عنب بلدي – خاص
شهد الملف السوري خلال الأسبوعين الماضيين تسارعًا في الأحداث على الصعيد العسكري والسياسي، خاصة بعد تصاعد حدة التصريحات بين قطبي النزاع الرئيسيين، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
الدولتان تبادلتا الاتهامات حول فشل المحادثات السياسية وتأجيج الصراع أكثر، أعقب ذلك حشود عسكرية من قبل الجانب الروسي في سوريا، إضافة إلى تهديدات وتحذيرات، دفعت الكثير من المحلليين إلى الاعتقاد بأن الحرب في سوريا قد تتحول من حرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة عسكرية مباشرة بين الطرفين.
ولتفادي التصعيد والتصادم العسكري وتأزم القضية، تشهد الساحة السياسية اجتماعات بين الدول المعنية في الشأن السوري من أجل الوصول إلى حل يوقف القتال وخاصة في مدينة حلب والعودة إلى طاولة الحوار.
ثلاثة اجتماعات أعلن عن انعقادها حول الشأن السوري، بدأ الأول منها في الرياض بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، الخميس 13 تشرين الأول، وكان “مثمرًا للغاية” حسبما صرح وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير،
وأدان البيان المشترك الصادر عن الاجتماع، العمليات العسكرية في مدينة حلب من قبل النظام السوري وحلفائه، كما أعرب عن أسفه لعدم تمكن مجلس الأمن من اتخاذ قرار بشأن حلب.
لوزان .. اجتماع بعد خلاف
الاجتماع الثاني كان بين وزراء خارجية الدول المعنية بالشأن السوري “أمريكا وروسيا وقطر وتركيا والسعودية وإيران”، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق، في مدينة لوزان السويسرية، السبت 15 تشرين الأول، وهو اللقاء الأول بين الأمريكيين والروس بعد ثلاثة أسابيع من الخلاف.
الاجتماع سبقه تشاؤم من قبل الطرفين بعدم التوصل إلى اتفاق حول إيقاف القتال، خاصة في مدينة حلب، حسبما أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي خفض من سقف التوقعات من الاجتماع، قائلًا “لا أتوقع شيئًا خاصًا من الاجتماع”، في حين أكد مسؤول أمريكي مرافق لوزير الخارجية، جون كيري، بحسب “فرانس برس”، أن “اللقاء لا يهدف إلى تحقيق نتيجة فورية بل إلى دراسة أفكار للتوصل إلى وقف الأعمال القتالية”.
محللون رأوا أن الاجتماع لن يفضي إلى شيء، كون الجانب الروسي سيشارك وهدفه الحصول على دعم دولي وإقليمي من أجل تطبيق مبادرة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، التي دعا إليها الأسبوع الماضي بإخراج مقاتلي جبهة “فتح الشام” من حلب إلى إدلب وبدء وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية.
في حين يدخل الوزير الأمريكي، جون كيري، من أجل إقناع روسيا تغيير موقفها، بالتعاون مع حلفاء أمريكا وخاصة الدول السعودية وتركيا التي تشهد علاقتها مع روسيا ازدهارًا في الفترة الأخيرة، إضافة إلى الدول الأوروبية التي سيلتقي وزراء خارجياتها مع كيري، الأحد 16 تشرين الأول، في لندن من أجل إطلاعهم على ما جرى في اجتماع لوزان، ولمناقشة “مقاربة متعددة الأطراف لحل النزاع في سوريا”، حسبما قاله المتحدث باسم الخارجية، جون كيربي.
خطة تركية من ست نقاط
الدور الأكبر لعقد اجتماع لوزان كان لتركيا لتفادي التصعيد بين أمريكا وروسيا، والتي ستقدم خطة مكونة من ست نقاط، حسبما ذكرته صحيفة “أكشام” التركية الجمعة 14 تشرين الأول.
الخطة التي وضعت بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا، الاثنين 10 تشرين الأول، تشمل “وقفًا لإطلاق النار بين الأطراف المتنازعة كافة، والبدء في إيصال مساعدات إنسانية بشكل عاجل إلى المناطق المحاصرة، ونشر مستشفيات ميدانية في مواقع بحاجة إلى ذلك، ومكافحة تنظيم (الدولة الإسلامية) وجبهة (فتح الشام) بالتعاون بين قوات التحالف الدولي وروسيا، بعد ضمان الهدنة، إضافة إلى وضع خريطة للتسوية السياسية بين النظام السوري والمعارضة، وفرض منطقة آمنة في سوريا”.
اقتراح أمريكي بالتصعيد وتحذير روسي
لكن في الجهة المقابلة، وبعيدًا عن المسار السياسي، أعلن مسؤولون أمريكيون عن اجتماع للرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مع كبار مستشاريه في السياسة الخارجية لبحث التدخلات العسكرية بشأن سوريا.
وقال المسؤولون لوكالة “رويترز” الخميس 13 تشرين الأول، إن مجموعة من الخيارات مطروحة أمام أوباما، وأحدها تنفيذ ضربات جوية على قواعد تابعة للنظام السوري ومستودعات الذخيرة، لكنهم في الوقت نفسه استبعدوا هذا الخيار بسبب احتمال وقوع مواجهة مباشرة مع القوات الروسية الموجودة في سوريا.
الخيار الممكن أمام الرئيس الأمريكي، بحسب المسؤولين، هو السماح لحلفاء أمريكا (دول الخليج) تزويد المعارضة السورية المعتدلة في سوريا بأسلحة نوعية بما فيها مضادات للطيران.
وتزامن ذلك مع تحذيرات أطلقتها المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عن القيام بأي أعمال عدائية ضد روسيا في سوريا، مؤكدة أن هذه الاعتداءات لن تمر دون عواقب.
كما حذرت القوى الداعمة للمعارضة السورية، من تزويدها بمضادات طائرات محمولة على الكتف، قائلة إن “روسيا تأمل أن تكون الدول الداعمة للجماعات المسلحة، بالقدر الكافي من العقلانية، حتى لا تزود المسلحين بمضادات طائرات محمولة على الكتف”.
خيارات بديلة
الكثير من المحلليين استبعدوا حدوث تصادم عسكري قريب بين أمريكا وروسيا في سوريا، لكن العديد من الدول بدأت باتخاذ خطوات بديلة ضد روسيا، وفي مقدمتها فرنسا، التي طالبت، الاثنين 10 تشرين الأول، المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب التي حصلت في سوريا من قبل نظام الأسد، وتحديدًا ما جرى في مدينة حلب المحاصرة.
وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت قال، في حديثه لـ “راديو فرنسا” الدولي، إن “جرائم حرب وقعت، الأمين العام للأمم المتحدة قال ذلك، هذا أمر مؤكد، والآن نحن بحاجة لتحديد ما هي المسؤوليات”.
وأكد وزير الخارجية أن فرنسا “ستتصل بممثلة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية لترى كيف يمكنها بدء هذه التحقيقات”.
وجاء ذلك بعد توتر العلاقات بين باريس وموسكو عقب رفض الأخيرة مشروعها الذي طرحته في مجلس الأمن حول إيقاف القصف في حلب.
أما الخيار الثاني أمام أمريكا وحلفائها فهو تزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية، وبحسب ما قال الباحث البريطاني في معهد الشرق الأوسط، تشارلز ليستر، فإن المعارضة “المفحوصة” حصلت على أسلحة إضافية من الولايات المتحدة والدول الإقليمية المنضوية في غرفة “موم”.
وفي سلسلة تغريدات عبر حسابه في “تويتر”، أضاف ليستر، المتخصص في قضايا الجماعات الجهادية في الشرق، أن المعارضة بالإضافة لحصولها على أسلحة خفيفة وقذائف هاون وقاذفات، فإنها “حصلت على صواريخ غراد بلغارية وتشيكية الصنع عيار 122 ميلمترًا بالإضافة لراجمات صواريخ”.
وبحسب ليستر، فقد وصلت إلى شمال سوريا شحنتان، على الأقل، من مضادات الطيران المحمولة على الكتف استلمتها المعارضة “المفحوصة”، بحسب تعبيره.
لكن المقدم، محمد جمعة بكور، قائد “جيس المجاهدين” العامل في حلب، نفى لعنب بلدي، الاثنين 10 تشرين الأول، تسلم فصائل المعارضة صواريخ مضادة للطائرات، قائلًا إن “الفصائل لم تستلم شيئًا ولا يوجد حديث حول تسليم مضادات أبدًا”.
لكن أكثر الاقتراحات والخيارات رواجًا بين “أصدقاء سوريا”، بحسب صحيفة الحياة، هو “البحث في زيادة العقوبات على روسيا والضغط عليها للسير في حل سياسي”، إضافة الى نقل ملف سوريا الى الجمعية العامة للأمم المتحدة ورفع عدد الدول الداعمة لذلك من 62 الى مئة دولة.
وبين التهديد والتحذير بين الدول الكبرى ماتزال طائرات النظام السوري وحلفائه تدك الأحياء الشرقية المحاصرة في حلب موقعة عشرات القتلة يوميًا، وسط معارك تقودها بهدف التقدم والسيطرة على ثاني أكبر المدن السورية.