أمهات سوريات درسن مع أولادهن في لبنان وحصلن على الثانوية
جودي سلام – عنب بلدي
دارت بهن الحال ووجدن أنفسهن، بعد نزوحٍ مركبٍ، في منزلٍ متواضعٍ في البقاع اللبناني، يضم عائلة من أربع نساء و11 طفلًا، ليس معهم إلا الجد الطاعن في السن، لكنّ ذلك لم يمنع فاتن ورنا من الحصول على الشهادة “الثانوية”.
فاتن: استشهد زوجي وأصبحت وحيدةً مع ثلاثة أطفال
بعد انقطاعٍ دام أكثر من عشر سنوات عن الدراسة، عادت فاتن سيد سليمان (26 عامًا) إلى مقاعد الدراسة وحصلت على الشهادة الثانوية.
لم تكن فاتن وحدها بل معها رنا (شقيقة زوجها الشهيد)، وتقول “لم أكن يومًا أتخيل أن أعود للدراسة وخاصةً بعد انقطاع طويل، إذ حصلت على شهادة الإعدادية وتزوجت بعدها فورًا”.
“كان زوجي شديد الغيرة عليّ، لا يسمح لي بالخروج كثيرًا من المنزل، ويلبي احتياجاتي كلّها”، تقول فاتن، ما جعلها تشعر بالعجز بعد استشهاده، فهي لا تعلم من تدابير الحياة إلا القليل، خاصةً بوجود أطفالها الثلاثة.
رنا: أولادنا يداومون معنا ويوبخوننا
رنا (33 عامًا) تزوجت في سنّ مبكرة أيضًا، لكن حياتها انقلبت 180 درجة بعد الثورة، بحسب تعبيرها، وتقول “كنت أكره الدراسة منذ الصغر، ولكن الظروف التي مرت علي جعلتني أتحدى كل شيء من أجل مستقبلي ومستقبل أولادي”.
عندما بدأت رنا بالدراسة، كان قرارها ألا تعتمد على أحد بعد اعتقال زوجها في سوريا، وأن تكون قوية لتعود وتبني بلدها مع أولادها، كما تقول، “في البداية كنا نرفض فكرة الدراسة، بعد كل هذا الانقطاع ولكنّ والدي شجعنا وبعض الأصدقاء، قلنا لنجرب”.
ابنة رنا، التي تدرس التاسع في نفس المدرسة (العالم الصغير في تعلبايا)، بدأت تبكي لأنها تخجل بوجود أمها، ولكن بعد مضي بعض الوقت أصبحت سعيدة بوجودها، وتتمنى لها النجاح.
أصبح أولاد فاتن ورنا يتنافسون من ستكون منهما متفوقةً أكثر، وكلما وجدوهما تلهوان عن الدرس يوبخونهما لكي لا يخجلوا أمام أصدقائهم ومدرسيهم.
تقول رنا “كنا نخجل كثيرًا بداية العام، فنحن أكبر من الطلاب، وفكرت عدة مرات أن أنسحب، لكن تشجيع والدي جعلني أستمر. بعد مضي شهر على الدوام تعودنا على الطلاب والمدرسين، ولم نعد نشعر بالخجل أبدًا، بل على العكس وجودنا جعل الطلاب أكثر التزامًا وأقل شغبًا، لأنهم كانو يخجلون من أن يتصرفوا بأي حماقات في وجودنا”.
وفاء “جندية مجهولة”
وفاء، تسكن مع العائلة أيضًا، وقد اعتقل زوجها تاركًا لها أربعة أطفال، ولعبت دورًا كبيرًا في تخفيف الضغوط عن شقيقتها رنا وزوجة أخيها فاتن، إذ آثرت البقاء لترعى أطفالهما وتحمل أعباء المنزل عنهما.
ويوم صدور النتائج كانت الفرحة الكبيرة للعائلة، أما وفاء، فتقول إنها فرحت أكثر من الجميع “لم يكن يهمني مهما تعبت في المنزل، المهم كان أن تدرسا وتنجحا”.
وتضيف “التجارة مع الله دائمًا رابحة، ونحن نتاجر مع الله عندما نفكر بغيرنا مثلما نفكر بأنفسنا، ولهذا أكرمنا الله بنجاحهما واستطعت أنا أن أتوظف في مركز نسائي للتوعية”.
عبد الهادي الحو، مدير مدرسة “العالم الصغير”، يقول “كانت رنا وفاتن من أميز الطالبات لدينا، ونتائجهما أفضل من باقي الطلاب، حتى إن جميع المدرسين كانوا يثنون عليهما”.
منذ حطت رحال العائلة في لبنان، كان المهم ألا يطلبوا شيئًا من الآخرين أو يتذلّلوا للناس، فبدؤوا بصنع الخبز والمعجنات والمعمول والحلويات ثم بيعها، وبعدما سمعت النساء عن مركز يدرّب السيدات سجلن في ورشات للغات والتمريض والكمبيوتر، على أمل أن يفيدهن ذلك في تحسين وضع عائلاتهن ويستطعن إعالة أولادهن.
أثناء لقاء عنب بلدي مع السيدات الثلاث، لم يستطعن إلا أن يبكين أزواجهن المفقودين، مؤكدين على أملهن الكبير بالمستقبل، وأن يعود أولادهن إلى بلادهم أقوياء.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :