تطور سيارات الفصائل.. من “التكسي” مرورًا بـ “الحلفاوية” وصولًا إلى “لاند كروزر”

  • 2016/10/16
  • 2:33 ص
رتل لقوات "الجيش الحر" في ريف إدلب - 14 تشرين الأول 2016 (عنب بلدي)

رتل لقوات "الجيش الحر" في ريف إدلب - 14 تشرين الأول 2016 (عنب بلدي)

طارق أبو زياد – إدلب

تطورت الفصائل المقاتلة مع مضي سنوات الثورة، فمنذ بدايتها كمجموعات صغيرة إلى السرايا فالكتائب وبعدها الألوية، إلى أن وصلت إلى فصائل كبيرة سمت نفسها بالجيوش والفيالق، ومع سير عجلة تطور الفصائل كانت السيارات تتطور بشكل متناسب بين الفترة والأخرى، لتتماشى مع الوضع الراهن وتُجاري تسارع الأحداث.

كيف استعان المقاتلون بسيارات في مناطق النظام؟

البداية كانت مع السيارات السياحية (تكسي خصوصي)، فكان الأمر شبه طبيعي ولم يكن فيه أي عناء، حيث تتوفر في كل حي أو منطقة توجد فيها السرية سيارة لأحد أفرادها، تستخدم للتنقل بين الأحياء ولتهريب السلاح، وهذا ما عايشه منير عياش، القائد العسكري في فيلق الشام، وقائد سرية مقاتلة في بداية الثورة في مدينة حماة.

وتحدث عياش لعنب بلدي عن معاناته مع السيارات خلال وجوده داخل حماة، “أصبحت سياراتنا معروفة لدى قوات الأمن، وأصبح من الضروري التنوع حتى لا نلفت الأنظار، فأصبحنا نستعين بسيارات سياحية كنا نستأجرها من مكاتب التأجير عن طريق الهوية، إلى أن تم اكتشافنا من أصحاب المكاتب، ووصلنا إلى مرحلة عدم الثقة المتبادلة”.

السيارة الحكومية ذات النمرة الخضراء، كانت الحل الأمثل في مواجهة صعوبة اقتناء سيارة، لا سيما في مرحلة ازدادت فيها وتيرة النزاع المسلح، ولم يعد التواري عن الأنظار أساسيًا لعناصر “الجيش الحر” كما كان سابقًا، وتابع عياش “السيارات الحكومية أمنت لنا التنقل بشكل جيد، ويمكن استعارتها بكل سهولة، فهي موجودة بكثرة والحرس عليها شبه معدوم”، واستمر مقاتلو الفصائل في نهجهم بالاستعانة بالسيارات الحكومية حتى بداية تشكيل المناطق المحررة.

من “الحلفاوية” إلى “الهايلوكس”

تغيرت قواعد اللعبة، وانتقلت المجموعات من مدينة يحكمها النظام إلى فضاء الريف “المحرر”، وكانت السيارات التي خرجت معهم قد اهترأت وما عاد لها قدرة على تحمّل أعباء القتال، واختفت السيارات الحكومية من الريف لأسباب متعددة، كما أن السيارات السياحية الصغيرة لا تجدي نفعًا في الأرياف، خاصةً أن الطرقات الوعرة هي الملاذ الآمن للتنقل.

وهنا دخلت السيارة متعددة الأغراض، محلية الصنع، ذات الهيكل المعدني الصلب، وهي زراعية في الأصل، وأصبحت حربية خلال الثورة، وتسمى محليًا “الحلفاوية”، نسبة إلى مدينة حلفايا في ريف حماة الشمالي، وقال عياش “هذه السيارة صنعت خصيصًا للمزارعين لرخص ثمنها مقارنة بغيرها، فكانت الكتيبة التي تمتلك الحلفاوية تعتبر متطورة، إذ تحمل المقاتلين والسلاح، ولا تتوقف في الأراضي الزراعية، كما أنها تفيد في المعارك المفتوحة، فهيكلها الحديدي يحميها من الصدمات بقدر كبير”.

منتصف عام 2012، دخلت أنواع متعددة من السيارات إلى المناطق “المحررة”، لتستخدمها فصائل الشمال السوري إلى جانب “الحلفاوية” الأساسية في المعارك، كالشاحنات الصغيرة والمتوسطة بأنواعها، ولعل أشهرها وأكثرها استخدامًا كانت “تويوتا هايلوكس”.

الشاب ريان النشار، وهو مقاتلٌ في حركة “أحرار الشام الإسلامية”، ومتخصص برمايات رشاش ثقيل (دوشكا)، أكمل لعنب بلدي مراحل تطور السيارات، وقال “أول قطعة سلاح (دوشكا) حصلنا عليها في الكتيبة التي أقاتل بها كانت غنيمة من أحد الحواجز في ريف إدلب، وكانت حينها نقلة نوعية لنا، فأصبح لدينا سلاح مختلف عن الأسلحة الخفيفة التي نمتلكها، وصار من الضروري شراء سيارة تليق بمقام (الدوشكا)”.

بعد معاناة كبيرة في البحث والتقصي، حصل قائد الكتيبة على سيارة “تويوتا هايلوكس” حديثة، أمّنها شخص قال إنها لـ “شبيح”، ودفعت ثمنها الكتيبة آنذاك مبلغ 40 ألف دولار أمريكي، وعزا ريان السعر المرتفع إلى اعتبارها “قطعة نادرة تناسب الدوشكا تمامًا، فهي سريعة الحركة، قوية في الطرقات الوعرة، وماتزال تثبت نفسها حتى اليوم”.

استمرت هذه السيارات مدة طويلة، ورفدتها أنواع أخرى استولت عليها الفصائل خلال المعارك، وبقي الحال على ما هو عليه، حتى أحدث تحرير معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، ثورة جديدة في صنوف السيارات وأسعارها.

السيارات “الأوروبية” في سرمدا

بعد تحرير معبر “باب الهوى” شمال إدلب، بدأت السيارات “الأوروبية” تتوافد إلى البلاد عبر الأراضي التركية، وبأسعار رمزية مقارنة بالسيارات السورية، فجاءت سيارات “بيك أب” بأنواعها، وأصبح من المتاح اقتناء سيارة “جيب” فاخرة ذات دفع رباعي، وبدأت الفصائل بالاعتماد عليها بشكل رئيسي. ورغم أنها مستعملة ولفظتها الدول الأوروبية، إلا أنها من أحدث الأنواع وأجدرها في الشمال السوري، حسبما أفاد جهاد عاشور، تاجر سيارات في منطقة سرمدا.

وقال عاشور لعنب بلدي “في البداية دخلت سيارات تآكل هيكلها بسبب ركودها فترات طويلة في موانئ البحر، ولكنها كانت تكفي بشكل كامل لاحتياجات الفصائل والمدنيين على حد سواء، وبقينا على هذه الحال إلى أن نفدت السيارات البالية، وأصبحت تأتي من تركيا سيارات حدثية حقًا وهنا بدأت المنافسة”.

أصبح مالك السيارة الأوروبية الحديثة في الشمال “ملك زمانه وعصره”، رغم أن الأوربيين لفظوها لقِدم إصداراتها التي تتراوح بين عامي 2000 و2006، وكان أبرزها وأكثرها رواجًا بين الفصائل، هي اليابانية “ميتسوبيشي”، فراجت “ميتسوبيشي L200” ذات الدفع الرباعي بين الكتائب، وناسبت “ميستوبيشي باجيرو” مقام قادة الفصائل.

الداعمون يدخلون “شاص” على الخط

كانت بداية دخول سيارات “تويوتا لاند كروزر” المعروفة محليًا بـ “شاص” عن طريق الدول الداعمة ولفصائل معينة، ولم تكن تباع في الأسواق إلا بشكل نادر جدًا، فهي سيارات مدنية وعسكرية في ذات الوقت، وتستخدمها الجيوش النظامية في دول عدة حول العالم، وشكّلت بالفعل نقلة نوعية على الأرض، فهي تتحمل كافة أنواع الأسلحة وأبرزها مدفع رشاش عيار 23 مم، والذي يحتاج سيارة قوية وثابتة لثقل وزنه وارتداده القوي.

مازن عبود، خبير ميكانيك في ورشة تصليح تابعة لتجمع “أجناد الشام”، أوضح لعنب بلدي أن سيارة “شاص” بقيت حكرًا على فصائل محددة دون غيرها، حتى دخولها رسميًا إلى سوق بلدة سرمدا، وأصبح بإمكان أي فصيل احتواءها رغم ثمنها المرتفع عدة أضعاف مقابل السيارات الأخرى، إذ يصل سعر الجديدة منها إلى 40 ألف دولار، لكن ضرورات “الأبّهة” و”البريستيج” جعلت من وجودها لدى الفصائل أمرًا ضروريًا، حتى ولو بالدَّين، كما تحدث عبود مبتسمًا، وتابع “في الواقع بهذا السعر يمكننا أن نحصل على ثلاث سيارات (ميتسوبيشي)، فرغم أدائها القليل مقارنة بـ (الشاص)، لكنها تفي بالغرض”.

أعاد التدخل الروسي في سوريا، الفصائل العسكرية إلى حالتها الأولى، فاستغنى قائد الفصيل عن سيارته الضخمة ذات الدفع الرباعي، واقتنى سيارة سياحية صغيرة.

وقال محمد زياد، القائد العسكري في “جيش العزة”، إن “تدخل الطيران الروسي أحدث تغييرًا كبيرًا في المزاج العام، إذ يحدد طيران الاستطلاع مسير سيارات الـ (بيك أب)، ويعتبرها هدفًا يتم قصفه”، وأوضح لعنب بلدي “أصبحت هذه السيارات خطرًا حقيقيًا على القادة، فاختاروا لأنفسهم سيارات صغيرة، وتم توزيع الفارهة للمقاتلين على الجبهات”.

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق