السوريون السود رسائل فرق العملة
محمد رشدي شربجي
خلال تشريحه للمجتمع السوري، يميز الكاتب ياسين الحاج صالح بين “السوريين البيض” البرجوازيين (ينتمي فريق ديمستورا النسائي الاستشاري لهذا الصنف) المقيمين في أحياء المدن الراقية، والمتمركزين حول أنفسهم والنظام، والذين يرون في “السوريين السود” أعدادًا فائضة عن الحاجة، وأن نفيهم أو إبادتهم أو تهجيرهم لا يشكل ” نزفًا حضاريًا لسوريا”، بحسب تعبير الكاتب النازي “الممانع” ناهض حتر، الذي حوله مؤخرًا بعض القتلة المجانين لـ “شهيد الكلمة”.
ولكن الملاحظ أن النظرة لجزء من السوريين على اعتبارهم عبئًا وأعدادًا فائضة عن الحاجة غير قادرة على الاندماج الحضاري، لم تعد حكرًا على “السوريين البيض” ولا حتى أنصار محور المقاومة والممانعة، الذي يعبر عنه جبران باسيل أفضل تعبير، بل تعداه إلى العالم أجمع الذي بات يرى في السوريين جميعًا سودًا وبيضًا “أشياء” يمكن استبدالها أو حتى إبادتها، لا لشيء وإنما لتوجه دولة عظمى “رسالة” لدولة أخرى.
قبل أسبوعين قصف التحالف الدولي بقيادة أمريكا مواقع النظام السوري في دير الزور، لتوجيه “رسالة” من نوع ما لروسيا والنظام السوري أن الولايات المتحدة “جادة” بخصوص الهدنة، ومع أن الولايات سارعت للإعلان أن القصف الذي خلف عشرات القتلى كان بطريقة الخطأ (هو الشيء الصحيح الوحيد الذي فعلته الولايات المتحدة في سوريا منذ ست سنوات) وأبدت اعتذارها لروسيا، وليس للنظام السوري، على الحادث، إلا أن الجميع فهم أن هناك رسالة ما أرادت الولايات المتحدة توجيهها لروسيا من خلال قتل مجموعة من الجنود السوريين.
لم يتأخر الرد الروسي على الرسالة الأمريكية على ما يبدو، ولم تجد من طريقة للرد على قتل مجموعة من السوريين في دير الزور إلا قتل مجموعة من السوريين في مكان آخر، واستهدفت بعدها بيومين قافلة إغاثة في إدلب لتقتل العشرات من السوريين العاملين في الإغاثة والمفترض حمايتهم دوليًا، ولتنهار بعدها الهدنة غير الموجودة أصلًا، وتبدأ روسيا حملة هي الأعنف والأكثر وحشية على مدينة حلب بالتعاون مع إيران وباقي ميليشيات محور المقاومة.
تشكل حلب حالة نموذجية لشكل العلاقة بين روسيا وأمريكا ونظرتهما لنا، فروسيا تدرك أن السيطرة على حلب متعذرة، وتحتاج إلى عملية عسكرية كبرى تمتد لأشهر، ولكنها بدورها تريد أن توجه “رسالة” للولايات المتحدة لما يمكن أن تفعله بحلب في حال تعنتت الأخيرة، ولا يحتاج ما حصل لرد فعل أمريكي من وجهة نظر أوباما، فالقتلى سوريون سود، والقاتل خصم يغرق في المستنقع وتزداد ضده مشاعر العداء والكراهية في العالم الإسلامي، وهكذا يدفع السوريون ثمن صراع الإرادات هذا من دمائهم ومدنهم.
لا يختلف الأمر كثيرًا عند باقي الدول عمّا هو عليه الحال عند روسيا وأمريكا، فخلال الأسبوع المنصرم قتلت الجندرمة التركية طفلًا سوريًا حاول عبور الحدود بطريقة غير شرعية ليرتفع عدد من قتلتهم الجندرمة التركية، منذ بداية العام إلى أكثر من 150 شخصًا. وكان الكلام كثر بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا أن قائد الجندرمة المشارك في قتل السوريين الهاربين هو من المسؤولين عن محاولة الانقلاب وأن المشكلة ستحل جذريًا.
ليس هنالك من منطق ولو حتى أمني لإطلاق النار على اللاجئين، فحين تطلق الجندرمة النار على لاجئ هذا يعني أنها رأته قبل أن تستهدفه، وهو يعني أنه كان بإمكانها اعتقاله بدلًا من ذلك.
لم يعد هناك سوريون بيض وسوريون سود، أصبح السوريون جميعهم سودًا، ولكن سوادهم هو سواد العالم، تلاحقهم مخابرات الأرض بجيوشها وطائراتها “الدقيقة” التي تستهدفهم لوحدهم دون غيرهم، زائدون عن اللزوم هؤلاء السوريون، يريد رئيس الوزراء الأردني نقلهم بالطائرات، ويقترح رئيس وزراء المجر إسكانهم في صحراء ليبيا، ويطعمهم جبران باسيل تفاح لبنان الكاسد، ثم يتساءل مفكرو ومثقفو العالم عن سبب تطرف السوريين، السوريون السود الذين هم العالم “الحر” المأزوم بروحه!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :