أوقفه أحدهم في المكتبة بقوله “ما الذي ستجنيه من كتب الطنطاوي في هذا الوقت؟”، بادله محمود نظرة صامته تقول في مضمونها “إن لم تعِ من تلك الكتب شيئًا فلا فائدة من الحديث معك”.
محمود النمر (48 عامًا)، هو معلم في اللغة العربية مجاز في آدابها وفي الإعلام، يجدد دومًا محتويات مكتبته بإضافة عناصر جديدة، إذ أصبحت الآن تضم أكثر من ألف كتاب منها أمهات الكتب.
التغييرات السياسية في مدينته إدلب ساهمت بتغيير الكتب المتاحة في المنطقة، ففي ظل نظام الأسد لم يكن بحوزة المكتبات المتواضعة أكثر من كتب تقليدية أو روايات شهيرة أو ربما كتيبات ذات مواضيع عديمة الفائدة ذات طباعة رديئة.
ارتياد المكتبات تلك كان أقل من مستوى القراء الموجودين في المدينة، لكن تنوّع المكتبات في الجارة حلب المدينة الكبرى، جعل من الممكن تأمين أنواع الكتب على اختلافها لدى رواد القراءة آنذاك، وكانت طباعة الكتب بطلبات شخصية الطريقة الوحيدة لتأمين الكتب الممنوعة، التي تطبع وتغلف سرًا.
يقول محمود النمر، لعنب بلدي، “لدي كتبٌ لكبار مفكري الإخوان المسلمين، كان صديق لي يعمل في مطبعة ويساعدني في توفيرها بأسماء مموهة، فكتاب (معالم في الطريق)، لسيد قطب طبعته لديه وكتبت على غلافه (معالم في الأدب)”، ويضيف “إلى الآن أتعامل معه ولدي 20 كتابًا عنده أنتظر طباعتهم”.
تغير النظام العسكري في إدلب وتراجعت سيطرة الأسد على المدينة، ما جعل واقع الكتب مختلفًا، فمكتبة “قرطبة”، التي افتتحت منذ سبعة أشهر، تعتبر الأكثر ارتيادًا لتحقيقها مطالب القراء حاليًا، وتتجه بمعظمها نحو الكتب الفكرية الجهادية، كما تعد الكتب الشرعية من أكثر الكتب طلبًا إذ توفرها بلغات متعددة تماشيًا مع انتشار قراء من جنسيات ذوي لغات مختلفة.
أيمن نبعة، أحد القائمين على المكتبة، يقول إنهم بدؤوا بـ 120 عنوانًا فقط، لكن تتعاقد معهم حاليًا جهات متعددة تطلب الكتب، منها أفراد، ومؤسسات كالمعاهد الشرعية والجامعة ومديرية التربية، ويحاولون توفير هذه الكتب بأسعار زهيدة.
في المكتبة نفسها يقوم فريق بكتابة وتصميم وطباعة ما ينتجه كتاب جدد أفرزتهم الأحداث الراهنة، تجاورها كتب تم تنزيلها من الإنترنت ونسخها إما بطلب القارئ نفسه أو باجتهاد من قبل المكتبة، يضاف إليهما الكتب المستوردة باهظة الثمن، التي قلما يعتمد أصحاب المكتبة عليها بسبب صعوبة استيرادها من حلب وتركيا ودمشق.
طباعة الكتب الجديدة تخضع لمراحل عدة، بدايتها في دراسة المحتوى العلمي للكتاب من قبل الفريق المكون من أربعة أشخاص ثم كتابته وتقديمه وطباعته بشكل فني، إذ يقدم فريق المكتبة في الطبعة الأولى ما يقارب 50 نسخة، ولديه خطط مستقبلية بالتعاقد مع دور نشر كبرى في مصر، على وجه التحديد.
محمود النمر، معلم اللغة العربية والقارئ المخضرم، يرى قلة ممن يهتمون بالكتاب في المجتمع، ويرى أن اتجاه القراء الحالي للكتب الجهادية يتطلب بعضًا من التوازن، ويقول عن نفسه إنه قرأ كتبًا عسكرية حين عمل ضابطًا منذ أكثر من 15 عامًا لكنها لم تعد تعني له شيئًا.
طلاب الثانوية العامة الذين يدرّسهم محمود طلبوا منه كتبًا فكرية كالتي حدثهم عنها، ووعدهم بإعارتهم إياها بعد إنهاء امتحاناتهم كي ترفد ثقافتهم دون أن تثنيهم عن دراستهم.
–