“تجربة لبنان صارت أقرب لطلابنا”
حلول يلجأ إليها السوريون بسبب تدنّي مستوى التعليم الحكوميّ
حنين النقري – عنب بلدي
غيّرت الحرب الكثير في حياة السوريين، وجعلت معظم بدهيات الحياة وأساسياتها مِنَحًا خاصّة تحتاج إلى بذل الغالي والنفيس في سبيل تأمينها. من الكهرباء إلى الماء والطعام وخدمات الاتصال والنقل. ولم يكن التعليم استثناءً عن ذلك، فالتعليم شبه المجاني يكاد يختفي بشكل تدريجيّ بين السوريّين، مع تدني جودته في المدارس الحكوميّة إلى مستويات غير مسبوقة تضغط على الأهالي وتدفعهم إلى سحب أولادهم من المدارس العامة إلى أخرى خاصة، أو رفدهم بساعاتٍ إضافية من الدروس الخصوصية، رغم التكاليف المرتفعة لهذه الحلول، والمستوى الماديّ المتدهور لمعظم الأسر.
هل أنت بحاجة لدرس خصوصي؟
“الأستاذ الخصوصيّ” ليست موضةً وليدة الحرب، بل له حضوره التاريخيّ لدى الكثير من الطلاب السوريّين، لكنهم كانوا غالبًا من الفئة الثريّة، أو ميسورة الحال بالحدّ الأدنى، تقول الآنسة رشا، وهي معلمة لغة إنكليزية من مدينة حمص، “كانت صورة الطالب الذي يحتاج لدروس خصوصية مقترنة بالثراء، وبأنه ذاك الطالب غير المبالي ضمن الصفّ لأنه يستطيع طلب الأستاذ متى شاء ما يجعله يفتخر بذلك أمام أصدقائه، الأمر مختلف كُليًّا اليوم”.
تشير رشا إلى أن الكثير من طلابها لا ينتمون لعائلات غنية، لكن سوء حال التعليم يضطرّهم إلى اللجوء لدروس خصوصية تعوّض إهمال المدارس حسب تعبيرها “أُفاجأ بالكثير من الطلاب الذين أدخل بيوتهم، منهم من ينتمون لعائلات أحوالها بسيطة جدًا، بل إن بعضهم يقيم في منزل مُستأجر بعد تدمير منازلهم، لكنّ عائلاتهم حريصة على تعليمهم بشكل جيّد، وهو الفارق بين طالب الدروس الخصوصية اليوم وأمس، والعامل الأساسي في ذلك هو تردّي حال التعليم”.
أسعار رمزية
أمام كل هذا، تحاول رشا أن تراعي ظروف الطلاب والمستوى الماديّ لأهاليهم، تقول “أعلم اليوم أن الطلاب يحتاجون هذه الدروس لا ترفًا ولا عن قلة انتباه، وبشكل خاص في المواد الأساسية كاللغة الإنكليزية والرياضيات، أمام ضعف الكوادر التدريسية في المدارس وكثرة الغيابات وقلة المحاسبة، لذلك أحاول أن تكون أجور دروسي مناسبة للطلاب، وأرحّب بإنشاء مجموعات طلابية تخفف أجرة الدرس على المجموعة”.
وعن الأسعار التي تطلبها الآنسة رشا مقابل ساعة الدرس الخصوصيّ أخبرتنا “500 ليرة للدرس للصفوف الانتقالية، أما للشهادات فيزداد السعر: للتاسع 1000 ليرة، وللبكالوريا 1500”. وتنوّه إلى أن هذه الأرقام لا تعبّر عن أسعار الدروس الخصوصية اليوم “فمعظم الأساتذة يطلبون أرقامًا أعلى بكثير”، حسب تعبيرها.
سوق الدروس الخصوصية
يرى الأستاذ وائل، وهو مدرس رياضيات من مدينة حماة، أن الدروس الخصوصية أضحت سوقًا لها أسعارها وتنافسها وتجّارها وأسماؤها “يتعمّد بعض الأساتذة الشرح بأسلوب مختصر وموجز خلال الحصص المدرسيّة ليضطرّ الطلاب أن يقصدوهم للدروس الخصوصية، إما طمعًا بالعلامات أو بمزيد من الشرح، وهنا يظهر الفارق في مستوى إعطاء الأستاذ، إذ يستفيض في دروسه الخصوصيّة شرحًا وإتقانًا بأساليب مميزة خلافًا لحاله في المدرسة”.
ويضيف وائل أن حجز درس لدى أستاذ من الأساتذة ذوي الأسماء الكبيرة لا يكون بسهولة “يتطلب الأمر حجز موعد قبل فترة جيدة من حاجة الطالب للدرس، وبشكل خاص للشهادات وفي المواسم الامتحانية، وإن كان الطالب يرغب بالدروس طيلة العام الدراسي فيجب أن يحجز المعلّم في نهاية العام السابق كي لا ينساه”.
المدارس الخاصة.. ترحّب بكم
بعد عامين من “التعاقد” شبه الكامل مع أستاذة خاصة لعبد الرحمن تعلّمه اللغة الإنكليزية، قررت العائلة أخيرًا تسجيله في مدرسة خاصة، تقول والدته “قبل الظهيرة دوام المدرسة، وبعدها يبدأ سباق الدراسة وكتابة الوظائف والدروس الخصوصية للغة الإنكليزية، عدا عن مهمة البحث عن آنسة خصوصي جيّدة ولا تتبع مبدأ (التبصيم)، بعد مشاورات مع والده قررنا أن نلحقه في العام الحاليّ بمدرسة خاصة”.
تقول السيدة أم عبد الرحمن إن انتقال ابنها للصف السابع كان العامل الرئيسيّ في هذا القرار، “المناهج تزداد صعوبة، ولا أشعر أنه تأسس بشكل جيّد حتى الآن، أمضى كل سنواته الدراسية في ظل الحرب ما بين غيابٍ لأسباب أمنية وعدم وجود أساتذة للمناهج، في الصف السابع يضاف منهاج اللغة الفرنسية ولا أحد يعرف عنها شيئًا في بيتنا، وهكذا حسمنا قرارنا بقصد مدرسة خاصة”.
المدارس الخاصة لم تعد لأبناء المسؤولين
تضيف أم عبد الرحمن أن المدارس الخاصة لم تعد لأبناء المسؤولين وكبار التجار كما كانت الصورة النمطية عنها سابقًا، وتضيف “الكثير من أصدقاء ابني وأبناء معارفنا نقلوا أبناءهم لمدارس خاصة حرصًا على تعليمهم، وعلى أخلاقهم أيضًا، لا يمكن تصوّر مقدار التسيّب والفلتان الأخلاقي في المدارس الحكومية، ولا أرغب بأن تهدم المدرسة كل جهودي في تربية ابني”.
لماذا؟
يُشير الأستاذ منهل، الموجّه في مدرسة خاصة في مدينة حمص، إلى أن التركيز على الأرقام المطلوبة للتسجيل في هذه المدارس ليس موضوعيًا، ويضيف “لا يمكن أن نقول بأن مدرسة تطلب 250 ألف ليرة سورية سنويًا، دون أن نتناول ما تقدّمه للطالب في المقابل من مناهج إثرائيّة وعملية تعليم حقيقيّة، لا ننكر بالطبع أنه مبلغ كبير وخارج استطاعة الكثير من السوريين، لكنّ هذا لا ما تحمل المدارس الخاصة ذنبه، بل النظام ومستوى التعليم في المدارس الحكوميّة، وتدهور قيمة الليرة السورية”.
ويضيف الأستاذ منهل أن الكثير من الأهالي يرغبون بالمدارس الخاصة للانضباط الكبير فيها، ويقول مثالًا على ذلك “عند غياب التلميذ نتصل بأهله ونستعلم عن السبب، لا يمكن للأهل أن يصطحبوا الطالب خلال الدوام المدرسي إلا بتقرير طبي، يتم سحب الهواتف النقالة من الطلاب وإيداعها في الأمانات عند الإدارة خلال الدوام، والتعليم يتمّ على أيدي أساتذة مختارين على أساس الخبرة لا الواسطة”.
“مثل لبنان ومصر”
“صرنا متل لبنان ومصر”، تقول السيدة أم عبد الرحمن بحسرة، وتوضّح مقصدها “لم نكن كسوريّين نُدرك صعوبة ما يُذكر في التلفزة المصريّة واللبنانية حول واقع التعليم الحكومي المتردّي في البلدين، واضطرار الأهالي لقصد المدارس الخاصّة ودفع مبالغ خيالية لها، لكننا اليوم صرنا مثلهم”.
يتطلب التعليم في المدارس الخاصة رسومًا مادية عالية، وهو ما تكفّل به عمّ عبد الرحمن المقيم في الإمارات حسب والدته “لولا مساعدة عمّه لما استطعنا أن نسجّله في مدرسة قسطها بحدود 220 ألفًا، الكتب لوحدها بـ 18 ألف ليرة سورية، وبنفس المبلغ تقريبًا اللباس الخاص، عدا المواصلات، وهي أرقام ضخمة بالطبع لكننا نعود ونحوّلها للدولار فنجد التكلفة الإجمالية تقارب 25 ألف ليرة سورية قبل الحرب، وهو مبلغ معقول للغاية”.
تتابع أم عبد الرحمن “أمام غلاء كل شيء لا بدّ أن يرتفع ثمن العلم أيضًا، المال ليس أغلى من مستقبل ابني”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :