أحمد الشامي
ما يجري في “حلب” لا يمكن تسميته بغير المذبحة، حيث يتعرض سكان الأحياء المحررة من المدينة لقصف جوي سادي لم ير التاريخ له مثيلًا منذ القصف الأمريكي “لهانوي” ومنذ محو “غروزني” عن الخارطة.
ماذا يريد العدو الروسي من جرائمه هذه؟ يريد الجزار الروسي محو الحواضر السنية الواحدة تلو الأخرى، أو إبقاءها تحت الاحتلال بانتظار تدميرها.
يدفع السوريون اليوم ثمن صمتهم على نظام الاحتلال المركب الذي خضعوا له في مرحلة غيابهم عن الوعي طيلة نصف قرن.
كل تأخير في محاربة هذه العصابة سوف يرفع ثمن المواجهة أكثر، لو كان السوريون قد انتفضوا في وجه الجلاد منذ مجازر “حماة” لما كان مصير “حلب” هو الدمار على يد هذه العصابات.
المواجهة مع هؤلاء هي حرب مصيرية ولا صلح ممكن أو سلام مع الخونة ممن جلبوا الغزاة والدمار.
بالمناسبة، لن يكون مصير الحاضرة السنية الأخرى، الموصل، مختلفًا عن مصير “حلب”، لكن بحجة مواجهة “داعش” هذه المرة، وبدل الروسي سيأتي الأمريكي!
لماذا ينصب هذا السيل من الكراهية وحمم النار من قبل طيران العدو الروسي على رؤوس السوريين وعلى رؤوس السنة عمومًا.. كيف وصلنا إلى هنا؟
الوضع الحالي في حلب هو نتيجة لعشوائية الفعل الثوري ولغباء، أو لامبالاة، داعمي الثورة، فمنذ البداية ومنذ صيف 2012 (انظر: تحدي حلب – بيروت اوبسرفر 16 آب 2012) كان واضحًا أن النظام الأسدي ينصب كمينًا للثوار عبر الانسحاب من مناطق لا أهمية عسكرية لها، لكنها ستكون عبئًا على الثائرين الذين سيتحولون من ثوار لأمراء حرب و”مخاتير” يديرون أحياء وحارات دون أن تكون لديهم لا القدرة ولا الإمكانيات لفعل ذلك.
العصابة الأسدية التي اكتسبت خبراتها أثناء الصراع اللبناني قامت بتطبيق ما تعلمته هناك، فحين ترك جيش الاحتلال الأسدي الأرض لمجموعات الثوار في غياب سلطة ثورية موحدة قادرة على ضبط الأمور، انتقل الثائرون من وضع المقاتل إلى موقف أمير الحرب المسيطر على حارة أو منطقة، يديرها و”يستثمرها”، وبالتالي كف هؤلاء عن إزعاج النظام واكتفوا من الثورة بالغنائم بدل الاستمرار في ملاحقة فلول عصابات الأسد عبر الاستمرار في المعركة ونقلها إلى الساحل.
بحسب العلوم العسكرية والمنطق، كل حرب تدور رحاها على غير أرض العدو هي حرب خاسرة بطريقة أو بأخرى، لذلك بدأت نهاية الثورة حين توقف الثوار في منتصف الطريق واكتفوا بالغنائم التي تركها لهم النظام، بدل فتح معركة الساحل التي كانت قادرة على تغيير الموازين.
اليوم ندفع جميعًا ثمن حماقتنا وخضوعنا “للداعمين” والالتزام بخطوط حمراء رسمها من لا يهمهم مصيرنا وعدم اجتياح “حميميم” وجوارها وتحويلها أرضًا محروقة.
هل كان من الممكن للروسي أن يستقر في “طرطوس ” والساحل لو كانت المعارك مستعرة هناك بين كر وفر ككل حرب تحرير شعبية؟ هل كانت طائرات العدو الروسي والأسدي ستقصف بكل هذه الأريحية لو كانت المعارك تدور في جوار حاضنة النظام وقواعده؟
السوريون تأخروا في إدراك طبيعة العدو الذي يواجههم ولم يتعاملوا مع النظام بالشكل الذي يستحقه هذا النظام الخائن وأتباعه، فمن يستجر العدو الروسي والشيعي وغيرهما هو أكثر عداوة من المحتل ولا يمكن التعامل مع هؤلاء جميعًا بغير السيف.
الحرب التي تشنها العصابة الأسدية وحلفاؤها هي حرب إبادة للمكون السني ولا يمكن في مواجهة هكذا حرب سوى التعامل مع العدو بنفس المبادئ فإما أن نكون أو أن نستشهد.
ليست الصواريخ المضادة هي التي تنقص السوريين، بل القيادة القادرة والواعية.
ينقصنا “الجنرال جياب” قبل صواريخ “ستينجر”.