برهان عثمان – أورفة
غالبًا ما تُحرك الأحداث ضمن مناطق سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، الإعلام المحلي والدولي، إلا أن الصور المتناقلة عن الأوضاع وحياة الأهالي في تلك المناطق، وخاصة مع تصعيد طيران التحالف الدولي غاراته، وتدميره أغلبية جسور دير الزور، طرحت تساؤلات عدة أبرزها، مَن المتضرر الحقيقي من عمليات القصف؟
شهد أيلول الماضي تدمير ثلاثة جسور في ريف دير الزور الشرقي، الخاضع بمعظمه لتنظيم “الدولة”، متمثلة بجسري الميادين والعشارة، وجسر الصالحية في البوكمال، كما دمّرت طائرات التحالف الدولي جسر “السياسية” ومحيطه شمال مدينة دير الزور، تشرين الأول الجاري. |
متنقلةً بين أقبية جاراتها داخل حيي الحميدية والشيخ ياسين في دير الزور، تمضي أم طه وقتها يوميًا، وتقول لعنب بلدي “حياتنا شبه طبيعية ولا يعكرها سوى القصف وتصرفات عناصر تنظيم الدولة، ولكننا اعتدنا على كليهما، وتعلمنا طرقًا للاحتيال عليها”.
وترفض السيدة السبعينية الخروج من منزلها رغم القصف، بل تستمر بالتردد يوميًا على بعض المحال في شارع “التكايا” القريب من منزلها، وترى أن القصف غير مجدٍ “فهو ليس إلا لزيادة الدمار وإرهاب الأهالي، أما التنظيم فتأثير الغارات عليه محدود”.
تدمير الجسور يزيد الضغوط
تدمير قوات التحالف الدولي للجسور والبنية التحتية مؤخرًا، شكّل ضغطًا جديدًا على الأهالي، الذين يرونه زيادة في معاناة التنقل بين المناطق، على اعتبار أنه سيرفع الأسعار ويزيد المصروف، فقد غدا من يريد التنقل بين ضفتي نهر الفرات مجبرًا على دفع أجرة لأصحاب السفن.
يعيش قرابة خمسة آلاف مدني داخل الأحياء التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة” في ديرالزور، وفق محمد، أحد سكان تلك الأحياء والذي خرج منها حديثًا. |
ووفق من استطلعت عنب بلدي آراءهم في دير الزور، فإن الارتفاع طال أجرة وسائل النقل الأخرى، كالسيارات، والشاحنات، كما رفع من سعر المواد الغذائية والتموينية والمحروقات، “وهذا كله أثّر على المدنيين قبل أن يطال التنظيم وعناصره “.
ويقول محللون إن التحالف لجأ إلى تدمير جسور المحافظة لقطع أوصال تنظيم “الدولة”، وعزل مناطق سيطرته في المحافظة، بينما يحذّر ناشطون من تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر في دير الزور، بعد تدمير الجسور الحيوية التي تربط بين ضفتي الفرات، وهو ما أثر على التنقلات والحركة التجارية بشكل كبير.
“ضرر” آخر إلى جانب القصف
محمد، (رفض كشف اسمه كاملًا لأسباب أمنية)، يقول لعنب بلدي إن التركيز دائمًا يكون على حجم الدمار وأعداد القتلى، بينما لا يلتفت الناس إلى المتضرر الحقيقي المجبر على البقاء في ظل حكم التنظيم وهمجية القصف.
ويرى الشاب الثلاثيني أن الضرر من قصف الطيران الحربي على تلك المناطق، ليس أكبر من “الضرر” الذي يأتي من “كيل التهم لمن لا يزالون يعيشون في مناطق التنظيم”، مردفًا “وجود الأهالي في مكان يحكمه التنظيم، فهذا لا يعني أنهم يتبعون له فالكثير منهم مازال يدخن سرًا ويخبئ أجهزة الدش عن عيون الحسبة حتى اليوم”.
ويُتهم التحالف الدولي بتنفيذ عشرات المجازر بحق المدنيين، في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، وبينما وثقت منظمات حقوقية مئات الضحايا بسبب غاراته، لم يعترف التحالف رسميًا حتى اليوم سوى بمقتل 55 مدنيًا، ويرى أنها حوادث وأخطاء فردية تنتج عن إحداثيات خاطئة.
يُجمع مئات المدنيين القاطنين في الجزء الخاضع لسيطرة تنظيم “الدولة”، والذين استطلعت عنب بلدي آراء بعضهم، على أن المتضرر الأكبر من القصف هم المدنيون، ويرون ضرورة لمراعاة أوضاعهم ووضعها بعين الاعتبار، قبل أي تحرك أو عمل، يمكن أن ينعكس سلبًا عليهم.