محمد قطيفان – درعا
دخلت محافظة درعا في الفترة الأولى لموسم قطاف الزيتون، الذي تعتبر أشجاره صاحبة الحصة الأكبر من مجمل المساحات المشجرة في درعا، لكن كسائر قطاعات الزراعة في سوريا، لم يسلم هذا القطاع من تداعيات الحرب المشتعلة منذ سنوات، فقط طال الضرر جوانب عديدة منه، أثرت بدورها على انخفاض نسب الإنتاج وارتفاع التكاليف.
تُصنف درعا في المرتبة الثانية في سوريا من حيث إنتاج الزيتون، بعد محافظة إدلب، ويمتاز بتنوع أصنافه، بالإضافة للجودة العالية لزيته، ويتجاوز عدد أشجاره خمسة ملايين في عموم المحافظة.
لم يعد تمركز الثكنات العسكرية لقوات الأسد بالقرب من مزارع الزيتون، المؤثر السلبي الوحيد على هذا القطاع، فعلى الرغم من قيامها بتجريف عشرات المزارع وإحراق المئات غيرها، إلا أن ابتعاد الكثير من الفلاحين عن هذا القطاع، وارتفاع تكاليف الإنتاج كان المؤثر الأبرز الذي ضرب قطاع الزيتون، بالإضافة لانتشار ظاهرة التحطيب العشوائي للأشجار.
الاقتصار على الأشجار البعلية
عنب بلدي سألت أبو محمد رجا، صاحب إحدى مزارع الزيتون في مدينة درعا، عن واقع هذا القطاع بعد خمس سنوات على انطلاق الثورة، ويقول “قطاع زراعة الزيتون توقف بشكل شبه كامل، شجرة الزيتون التي نخسرها، لا يوجد بديل عنها”، فارتفاع تكاليف الزراعة، والحاجة للانتظار لسنوات طويلة لجني أرباح هذه الزراعة، كانت أبرز أسباب عزوف الفلاحين عنها، ليقتصر الأمر حاليًا على الأشجار المزروعة قديمًا.
يضيف رجا “تحتاج أشجار الزيتون لعناية دائمة ومعالجة الإصابات الحشرية، والاهتمام بأمور الحراثة والتقليم، بالإضافة لما يترتب من أجور على اليد العاملة، وكل ذلك انعكس على ارتفاع تكلفة الإنتاج”.
وقد دفعت التكلفة العالية لسقاية الأراضي الزراعية بالعديد من المزارعين للاعتماد على مياه الأمطار فقط، لكن أشجار الزيتون البعلية فقط، منخفضة الإنتاج نسبيًا، لا سيما أنواع كالإسطنبولي والقيسي والنيبالي، وهي أبرز الأنواع المزروعة في درعا، ولا حلول أخرى أمام انخفاض مستويات المياه، وارتفاع أسعار السقاية من مياه الآبار.
نبيع أم نعصر؟
الأيام الأولى في موسم قطاف الزيتون لهذا العام تبشر بموسم جيد نسبيًا، مقارنة بالظروف المحيطة بهذا القطاع، ولكنها بالتأكيد في انخفاض مستمر عن الأعوام السابقة، إذ تشير إحصائيات مديرية الزراعة في عام 2010 إلى أن إنتاج محافظة درعا حينها تجاوز 60 ألف طن، وانخفض تدريجيًا خلال الأعوام السابقة ليصل في الموسم الماضي إلى 32 ألف طن فقط، وفقًا لذات المصدر.
وتعتبر خيارات المزارعين بين بيع ثمار الزيتون أو التوجه لعصرها هي النقطة الأكثر حيرة لهم في هذا الموسم، فسوق بيع ثمار الزيتون قد بدأ فعلًا، بينما تتجهز المعاصر التي لا يتجاوز عددها 15 معصرة لبدء استقبال المزارعين، عنب بلدي التقت بأحمد السلامات العامل في إحدى معاصر الزيتون بمحافظة درعا، ويوضح أن التكلفة لهذا العام أعلى من الأعوام السابقة لأسباب عديدة، منها عدم توفر الكهرباء والاعتماد على المولدات بشكل رئيسي، وارتفاع أسعار المحروقات، لتضاف هذه التكاليف المرتفعة إلى ما تكبده المزارع طوال الموسم، وطوال فترة القطاف، ولكن يبقى عزاء المزارعين في هذا، أن سوق عصير الزيتون هو سوق نشيط جدًا على مدار العام، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة أو الخاضعة للنظام في درعا، على الرغم من ارتفاع أسعارها.
يضيف السلامات “زيت الزيتون عنصر أساسي في مطابخنا ولا استغناء عنه، وارتفاع تكاليف إنتاجه وأسعار بيعه، لم تؤثر بشكل كبير على الاستهلاك”.
أصحاب معاصر الزيتون بدورهم، بذلوا خلال العام جهودًا للاستعداد لموسم القطاف، إذ يؤكد السلامات أن بعض معاصر الزيتون انتقلت بآلاتها نحو السهول البعيدة عن مرمى نيران النظام، حتى لا تتعرض للقصف، معللًا بقوله “نحتاج للابتعاد قدر الإمكان عن النظام، فالأخير لا يتردد أبدًا في استهداف معاصر الزيتون خلال فترة القطاف، بهدف ارتكاب المجازر واستهداف الموارد الذاتية للمناطق المحررة”.
ولا يعتبر هذا الكلام مجرد مخاوف فقط، فقد نفذّت قوات النظام خلال تشرين الثاني من العام الماضي 2015، مجزرة باستهدافها لمعصرة للزيتون في مدينة الشيخ مسكين، مستغلة تجمع العديد من المزارعين والعاملين في المعصرة، لتستهدفها بالقصف المدفعي مخلفة العشرات بين قتيل وجريح، فيما أصبح يعرف لاحقًا بمجزرة “زيت الزيتون”.
يعيد نشاط المزارعين في محافظة درعا، الأهالي لأجواء ما قبل الثورة والمعارك، فعمل الأهالي في قطاف محاصيل الزيتون، أو حصاد محاصيل القمح، وما يرافقهما من عادات شعبية، يلعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على العلاقة التي تربط الأهالي بأرضهم، وهي العلاقة التي يسعى كثيرون لنقلها للأجيال القادمة من الأطفال، لا سيما الأجيال التي فقدت الرابط الحقيقي بالأرض، ليحل محلها مظاهر النزوح واللجوء بحثًا عن الأمن.