الأحياء الموالية في حمص.. غابة من الانحلال الأمني والأخلاقي

  • 2016/10/16
  • 2:12 ص
مجموعة من الأشخاص في أحد الأحياء الموالية في مدينة حمص (انترنت)

مجموعة من الأشخاص في أحد الأحياء الموالية في مدينة حمص (انترنت)

جودي عرش – حمص

لم تنجح خطة النظام السوري في مدينة حمص بترسيخ مصطلح “الإرهابيين المنعدمين أخلاقيًا” في عقول الناس، والذي أطلقه على فصائل “الجيش الحر” آنذاك في المدينة، لتنقلب الآية وترتكب فئته الموالية أفعالًا وتصرفات سبقت ما تقوم به المافيات في البلاد الأجنبية.

لم يكن خروج مقاتلي المدينة عام 2014 كفيلًا بإعادة الأمان إلى حمص، فحالات الخطف والقتل والسرقة طغت اليوم في أحيائه الموالية، لتغدو ظاهرة يتخوف منها مناصروه، محملين نظامهم وسلطتهم السبب في ظهورها وطغيانها.

يصف المدنيون في الأحياء الواقعة تحت سيطرة النظام في حمص هذه الحالات والظواهر بالانحلال الأخلاقي، في ظل خضوع السلطة للميليشيات المساندة لقوات الأسد، والتي بات من المستحيل إيقافها خاصة في ظل الظروف الراهنة.

النهب والسرقة مسلسل يومي

انتشرت حالات السرقة والجرائم والتحرش في مدينة حمص، وباتت تنشر في الصفحات الموالية للأسد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع مطالبة “الدولة” بالتدخل لتخليصهم منها.

ناريمان، ثلاثينية تسكن في منطقة الإنشاءات في حمص (فضلت عدم ذكر اسمها الكامل لأسباب أمنية)، قالت إن هذه الحالات لم تكن مألوفة قبيل اندلاع الثورة السورية والحراك في المدينة، “لم نكن نتوقع أن تصل الأمور إلى ما آلت إليه، فقد أصبحنا نشاهد الجرائم والسرقات في المدينة أكثر مما كنا نشاهدها على التلفاز، ففي الأيام الماضية وقعت جريمة خطف وسرقة بحق صائغ ذهب، وانتشرت لتشمل أي شخص يمتلك مالًا في المدينة”.

حالات السرقة والنهب بدأت مع الحراك الثوري في حمص، على يد عناصر الحواجز التابعة للجيش والأفرع الأمنية، والتي ما تزال تمارس هذه الأعمال إلى الآن، بحسب ناريمان، وتابعت أن “أغلب سكان مدينة حمص تعرضوا لسرقة المال والحقائب والهواتف المحمولة من قبل الحواجز الأمنية، ومن المستحيل أن تناقش أو تسأل عن السبب الذي برّر لهم هذا العمل، لأن العسكري مدجج بالسلاح وبمقدوره اقتيادك لجهة مجهولة بسهولة كبيرة”.

لم يقتصر “الانحراف” على حالات النهب والسرقة فقط، بل انتشر ليشمل طلاب المدارس، الذين يقضون أغلب أوقاتهم خارج المدرسة في محلات البلياردو والحدائق العامة وشوارع المدينة، مع انتشار غير مسبوق للحبوب المخدرة في أوساطهم، خاصة طلاب المرحلة الإعدادية والثانوية، فباعة هذه الحبوب يتجولون في الشوارع على مرأى عناصر الأمن.

توضح ناريمان، ”انتشرت حالات هرب الطلاب من المدارس بشكل واسع، وبتنا نرى العلاقات الغرامية الخاصة بالطلاب منتشرة في الحدائق والشوارع، وهذا يعود إلى عدم تمكن الكوادر المدرسية من ضبط الطلاب وفرض سيطرتها عليهم، خاصةً أن بعض الطلاب ينتمون إلى عائلات أمنية، وهذا ما يجعل تهديدهم أو فرض عقوبات عليهم أمرًا مستحيلًا، فكلما كان الطالب ابنًا لمسؤول أو قريبًا له، كلما نال اهتمامًا أكبر يميزه عن الطالب العادي ويعطيه حقًا في الهرب، والتدخين، والغياب، والشتم، والضرب، وتعاطي المخدرات”.

مطالب واتهامات برسم حكومة النظام

الناشط الإعلامي أنور أبو الوليد، ابن حمص، أكد أن “النظام السوري يعجز اليوم عن إيقاف شبيحته الذين يعيثون فسادًا في كل لحظة، إذ يطالب الموالون بفرض إجراءات صارمة بحق (المدعومين)، موقنين أن النظام لم يعد قادرًا على السيطرة عليهم، خاصةً بعد انتشار الحبوب المخدرة بين أيدي قادته وعناصره، وخروج شبيحة المخرم التحتاني والقريتين عن السيطرة بشكل كلي، والذين يعملون على قطع الطرقات والتهديد إن لم يتم الإفراج عن تجار المخدرات أو أقربائهم الموقوفين”.

تهاون النظام في حياة مواليه من خلال إصداره العديد من القرارات التي يعتبرها غالبيتهم تنشيطًا لمناطق الطبقة الغنية على حساب الفقراء منهم، وتنشيط المنطقة الشمالية على حساب فقراء المنطقة الجنوبية، كان له الأثر الأكبر في إثارة الغضب. ويرى الناشط أن “موالي النظام اليوم يعتقدون أنه غير آبه لراحتهم وأمنهم وحياتهم، الأمر الذي يثير غضبهم بشكل كبير”، مستدلًا بالانتقادات الواسعة التي لحقت إصدار مديرية النقل قرارًا ينص على نقل حافلات المنطقة الغربية ومصياف إلى الكراجات الشمالية، التي تعد غير آمنة لأنها منطقة غير مأهولة بالسكان.

الانحراف بدأ بغياب “هيبة الدولة”

انتشار الانحراف ونشأته ناتج عن جهل الدين وغياب القدوة، كما أنه ناتج عن غياب الرقيب والمحاسب ابتداءً من اختفاء “هيبة الدولة” والسلطة وانتهاءً بولي الأمر المشغول في القتال على إحدى الجبهات في سوريا، إلى جانب البرامج التلفزيونية التي تبثها القنوات الرسمية، والتي لقيت مؤخرًا انتقادات لتأكيدها على حالة تعاطي المخدرات بين الشباب وانتشار الملاهي الليلية والسهرات بينهم.

الخبير الاجتماعي هاني الشيخ، قال لعنب بلدي إن “السبب الرئيسي لانتشار الانحلال الأخلاقي، هو الابتعاد عن منابع الدين وتصديق الاتهامات المتمثلة بأن الدين هو مصدر الإرهاب، والذي يبدأ من انحلال الأسرة، التي باتت غير قادرة على إعطاء التربية السليمة، ثم بمبدأ الحرية الشخصية وهو من أكثر المبادئ ضررًا بالحياة الاجتماعية، لتمثله اليوم وسط غياب العادات الحميدة وتفضيل الخطأ على الصواب”.

وأضاف “لا بد أن نذكر غياب الرقابة والمحاسبة، التي أتاحت بشكل أو بآخر ازدياد نسبة الانحلال”، مؤكدًا أن “الوسائل الاعلامية أيضًا أحد أهم الوسائل المتبعة في التشتيت الفكري، والتي شجعت على إنشاء العلاقات الغرامية (المحرمة)، كما تزرع حب التمرد والتحرر من القيود الأخلاقية إضافة إلى ضعف المناهج التربوية وعدم الجدية بالعمل”.

مدينة حمص، البالغة مساحتها 48 كيلومترًا مربعًا، شهدت انفلاتًا أمنيًا بدءًا من خروجها عن سيطرة فصائل المعارضة، إلى سيطرة اليافعين من موالي الأسد على شوارعها ومداخلها، فيما يطلق عليه “اللجان الشعبية” التي تهدف إلى حماية المدينة من “الإرهابيين” بحسب الرواية الرسمية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع