بحثٌ مستمرٌ عن عروس "مفقودة"
لاجئون يستثمرون بناتهم قبل الزواج.. ويدفعون الشباب إلى طرق “محرمة”
حنين النقري – عنب بلدي
أفرزت الحرب وظروفها الكثير من الاختلافات والتغيّرات على المجتمع السوريّ خلال ستة أعوام، وكلما حاولنا إحصاءها برز جانب جديد من زاوية مختلفة، يُسهم كلّ منها بدوره بخلق تحدٍّ جديد آخر، في سلسلة مستمرّة لا تنتهي.
اللجوء والنزوح من أبرز آثار الحرب التي أفرزت بدورها تحدياتٍ إضافيّة كثيرة ومتشعّبة، ومن بينها، إيجاد زوجة للاجئ وتكوين عائلة له في مكان إقامته الجديد.
تعددت الأسباب والرفض واحد
خرج سعيد (30 عامًا)، وهو فلسطيني- سوريّ، من مخيّم اليرموك مع جموع الخارجين منه، ولما لم يبقَ له في سوريا ذكرى أو بيت، آثر اللجوء إلى أوروبا مع جموع اللاجئين أيضًا، يقول سعيد “بعد رحلة طويلة وصلتُ إلى ألمانيا، بدأت بتعلّم اللغة الألمانية بنفسي وبحثتُ عن عمل، إذ قرّرتُ ألا أبحث عن زوجة إلا بعد أن أجد عملًا يكفينا، وبالفعل بدأت بالعمل كحلّاق، صحيح أن دخلي لا يزيد عن 800 يورو بعد خصم الضرائب منه إلا أنني سعيد بهذه البداية”.
لم يكن سعيد يتوقع أن تكون رحلة بحثه عن زوجة أطول مدةً وأعقد من عقبات رحلة لجوئه نفسها “رحلة لجوئي تطلبت مني شهرين من التخطيط والتنفيذ، أما البحث عن عروس فمازال مستمرًا منذ قرابة العام، مع الرفض المتكرر رغم تنازلي عن شروط كثيرة”.
أنت لاجئ
يقول سعيد إن أسباب الرفض كثيرة، وفي الغالب تقف المعوّقات المادية أمام القبول، ويتساءل “هل يُعقل أن تطلب عائلة من شاب لاجئ مهرًا مقدّمه 15 ألف يورو، وذهبًا بقيمة خمسة آلاف يورو؟ من أين يمكنني الحصول على مبلغ كهذا، وكم من الأعوام سيلزمني لتجميعه؟”.
يتندّر سعيد بإحدى العائلات التي رفضتهُ لأنه لاجئ “طلبتُ يد فتاة من غزّة مقيمة في ألمانيا مع عائلتها منذ عشرة أعوام، الغريب أنهم رفضوني لأنني لاجئ، أتساءل هل أتوا من غزة إلى ألمانيا بمركبة فضائية؟”.
الفتاة في بيت أهلها: استثمار طويل الأمد
يقول جوان، صديق سعيد وأحد الباحثين عن عروس، حتى إن كان لدى الفتيات سببٌ واحد لرفض الزواج في سوريا، فإن لديهنّ ألف مبرر اليوم في أوروبا، ويضيف “أعداد الشباب بين اللاجئين السوريين تفوق بكثير أعداد البنات، ما يجعل لدى الفتاة الكثير من الخيارات لتتمنع وتضع الشروط وفق هواها، وكلما جاءها خاطبٌ رفضته بانتظار من هو أفضل منه”.
ويرى جوان أن الأهالي يتعاملون مع بناتهنّ كاستثمار حقيقيّ، يشرح وجهة نظره “تستطيع الفتاة لم شمل الشاب الذي يخطبها ما يجعلها (أثمن) لدى أهلها، عدا عن الراتب المخصص لها من الحكومة، وهو ما لا ترغب عائلة الفتاة بخسارته بعد زواجها”.
يدلّل جوان على كلامه بقصة خطبته لإحدى السوريات في ألمانيا، والشرط الذي وضعوه لقبول طلبه “تخيّلي أن الشرط في الموافقة على الخطبة كان في أن يبقى الراتب المخصّص للفتاة بيد أهلها بعد الزواج، أمور عجائبية تحدث في هذه الأيام”.
خوفٌ من المجهول
عندما سألنا سعيد وجوان عن سبب عدم الارتباط بفتيات سوريّات في سوريا أو تركيا، ومن ثم لمّ شملهنّ إلى ألمانيا، كانا متفقين على الإجابة، “الخوف من المجهول”، يقول سعيد “الارتباط بشخص لا تعرفينه ولم تلتقيه من قبل أمر صعب للغاية، ولا أستطيع تخيّل نفسي في المطار أنتظر زوجتي التي لا أعرفها، لا يمكنك تخمين أيّ نوع من النساء هي، ولا معرفة الدافع الحقيقي لموافقتها على الارتباط”.
يؤكد جوان كلام صديقه، ويضيف “الكثير من القصص التي سمعناها عن زيجات عن بُعد انتهت بالطلاق بَعد لمّ الشمل بمدة وجيزة، قد يكون السبب عدم التفاهم بين شخصين لم يلتقيا من قبل، وقد يكون السبب هو كون الزواج في الأساس مجرّد وسيلة لوصول الفتاة إلى أوروبا، عدا عن صعوبات لم الشمل حاليًا”.
لكنّي أخاف الله
يشير سعيد إلى أن الأهالي برفضهم المتكرر لا يدركون خطورة ما يقومون به، وهو دفعهم الشباب لطرق كثيرة متوافرة في أوروبا، ويضيف “الخروج مع الفتيات وتكوين علاقات محرّمة خارج إطار الزواج هو أمر مُتاح للغاية ومتوافر بكثرة أيضًا، والأهل بتكرار رفضهم للعرسان لا يعلمون أنهم يدفعونهم لهذا الطريق الذي لا يتطلب مسؤوليات أو أسئلة أو أموالًا كثيرة”، يستدرك “لكني أخاف من الله”.
ووصلت إلى عنب بلدي قصص متكررة عن شبابٍ سوريين اعتادوا السهر، على خلاف ما عرف عنهم في سوريا، أو بدأوا تكوين علاقات عابرة مع نساء يقدمن أنفسهنّ مقابل المال.
اختبار حسن نيّة
على عكس سعيد وجوان، وجد عبيدة، وهو معلّم حمصيّ في تركيا، شابة تناسبه، وسرعان ما اتفقا على رغبتهما بالارتباط، يروي عبيدة قصته “عن طريق فيس بوك كنتُ أتواصل مع زملاء وزميلات الجامعة، ووجدتُ انسجامًا وتقاربًا فكريًا مع هدى. بعد عدة محادثات صارحتُها برغبتي بخطبتها”.
لو كانت هدى في تركيا أو سوريا لما كانت ثمة مشكلة حسب تعبير عبيدة، لكن المشكلة الأساسية كونها مقيمة في السويد حاليًا، يتابع “عندما تواصلت مع أهلها طالبًا يدها، رفض والدها بشكل قاطع خوفًا من أن يكون طلبي رغبة مني بوسيلةٍ سهلة وسريعة للجوء”.
بعد تواسط العديد من الأقرباء لدى والد العروس، واستمرار رفضه، لم يكن أمام عبيدة إلا أن يُظهر أدلة عمليّة على حسن نيّته، “أخبرتُ والدها أني مستعدّ للزواج بها في تركيا ونقيم معًا هنا، وإن أراد دليلًا على صدق نيّتي يمكنني أن أهاجر عن طريق البحر وأخطبها منه بشكل رسمي، ومازلت أنتظر جوابه حتى اللحظة”.
البحث عن مليونير
ربما يكون حظّ عبيدة قد أسعفه للعثور على شابّة استطاع استمالة قلبها، وهو أمر لم يوفّق به منير العامل في تركيا حتى الآن، يقول عن ذلك “أهلي مازالوا في سوريا، واضطررت للسفر إلى تركيا لتخلفي عن العسكرية، لكنني لم أستطع الخطبة حتى الآن، والسبب في ذلك هو الأحوال المادية”.
يقول منير إن تأمين متطلبات المعيشة في تركيا ليس سهلًا، وهو أمر لا تراعيه عائلة الفتيات التي يخطب منها، في ظل عدم وجود مساعدات من الدولة التركية للسوريين على أراضيها، وغلاء المعيشة فيها، ويضيف “الجميع ينتظرون عريسًا مليونيرًا، ولا أحد يرغب بشاب يبدأ من الصفر، لكنهم لا يصرّحون بذلك، والحجة الجاهزة للرفض هي: ما في نصيب، ترغب بإكمال تعليمها”.
عودة الخطّابة
قد يكون نزوح الكثير من الشباب بمعزل عن عائلاتهم، وفقدانهم المحيط الاجتماعي، الذي كانت تتم الخطبة منه أو عن طريقه، أحد أسباب مشكلة العثور على زوجة، ولهذا السبب تحديدًا وجدت السيدة أم عمر نفسها فجأة تعمل خطّابة للشباب، وهو دورٌ لم تتوقع أن تقوم به يومًا، رغم سعادتها الحالية به، تقول أم عمر “يتعرف زوجي على الكثير من الشباب هنا في تركيا ممن خرجوا لوحدهم بدون عائلاتهم، أعوام تمرّ وهم بحاجة زوجة وأسرة، فمن يخطب لهم دون وجود نساء تدخل البيوت وتبحث عن فتاة مناسبة؟”.
بدأت قصة أم عمر مع عملها كخطّابة عندما طلب منها زوج ابنتها البحث عن عروس مناسبة لصديقه، تقول “شابّ متعلمّ ومتدين، لكنه وحده هنا، أشفقتُ عليه وقلتُ عسى أن يُرسل الله لأبنائي في سوريا من يحنّ عليهم، وهكذا بدأتُ البحث في محيطي عن فتاة بالمواصفات المطلوبة”.
بعد شهرين من البحث وافقت إحدى العائلات على العريس ووصلتهم أم عمر به، وتمّت الخطبة، تقول أم عمر “العرس بعد شهرين تقريبًا، تمّت إلى الآن زيجتان عن طريقي، الحمد لله أنني موجودة في أفراح الناس وفي جمعهم بالحلال”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :