مشاركات القراء
في أقصى شمال غرب سوريا تقع إدلب الخضراء، وتحُدُّها من الشمال سهول لواء اسكندرون، من الغرب محافظة اللاذقية، ومن الجنوب والجنوب الشرقي محافظة حماه، ومن الشرق والشمال الشرقي محافظة حلب، وتعدُّ بوابة سوريا المطلة على تركيا وأوروبا.
تحتل إدلب المرتبة الثامنة من حيث المساحة، والخامسة من حيث عدد السكان، فقد قدر عدد سكانها بأكثر من مليون ونصف، معظمهم من العرب وعدد قليل من الأكراد والأتراك، وينتمي أكثريّة هؤلاء السكان إلى الطائفة السنيَّة، ونسبة منهم من المسيحيين والدروز ومن أقليات دينية أخرى.
وتضم إدلب عددًا كبيرًا من المواقع الأثريّة، العائدة لحقب تاريخية مختلفة، تمتد من الألف الثالثة قبل ميلاد المسيح إلى العصور الإسلامية، وتتميَّز بمساجدها المملوكية والعثمانية وبأسبطتها وحماماتها الشعبيّة ودُوْرِهَا العربيّة، العائدة للقرن السادس عشر الميلادي كالجامع الكبير ودار الفتح الأهلية ودار العياش.
إدلب الخضراء على خطِّ النّار منذُ القِدَم، فهي على عِداء قديم مع النظام الأسديّ، وبُغض مُسْتحكَم. إذ لا ينسى النظام كيف استقبل الإدلبيون حافظ الأسد، ولا ينسى أيضًا المحاولات التي تمت لاغتياله في إدلب، ولذلك فهي من المحافظات المغضوب عليها، وهي تعاني من الإهمال من قِبل النظام، رغم أنّها رئة سوريا المفعمة بالخضرة والحيوية والنابضة بالحياة.
ومنذ بداية الثورة السورية كانت إدلب على موعد مع النظام مرة أخرى. فسارعت لتستلم الراية لتوجه دفة الثورة، ولتستقطبْ أنظار العالم إليها، فبعد خمسة عشر يومًا من انطلاق شرارة الثورة في مهدها في درعا انتفضت قرى محافظة إدلب، وكانت البداية في 1/4/2011، حين تمّ التنسيق بين عدد من نشطاء جبل الزاوية، وكان الهدف الوصول إلى معرة النعمان، وكان بداية التجمع في كفرنبل، ولكن لقلَّة العدد وضعف التنسيق لم يتمكنوا من الوصول إلى المعرة في البداية وتفرقوا عند بلدة حاس، وفي الجمعة التي تلتها انتفضت معظم قرى إدلب، منها قرى جبل الزاوية ومعرة النعمان وجسر الشغور وخان شيخون وجرجناز، وقرى شرق المعرة وبنش وتفتنازوكفرتخاريم، بالإضافة لإدلب المدينة وغيرها من المناطق، وهكذا استمرت إدلب الصامدة في المظاهرات المستمرة المناهضة للنظام الأسديّ الهمجيّ.
وتطوَّرت الأحداث في إدلب بعدها لتشهد مجزرة جسر الشغور ونزوح آلاف أهالي المنطقة إلى تركيا، وظهور حركة الانشقاق عن الجيش الأسدي، وأصبح جبل الزاوية معقلًا للمنشقين، ثمّ برزت أهمية الموقع الجغرافي لمحافظة إدلب مع ظهور خيار وطلب المنطقة العازلة، التي تمّ رسمها بحيث تغطي أغلب مناطق إدلب، فقام النظام باقتحام مناطق في إدلب ونشر الجيش فيها، تبعتها ضربات قويَّة على بعض المناطق، وكان من أعنفها مجزرة كنصفرة وكفرعويد، حيث ارتقى مئات الشهداء في هذه المجازر.
وتمَّ فرض حصار خانق على جبل الزاوية وتغيير أسماء القرى للتمويه أمام لجنة المراقبين العرب وجعلوا بعضها الآخر منطقة عسكرية.
وفي هذه المسيرة قدمت إدلب ما يزيد عن الألف شهيد، وقد قدَّر ناشطون عدد المتظاهرين بالمحافظة بحوالي 600 ألف متظاهر منهم 250 ألف متظاهر في قلب المدينة، بعد أن تمّ الزحف إلى المدينة من المناطق المجاورة.
ويواجه المدنيون بإدلب نقصًا شديدًا في الغذاء والخدمات، كما يواجهون صعوبة كبيرة في العبور إلى تركيا، إما بسبب الألغام، وإما لإغلاق الطرق من قبل الجيش والأمن.
كانت معارك النظام السوريّ مع المنشقين، الّلذين زادتْ أعدادهم بشكل هائل في إدلب، وبالأخص في جبل الزاوية، من المعارك المصيريَّة، والتي تُحدثُ نقلات نوعيَّة في الثورة السوريّة وذلك لعدة أسباب:
الأول: أن محافظة إدلب مفتوحة على حدود مع تركيا، وقد لا يستطيع النظام إحكام سيطرته عليها.
الثاني: الانشقاقات الكبيرة التي حصلت في هذه المحافظة، بحيث يمكننا القول: إن أكبر تواجد للجيش الحر هو في إدلب.
الثالث: اتساع رقعة محافظ إدلب على شكل قرى متناثرة وريف واسع ومزارع كثيرة، ممَّا قد يصعب مهمة النظام الشبيحي في المنطقة، ويجعلُه يلجأ إلى إستراتيجيات غير إستراتيجية باقي المحافظات والمناطق الثائرة.
نعم.. إدلب وبكل امتياز…. نبض الثورة وروحها المفعمة بالحياة…