الجواد العربي مُهدد
خبرات محلية تبدأ أولى المحاولات لرعاية الخيول في الشمال السوري
عنب بلدي – خاص
في ظل إهمال رعاية الخيول العربية في سوريا، ولأن القصف دمّر عشرات المرابط والمنشآت في الشمال السوري على وجه الخصوص، كانت الحاجة ملحة لتأسيس جمعية “الفجر” للخيول العربية، لتكون عونًا لمربي الخيل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ولإعادة الحياة إلى الجواد العربي، كما يقول القائمون عليها.
يعتبر الخيل العربي الأصيل من أقدم وسائل النقل، وحظي بحضور مميز أوقات السلم والحرب، فالكثير من هواة تربيته في سوريا اعتنوا به وأشركوه في السباقات والعروض الرياضية، لا بل كان ثروة لمربيه، إلا أنه تضرر بشكل بالغ خلال السنوات الخمس الماضية، بعد مقتل عشرات الخيول إثر القصف، وهجرة بعض مالكيها مرغمين وتركها دون اهتمام أو عناية.
وأجمع معظم من تحدثت إليهم عنب بلدي في الشمال السوري، أن الخيل مهدد في ظل سوء ظروف التربية الحالية، ونقص الأدوية ومستلزمات الرعاية، إضافة إلى غلاء أسعار الأعلاف، لافتين إلى وجود مئات رؤوس الخيل الأصيلة التي تحتاج من ينظم أمورها، لتفادي خسارات فادحة خلال المرحلة المقبلة.
جمعية “الفجر” تبدأ أولى الخطوات
عقب بدء الثورة لم يستطع مربو الخيول العربية في المناطق “المحررة”، تسجيلها لدى منظمة “الواهو” (WAHO)، المنظمة العربية العالمية للجواد العربي، ومقرها لندن في بريطانيا، بسبب انقطاع التواصل مع مكتبها في دمشق، ما أفرز عشرات الخيول غير المسجلة ما يهدد بضياع أنسابها الأصيلة.
ولإعادة العلاقات الودية والعائلية التي تربط المربين مع بعضهم البعض، بدأت كوادر مكتب الإحصاء في الجمعية، جولاتها الميدانية في أرياف حلب وإدلب وحماة، بعد رصد أكثر من 250 رأسًا موزعين على عشرات المرابط في تلك المناطق، في محاولة لإحصاء الخيول وتسجيلها لدى “الواهو”، وفق الجمعية، التي تعرف نفسها على أنها منظمة مدنية تعنى برعاية وتوثيق الخيول العربية في المناطق المحررة بهدف الحفاظ على سلالتها ونقاء دمها، في ظل غياب المنظمات المهتمة بالجواد العربي هناك.
مطلع تشرين الأول الجاري انتخبت الجمعية رئيسها وأعضاء مكاتبها التي توزعت بين الطبي والقانوني والمالي والفني والإعلامي، إضافة إلى مكتبي التدريب والإحصاء، بينما قررت تنظيم اجتماعات دورية للمكتب التنفيذي كل أسبوعين، وفق رئيس الجمعية، محمد الأفندي.
ويقول الأفندي لعنب بلدي إن أكثر من عشرة مرابط كبيرة، وعشرات المرابط المتوسطة والصغيرة، تتوزع على أرياف حلب وإدلب وحماة، بينما تواصل مع الجمعية حتى السبت 8 تشرين الأول، مالكو قرابة 350 حصانًا وفرسًا ومهرًا أصيلًا، وتتنوع بين المسجلة وغير المسجلة.
15 عضوًا بينهم المؤسسون، وتسعةٌ من الكوادر الفنية والإدارية، هم أعضاء الجمعية حاليًا، ووفق الأفندي فإن العدد قابل للزيادة “يستطيع من يرغب الانضمام إلى العشرات من المنتسبين، ومن بينهم أطباء بشريون وبيطريون وحقوقيون وجامعيون، إضافة إلى بعض مربي الخيل من أصحاب الخبرة الطويلة في التربية، وبعض التجار وشيوخ العشائر”.
وتسعى الجمعية، وفق القائمين عليها، إلى تأسيس وتطوير العيادة البيطرية، من أجل الرعاية الصحية للخيول وإرشاد وتوجيه المربين للحفاظ على صحة خيولهم، وتأمين مرابط آمنة وميادين سباق رياضية، وتوفير العلف المدعوم للتخفيف من أعباء ارتفاع الأسعار، ومحاولة تأمين الأدوية واللقاحات نادرة الوجود، إضافة إلى إقامة معارض دورية للتعريف بجمال ومكانة الجواد العربي ، وتدريب الشباب والمهتمين على امتطاء الخيل، وفق القائمين عليها.
التسجيل في “الواهو”
وللحديث عن تسجيل الخيول في “الواهو”، تواصلت عنب بلدي مع رئيس مكتب العلاقات الخارجية في الجمعية، وعضو مجلس محافظة حلب، محمد يحيى نعناع، ويقول إن كثرة الولادات الحديثة غير المختومة، إلى جانب بعض الخيول غير المختومة أساسًا، دعا إلى ضرورة التواصل مع المنظمة.
وأبدت المنظمة تعاونها مرحبة بفكرة الجمعية، مطالبةً بإجراءات محددة لتحليل DNA الخيول، من خلال تزويدها بشعرة من رقبة الخيل بعد وضعها في كيس محكم الإغلاق، مرفقًا باسمي الأب والأم وتاريخ الولادة، وصورٍ للأقدام وللخيل من أربع جهات، وفق نعناع.
لم ينكر عضو الجمعية صعوبة المشروع، ويرى أنه ضخم ويحتاج جهدًا كبيرًا، مؤكدًا أن الجمعية وضعت ضمن خططها إمكانية فتح مكتب في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، لتسهيل تسجيل الخيول الأصيلة التي تجتاز الإجراءات.
وبعد أن دمّر القصف النادي الدولي الوحيد في محافظة حلب في مدينة حريتان شمالًا، سيسعى كادر الجمعية لإعادة تأهيله على أن يكون مقرًا لها، “حين يتوفر الهدوء في المنطقة”، بحسب نعناع، الذي يرى أن رعاية الخيول “باعتبارها ثروة وطنية، لها عمق تاريخي وتراثي في سوريا”.
محمد الحمادة، عضو مكتب تنفيذي في مجلس محافظة حلب، وأحد مؤسسي الجمعية، أكد لعنب بلدي أن الجمعية مرخصة من قبل المجلس، لافتًا إلى أن الأخير يحاول البحث عن داعم للقطاع الزراعي وتربية الحيوانات، وتسهيل أمور الجمعية من خلال التواصل مع الجهات الداعمة.
مربو الخيول: الاعتناء بها أصبح شاقًا
تتنوع الخيول العربية في سوريا بأرسانها (النسب أوالعائلة)، ويقول رئيس جمعية “الفجر” إنها تتوزع بين “الكحيلات” و”الصّقلاوية” و”العبيّة”، وغيرها من الأنواع والأنساب، مشيرًا إلى أن نوعي “الشويمات” و”أم عرقوب” هما الأقل عددًا في المنطقة.
ويرى معظم مربي الخيل في الشمال السوري، والذين تحدثت إليهم عنب بلدي، أن تربيته والاهتمام به غدا أمرًا شاقًا خلال الظروف الراهنة، آملين في أن تتبنى منظمة أو جمعية دعم الخيول على الشكل الصحيح والنحو المطلوب في المنطقة.
منيب السطوف، أحد مربي الخيل في معرة النعمان بريف إدلب، يملك 25 رأس خيل عربي أصيل مسجل في “الواهو”، يقول إن لديه بعض المهور المولودة حديثًا والتي تحتاج إلى أختام تؤكد نسبها الأصيل، معتبرًا أن تأسيس جمعية “الفجر” خطوة جيدة في ظل الوضع المزري وغير المطمئن وندرة الخبرات.
يحتاج الخيل العربي الأصيل لإسطبلات وأرضيات مجهزة ورعاية خاصة، ويؤكد السطوف أن ندرة اللقاحات وفقدان بعض الأدوية بشكل كامل، يدعوه إلى استخدام الأدوية البشرية في بعض الأحيان، بينما أجمع مربو الخيل في المنطقة على أن المصروف اليومي للرأس الواحد، يصل إلى ثلاثة دولارات كحد أدنى.
مربط السطوف واحد من حوالي 20 مربطًا تنتشر في معرة النعمان وريفها، ويشير مربي الخيل إلى أن معظم المربين يملكون رأسًا أو اثنين، ورغم أن تربيته تحتاج إمكانيات كبيرة، إلا أنه مازال يربي خيوله حتى اليوم على قدر استطاعته، وفق تعبيره.
أسعار الخيول متدنية ولا أحد يشتريها
سعر الخيل العربي الأصيل لا يقدر بثمن لدى مربيه، ويتعلق الأمر بالعمر واللون والنسب والجنس، ورغم وجود عشرات الخيول المعروضة للبيع في الشمال السوري، إلا أنه نادرًا ما تتم صفقة بيع هذه الأيام، بل يحاول بعض مالكيها تهريبها لبيعها خارج سوريا.
وتتراوح أسعار الخيول حاليًا بين ألفي دولار وقد يصل سعر الفرس الأصيلة ذات النسب الرفيع إلى 25 ألفًا، وهو رقم لا يستطيع أحد دفعه، ويمكن أن يعرضه شيوخ وأمراء الخليج العربي، وهذا ما أكده السطوف بقوله، “آخر عبارة سمعتها مؤخرًا من شيخ قطري أعجب بأحد أحصنتي: خذ شيكًا مفتوحًا ثمنه”.
سابقًا، قبل الثورة، كانت أسعار الخيل الأصيل تتراوح بين ثمانية ومئة ألف دولار، وربما وصل سعرها أكثر من ذلك، بينما لم يتغير سعر الخيل الوطني المنتشر بأعداد قليلة حاليًا، ويباع بـ 300 دولار ويمكن أن يصل سعره إلى ألفين كحد أقصى، وفق بعض المربين.
لا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد الخيول في سوريا، إلا أن وزارة الزراعة التابعة للنظام السوري قدّرتها في آخر إحصائية لها، بحوالي خمسة آلاف رأس، ضمن المناطق التي يسيطر عليها في محافظات حمص وحماة ودمشق وريفها والحسكة وإدلب ودرعا.
وفي الوقت الذي أعلن النظام السوري لأول مرة نيسان الماضي، عن نيته إصدار جواز سفر للجواد العربي الأصيل لتصديره وتسهيل مروره إلى البلدان الأخرى، يحاول مربو الخيول في الشمال السوري الحيلولة دون طمس هوية خيولهم والحفاظ عليها، في محاولة لإعادتها إلى مكانتها القديمة قبل سنوات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :