أشد الثعابين سميةً وفتكاً هي أكثرها رشاقة وتمايلاً وجمالاً.
يعزف الحاوي «المخادع» مزماره أمام (الكوبرا)، فيتراقص الثعبان الغليظ بكل رشاقة وخفة أمام الجمهور المنبهر بأدائه الأخاذ، انبهاراً يكاد يُنسيه أن سموم هذا النوع من الثعابين (اللعوب) ربما يكون أسرع أنواع السموم قتلاً.
ليست كل أنواع الكوبرا تقتل ضحاياها بعضةٍ من أنيابها السامة، هناك نوع من الكوبرا اشتُهر بنفثه السم من بُعد على عيون فريسته، بحيث تفقد الضحية قدرتها على البصر والرؤية فتتخبط في طريق الهروب حتى تقع بين يدي القاتل الشرس.
قدرة (الكوبرا) على الخروج من «زنبيلها» والتطاول أمام الجميع من خلال إمكانية رقبتها على (التمدد) كثيراً كثيراً، هو الذي يمنحها مَلَكة إبهار الجمهور بالرقص وإخافة الناس باللدغ… في آنٍ واحد.
بين مهارتَيْ الرقص والقتل، تُراوح الدول الكبرى في علاقاتها مع الدول الوسطى والصغرى في هذا العالم.
تتراقص الدول الكبرى أمام العالم بقيم العدل والحرية والمساواة، كما تُقدم رقصات «خاصة» بحقوق الإنسان والأقليات والمرأة والطفل والمعاقين والمهاجرين واللاجئين، وتتمايل كثيراً وتمد رقبتها طويلاً خصوصاً عندما يعزف الحاوي معزوفة (السلام).
وحين ينتهي العرض المسرحي، أحياناً حتى قبل أن ينتهي، تتحول هذه الرقصات إلى لدغات سامة وعضات قاتلة، سواءً كان هذا مع وجود المزمار أو من دونه.
تتنادى الدول الكبرى، في كل محفل دولي، إلى شجب التطرف والعنف الذي يمارسه أفراد أو جماعات، لكنها لا تتورع في الوقت ذاته عن مواجهة العنف الفردي بعنف مؤسسي أشد وأنكى، وعن معالجة الحيف الطارئ في الحقوق بحيف ممنهج يقتص للظالم من المظلوم!
إذا اشتهت الدول – الكوبرا الاستيلاء على أموال الآخرين أسمت قوانينها الانتهازية بقوانين (العدالة)، وإذا احتاجت بيع السلاح وصفت طلعاتها الجوية وقصفها المدنيين الأبرياء، بأنها عملية مطاردة للإرهابيين. وإذا خافت أن تنتهي الحرب الداخلية في بلدٍ ما سريعاً، أوفدت مبعوثاً للسلام وللتفاوض بين أطراف الصراع!
بمثل هذه الرقصات الانتهازية تستحوذ الدول الكبرى على قرارات الدول وثروات العالم ومجريات الأحداث ومنصات (القيم الإنسانية).
الدول – الكوبرا لا ترقص عبثاً، ومن يريد أن يحضر العرض، لا بد أن يتوقع إمكانية اختتام حفلة الرقص (الرومانسية) ختاماً مأسوياً!