعتبارها تضم قبورًا وأضرحة تاريخية مهمة، وسميت بهذا الاسم لوقوعها قرب باب “الصغير” أحد الأبواب التاريخية لمدينة دمشق، وأصغرها، وتقع بالقرب من حي الشاغور العريق.
تضم مقبرة باب الصغير أضرحة ومقامات لرجال ونساء من آل بيت الرسول محمد (ص)، وفق روايات تاريخية متطابقة، أهمها: أم كلثوم بنت علي، سكينة بنت الحسين، فاطمة بنت الحسين، عبد الله بن علي بن الحسين، عبد الله بن جعفر الطيار، وغيرهم الكثير من المنسوبين إلى آل البيت، وفق ما هو مكتوب على شواهد الأضرحة في المقبرة، وبناء على مصادر تاريخية.
مقام السيدة زينب
واختلف جمهور علماء الشيعة في مكان مرقد زينب، فنسب المرقد إلى ثلاث مدن: دمشق، المدينة المنورة، القاهرة، بحسب عالم الدين الشيعي اللبناني، هاشم معروف الحسيني، مرجحًا أن مرقدها الرئيسي يقع في غوطة دمشق “ذلك أقرب إلى الصحة والواقع”، بينما شدد الكاتب المصري إبراهيم كامل على أن مرقد السيدة زينب يقع في القاهرة، في حي سمي باسمها.
وما يجعل الأمر مثيرًا للجدل، هو أن المسجد المحاذي للقبر بناه رجل حلبي سنة 500 هجرية، وأطلق على المنطقة “السيدة زينب” منذ ذلك الوقت، وجدده نقيب الأشراف في الشام سنة 768 هجرية، بحسب ما ذكر الكاتب الإيراني محمد رضا مرتضى، في مقال بمجلة إيرانية “تاریخ البناء فی مقام السیدة زینب علیها السلام”، ما يجعل المصدر التاريخي لوجودها في دمشق ضعيفًا.
مقام السيدة رقية
رقية بنت الحسين، وأصغر بناته من زوجته “أم إسحق”، شاهدت مقتل والدها في كربلاء، وجيء بها سبية إلى دمشق، لتفارق الحياة حزنًا ولوعة، وتدفن قرب المسجد الأموي، وفقًا لروايات شيعية متطابقة، خالفها المرجع الديني “آية الله مرتضى العاملي”، قائلًا “نُسِبَ إليها قبر ومشهد مزورٌ بمحلة العمارة من دمشق.. الله أعلم بصحته”.
يقع مقام رقية على بعد 100 متر تقريبًا من المسجد الأموي، في حي العمارة في دمشق القديمة، جدد على مراحل عدة كان آخرها عام 1985، حيث أعيد بناؤه بطراز فارسي من الحجر الملبس بورق الذهب والعاج والمرمر، وتوسع ليشغل مساحة أربعة آلاف متر مربع.
مقام السيدة سكينة (المزعوم)
يقول الكاتب العراقي، أحمد المالكي، إن المستندات والوثائق السورية التي تعود لزمن الاحتلال الفرنسي لسوريا للعام 1938 تذكر أن في داريا يوجد قبر لسيدة تدعى “سكينة”، وتوارث أهل داريا خبر وجود “القبر الشريف” وتباركوا فيه، مؤكدًا أنه يعود لسكينة بنت علي بن أبي طالب، لكننا شددنا على عبارة “مزعوم” كون معظم أهالي داريا نفوا علمهم بالمقام، واعتبروا وجوده فبركة إيرانية خالصة.
وبحسب مصادرنا التي استقيناها من أهالي داريا ومثقفيها، فإن المقام الذي بدأ إنشاؤه عام 2003 لم يكن معروفًا قبل عام 1999، ويقول أهالي المدينة إنه يعود لقبر امرأة تسكن في المنطقة التي كانت نائيةً عن وسط المدينة سابقًا، بينما يذهب آخرون إلى أنه قبر “كلب” لرجلٍ يدعى “أبو صادق”.
واعتبر مقام السيدة سكينة مزارًا للطائفة الشيعية في دمشق عقب إنشائه، وشهد أواخر العام 2011 معارك واسعة في محيطه بين قوات الأسد و”الجيش الحر”، انتهت بسيطرة فصائل المدينة عليه في آذار 2015، قبل أن يسيطر النظام السوري على المدينة بشكل كامل في آب الماضي، ويعود البناء المدمّر لاستقبال قادة ميليشيات ومعممين من إيران والعراق.
مقام حجر بن عدي
حجر بن عدي الكندي، أحد صحابة الرسول محمد، ومن أبرز شيعة الخليفة علي بن أبي طالب ومناصريه، وحارب معه في موقعة “صفين”، وتشير المراجع التاريخية إلى أنه قتل بأمر من معاوية بن أبي سفيان، ودفن في “مرج عذرا”، وهي مدينة عدرا قرب العاصمة دمشق.
في نيسان 2013، سيطرت المعارضة على بلدة عدرا، وأقدم مسلحون على نبش القبر واستخراج جثمان الصحابي ودفنه في مكان مجهول، بحسب ما ذكرته صفحة تنسيقية “عدرا البلد وما حولها” في “فيس بوك” آنذاك، وهو ما ذهبت إليه صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، مؤكدة أن مقاتلين من “لواء الإسلام (جيش الإسلام)” كانوا وراء العملية.
اتخذ الشيعة من قبر حجر بن عدي مزارًا يحجّون إليه سنويًا، قبيل تدميره، وجاء في بيان لحزب الله اللبناني بخصوص الحادثة “مقام الصحابي الكبير حجر بن عدي من أهم مقامات المسلمين عامة، وتدنيسه ونبش قبره بهذه الطريقة يعبر عن عقلية إرهابية إجرامية، لا تراعي حرمة ولا تقيم وزنًا لأي مقدسات إسلامية أو مسيحية”.
حلب.. مقاتل عراقي: “ستعود شيعية كما كانت”
يقول مقاتل من ميليشيا “النجباء” العراقية إن حلب ستعود شيعية كما كانت، وهو ما جاء في كلمات أغنية رافقت تقريرًا مصورًا لزيارة زعيمها “المعمم” أكرم الكعبي إلى المدينة قبل نحو شهر، وربما هي إشارة إلى أن حلب كانت مركزًا للدولة الحمدانية الشيعية، التي حكمت منذ أواخر القرن التاسع الميلادي وحتى مطلع القرن الحادي عشر، إلى جانب احتوائها على مقامين مهمَّين للطائفة الشيعية.
مسجد النقطة
مسجد النقطة أو مشهد الحسين، أحد أبرز المعالم التي يعتبرها الشيعة إرثًا في مدينة حلب، ويقع على سفح جبل “الجوشن” في حي سعد الأنصاري، الخاضع لسيطرة النظام السوري.
يقول رجل الدين الشيعي اللبناني حسن يوسف مكي إن السبايا وقتلى آل البيت حين وصولهم إلى مدينة حلب، نزلوا خارج المدينة على سفح جبل “الجوشن”، ووضعوا رأس الحسين على صخرة كانت هناك، فسقطت نقطة من دم الحسين على الصخرة، التي احتفظ بها أهالي حلب، وأنشأوا مسجدًا في موضعها.
كذلك فإن مصادر تاريخية عن مدينة حلب، قرأت عنها عنب بلدي، أشارت إلى أن مسجد النقطة شيد لأول مرة في عهد سيف الدولة الحمداني سنة 351هجرية، فاتخذ الصخرة التي فيها النقطة ضريحًا وشيد عليها قبة وبنى حولها مقامًا، ليتوالى اهتمام الأيوبيين بالمسجد في السنوات اللاحقة.
مشهد المحسن
ورد ذكر مشهد “المحسن” في الروايات الشيعية حصرًا، وهو مقام بني على جبل “الجوشن” أيضًا، على مقربة من مسجد النقطة، ويقول منتدى “الإمام الرضا” عبر الإنترنت، إن موضع المشهد احتوى “سبايا آل البيت”، وأسقطت زوجة الحسين جنينها هناك، وأسمته “المحسن”.
بني مقام “المحسن” في زمن سيف الدولة الحمداني، وتؤكد الشبكة أن سيف الدولة حفر بنفسه في المكان، ووجد حجرًا كتب عليه “هذا قبر المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام”، وعندها بادر الأمير إلى إنشاء المقام، وشهد عناية من أمراء حلب الأيوبيين أيضًا.
حماة.. معلمان شيعيان في المدينة السنية
تعد حماة مدينة ذات غالبية سنية، إذ لا وجود للطوائف العلوية والشيعية داخلها، لكنها احتوت على معلمين يعتبرهما الشيعة إرثًا دينيًا لهم، وشهدت الأعوام الثلاثة الماضية زيارات متكررة لرجال دين شيعة إلى المدينة.
مسجد الحسنين
يقع المسجد وسط مدينة حماة في حي الباشورة القريب من القلعة الأثرية، ويعتبر من مساجدها الأثرية الشهيرة، وسمي مسجد “الحسن” ثم “الحسن والحسين” وأخيرًا “الحسنين”، ويشير منتدى “الإمام الرضا” إلى أن المسجد اكتسب اسمه لأنه استضاف رأس الحسين بن علي، خلال رحلته من كربلاء إلى دمشق، لكن مصادر إسلامية سنية نفت ذلك.
تهدّم المسجد في زلزال حماة 1157 ميلادي، وجدد بناءه السلطان نور الدين زنكي، وكتب في داخله لوحة جدارية جاء فيها “بسم الله الرحمن الرحيم. لا إله إلا الله محمد رسول الله. أمر بعمارة هذا المسجد المبارك بعد هدمه في الزلزلة الجارية سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، مولانا الملك العادل المجاهد نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي”.
يضم المسجد في جانبه الشرقي ضريحًا ينسب للنبي يونس، وغرفًا متبقية من المدرسة الفريجية المنسوبة إلى الوزير الأيوبي زين الدين فرج.
مقام زين العابدين
على المحور الشمالي من مدينة حماة، يتربّع جبل زين العابدين، والذي اكتسب اسمه من مقام بني على سفحه، ونسب إلى زين العابدين علي بن الحسين، ويقصده مئات الزوار الشيعة سنويًا.
تقول المراجع الشيعية عن المقام إنه احتضن الإمام زين العابدين أثناء رحلته من كربلاء إلى دمشق، فقصده للعلاج من الربو ولأداء العبادات، منذ ذلك الوقت أضحى مقصدًا للأهالي يتباركون به.
وبناءً على مشاهدتنا للمقام في وقت سابق، يتضح أنه بني في العهد المملوكي بأمر من السلطان قايتباي، وأجريت عليه أعمال صيانة مطلع الحكم العثماني لسوريا، وطالته أعمال توسعة استمرت حتى الألفية الثانية للميلاد.
الرقة.. صحابة قتلوا في “صفين”
تضم مدينة الرقة ثلاثة أضرحة تنسب للصحابيين عمار بن ياسر وأُبي بن قيس النخعي، والتابعي أويس القرني، وخضع المسجد الذي يضم رفاتهم إلى أعمال ترميم وإشراف مباشر من إيران، قبل أن يسيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على المدينة، ويدمّر المسجد عن بكرة أبيه.
ووفقًا للمصادر الشيعية، فإن عشرات القتلى في معركة صفين دفنوا في مدينة الرقة، ومن بينهم الشخصيات الثلاثة الذين قاتلوا في جيش علي بن أبي طالب، فاكتسبوا أهمية وتقديسًا من قبل الشيعة، وهو ما دفع إيران للطلب المباشر من حافظ الأسد بالاعتناء بالأضرحة، كان ذلك في العام 1988.
بدأت إيران أعمال الصيانة والترميم، وطالبت حكومة الأسد الأهالي بنقل القبور من المنطقة، ليبنى على أنقاضها مركز شيعي كبير يضم الأضرحة الثلاثة ومسجد بني على الطراز الفارسي، وتم تدشينه عام 2004.
وفي نيسان 2014، فخخ تنظيم “الدولة” المركز وفجره ودمر مآذنه بشكل كامل، ليعود ويفجّر ما تبقى منه في أيار من العام ذاته، في إطار سياسة التنظيم وعقيدته التي تحرّم بناء الأضرحة وتعتبرها أعمالًا “شركية”.
حمص.. ضريحان وسط المدينة
يحيط بمدينة حمص عدد من القرى الشيعية، لكن إرث آل البيت اقتصر داخلها على مسجد “أبناء جعفر الطيار” في حي جب الجندلي وسط المدينة.
يخضع المسجد لسيطرة النظام السوري، ويتألف من بناءين: الأول شيد فوق ضريحين ينسبان إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (الطيار) وابنه عبيد الله، ويعد مقامًا بني في العهد المملوكي، بينما البناء الثاني فاتخذ مسجدًا يقصده أهالي المنطقة.
وأكد ناشطون أن المسجد شهد زيارات متكررة لمسؤولين إيرانيين في عام 2014، عاينوا البناء بغية تجديده وجعله مركزًا شيعيًا في المدينة، لكنه لم يشهد أي تغيير في هيكله الخارجي أو أعمال صيانة حتى اليوم، بحسب ما رصدت عنب بلدي، في حين لم يشهد حي جب الجندلي أو باب دريب المجاور عودة لسكانه المهجرين منذ عام 2012.
تعتبر مقامات “آل البيت” في سوريا، إحدى أبرز الإشكاليات المتجددة بين علماء السنة والشيعة على حد سواء، بين منكرين لوجودها ومصرّين على قدسيتها، إلا أنها، وبكل الأحوال، كانت مقصدًا لجمهور العوام من معظم الملل والطوائف بغية “التبرّك” ليس إلا، قبل أن “يقدح الشرر من درعا” ويهرول ألوف الشيعة المجيشين طائفيًا إلى الشام، حاملين رايات “لبيكَ يا حسين.. لبيكِ يا زينب”.