زين كنعان – عنب بلدي
“صعلوك دنّس جنتنا”، ثلاث كلمات عبرّ بها عزت قصّاص، أمين مكتبة “فجر الأمة” في مدينة داريا غرب دمشق، عن صور ظهرت إلى العلن خلال الأيام الماضية، وأظهرت مكتبته غرفة مظلمة مدمرة، بعد أن كانت تعج بالكتب قبل خروجه وأهالي المدينة في آب الماضي.
كتبٌ متناثرة وأخرى ملأها الغبار، بينما وضعت أخرى داخل سيارة “بيك أب”، لنقلها إلى خارج داريا، مشاهدُ ظهرت في تقرير نشرته شبكة “CNN” الأمريكية، 6 تشرين الأول الجاري، وتحدث عن المكتبة التي حوت في وقت سابق، آلاف كتب العلوم والسياسة والثقافة، بعد أن جمعها بعض شباب المدينة من منازلها، إلا أن قصّاص لم ينسها حتى اليوم.
ويقول قصّاص لعنب بلدي، ويوافقه العشرات من شباب داريا في إدلب، إن “شبيحة” النظام، نهبوا المكتبة وسرقوا ما سلم منها لبيعها في شوارع العاصمة دمشق على “بسطات البرامكة”، في تصرف اعتادوا تنفيذه عقب دخولهم إلى أي منطقة وبدء سياسة “التعفيش”، التي اشتهر بها جنود وضباط النظام السوري.
أيهم محمد، أحد إداريي حركة “فجر الأمة الإسلامية”، التي أسست المكتبة، يصف مشاهد التسجيل المصور بأنها “صفعة على وجهنا بعد رؤيتنا للمكتبة التي جمعناها من تحت أنقاض منازلنا تباع اليوم على الأرصفة”، ورغم ذلك لم يستغرب محمد ما جرى “فكل من خرج من داريا أيقن أن قوات الأسد ستسرق كل شيء في المدينة”.
اكتسبت المكتبة مكانة كبيرة لدى أهالي داريا، وخاصة المقاتلين، وفق محمد، الذي يعتبر في حديثه إلى عنب بلدي أنها كانت المتنفس الوحيد لهم من ضغوط المعارك والحصار، ويقول إنهم وجدوا في المكتبة كل ما يحبون قراءته ويلبي اهتمامهم بعيدًا عما يحدث خارجها.
تأسيس المكتبة
عندما رأى شباب الحركة والمثقفين في المدينة، أن الكتب تتلف وتضيع إثر القصف، اتفقوا على جمع كل ما يجدوه في المنازل التي دمّرت، ووضعها في مكان آمن للحفاظ عليها، بينما غدت عشرات الكتب لديهم، نواة للمكتبة التي أنشئت عام 2014.
ووسّع المنتسبون إلى الحركة نشاطهم في أماكن القصف، بينما بدؤوا مع التأسيس بأرشفة الكتب وتسجيل المكان الذي أخذت منه واسم صاحبها، ليستردها إن أمكن حين يعود الأهالي إلى المدينة، وفق أمين المكتبة، الذي أكد أن العمل في جمع الكتب وتوزيعها على رفوف المكتبة استغرق أشهرًا، عازيًا السبب “لكي لا يجد القارئ صعوبة في البحث عن الكتاب الذي يريد قراءته وفي المجال الذي يحبه”.
ويرى قصّاص أن المكتبة كانت نموذجية، إلا أن خسارتها أحزنت من عمل على تأسيسها، “لأنها لا تُقدّر بالثمن الذي تباع فيه، فهي تعبر عن ثقافة مدينة، وساعدت في التغلب على الحصار بمشروع ثقافي في مدينة مغلقة تمامًا”، ويختم حديثه “لم نر في الشمال حتى اليوم مكتبة تشبه تلك التي في داريا رغم توفر إمكانيات أكبر مما عايشناه”.
قُتل بعض من شباب المدينة الذين ساعدوا في تجميع الكتب خلال معارك داريا، ورغم أن من بقي منهم ابتعد عنها مع خروجه إلى إدلب، إلا أن تدميرها وسرقتها على يد جنود الأسد، كان أشد وطأة عليهم، ورغم ذلك يقولون إنهم مصرين على أن الثورة التي لا تقترن بالعلم يتغلّب عليها الجهل والتطرف، وتقف في وجه إنشاء جيل مثقف أكثر قدرة على النهوض بمجتمع أنهكته الحرب.