من يدير ملف داريا في الشمال.. ومن يستغل الأهالي؟
زين كنعان – إدلب
لاقى أهالي مدينة داريا تعاطفًا واسعًا وضجة إعلامية من قبل ناشطي الثورة السورية ووسائل الإعلام المحلية والدولية بعد تهجيرهم من مدينتهم، أواخر آب الماضي، لكن هل ترجم هذا الصخب والتعاطف على أرض الواقع وحقق أهدافه، وسط ادعاءات بوجود من يستغل القضية لحساب مصالحه الشخصية؟
هل مايزال المهجرون بحاجة؟
في بيان نشره المجلس المحلي لداريا، في 29 أيلول، أكّد أن جميع الأهالي أُمّنوا في بيوتٌ لهم، شاكرًا الهيئات والمنظمات التي أسهمت في العملية، لكنّه لم يطلب إيقاف المساعدات الغذائية والإنسانية، خاصةً وأن المهجرين لم يبدأوا بعد بأي أعمال خاصة تمكنهم من تأمين معيشتهم.
“الضجة الإعلامية التي حدثت تجاه محنة أهالي داريا المهجرين لم تترجم إلى الربع على أرض الواقع”، بحسب إفادة الأستاذ ماهر خولاني، أمين سر المجلس المحلي، وأحد أعضاء اللجنة الرباعية التي شكلت في الشمال لمتابعة أمور المواطنين واحتياجاتهم، في لقاء مع عنب بلدي.
وتابع خولاني أن “التعاطف الإعلامي كان كبيرًا جدًا، حتى إن الصورة التي وصلت إلى أغلب المنظمات الإغاثية أن أهالي داريا وصلهم دعم كبير وليسوا بحاجة، وهذا كان ردّ كثير من المنظمات، لكن الدعم كان قليلًا جدًا ولم يغطّ احتياجاتهم بالكامل، ما دفعنا إلى إنشاء ملف مستلمات يحوي كل ما استلمه الأهالي من إغاثات بالتفصيل، ووضعناه تحت تصرف غرفة طوارئ داريا، حتى تكون جميع المنظمات على بينة ولا تغتر بالإشاعات”.
غرفة طوارئ ولجنة رباعية
وكان المجلس المحلي أنشأ “غرفة طوارئ” لاستقبال المواطنين وتأمين البيوت والمساعدات الأولية لهم، قبيل بدء تفريغ داريا في 26 آب.
وأضح خولاني أن قرار الخروج من المدينة كان بشكل مفاجئ، لذلك كانت غرفة الطوارئ إجراءً إسعافيًا، بإشراف المستشار القانوني في الجيش الحر، أسامة أبو زيد، الذي بذل جهودًا كبيرة للتواصل مع المنظمات الإغاثية، وضمها إلى الغرفة، ليصل عددها إلى نحو 100 عضوٍ مندوبين عن المنظمات والداعمين.
وشكل المجلس المحلي بعد وصوله إلى الشمال لجنة رباعية مهمتها متابعة الأهالي واحتياجاتهم والتواصل مع المنظمات وتنسيق الدعم، بحسب خولاني، منوهًا إلى أن دور اللجنة بشكل أساسي التنسيق بين المنظمات بحيث يتم التعامل معها، ليتم توزيع الإغاثات لجميع العائلات بالعدل، وخاصةً أن قسمًا من العائلات تفرق في قرى ريف إدلب.
اللجان “مؤقتة” والمجلس ينهي ملفاته
اللجنة الرباعية مهمتها مؤقتة وسينتهي عملها خلال فترة لا تتجاوز الشهر، بحسب خولاني، في حين يمر المجلس بمرحلة انتقالية، لينتهي عمله بعد إنهاء بعض الملفات كالملف المالي وغيره، وينتقل إلى هيكلة جديدة ليست بالضرورة بنفس الأشخاص.
وتدور هذه العملية وسط ضغطٍ وانتقادات يتعرض لها المجلس، وحملة “تشويه” طالت عددًا من قيادييه على مدار سنوات الحصار الأربع. تطالب هذه الحملات بضرورة الكشف عن الملفات المالية إلى العلن، وطرق اتخاذ القرارات المصيرية والمسؤول عنها.
وأوضح المجلس بعض هذه الطلبات، وعزا التأخير في الإفصاح عن بقية الملفات لضرورات أمنية، أهمّها وجود عائلات ومقاتلين من داريا عالقين في مدينة معضمية الشام، شملهم الاتفاق ولم ينفذ بند إخراجهم بعد، إلى جانب بند المعتقلين الذين لم يخرج منهم أحدٌ حتى اليوم.
هل السكان راضون؟
عنب بلدي أجرت جولة على أهالي داريا في مخيم عطاء الحدودي مع تركيا في أطمة، والتقت مع عدد منهم، وقال فراس المصري، أحد سكان المخيم، إن “الوضع العيشي بالمقارنة مع المخيمات الأخرى جيد، لكن حتى الآن يوجد بعض الغرف يسكنها عائلتان، علمًا أن الغرفة في المخيم لا تتسع لأكثر من ثلاثة أشخاص وهذه العائلات مجبرة على السكن في المخيم مع أقربائها ولا تستطيع العيش خارجه، كزوجة الشهيد التي تعيش مع أهلها وأطفالها في غرفة واحدة”.
ولفت المصري إلى أنه منذ عدة أيام وقّع أهالي المخيم على عقود إيجار وبدل خدمات بقيمة عشرة دولارات في الشهر للغرفة، وحدث إثر ذلك جدل كبير، لكن إدارة المخيم أوضحت للعائلات أن العقود تتضمن أجرًا رمزيًا كبدل خدمات وغيرها، وهي مدفوعة لمدة عام كامل، كما أن هذا العقود هي لتخفيف الضغط عن إدارة المخيم من قبل العائلات التي تعيش فيه منذ سنوات.
وتنسحب قضية إيجار البيوت على بقية المهجرين الذين توزعوا في أرياف إدلب، بعد مرور فترة على استقبالهم مجانًا في بيوت أمّنها سكان الشمال.
وقدّر المصري مصروف العائلة بألف ليرة سورية يوميًا، مع الاعتماد على الوجبات الإغاثية، مؤكدًا أن أغلب المهجرين عاطلون عن العمل حتى اللحظة، وهذا سيشكل أزمة كبيرة بعد نفاد مدخراتهم.
يسعى الشباب في المخيم إلى إيجاد فرص عمل دون جدوى، كون المنطقة فقيرة اقتصاديًا أساسًا وتندر فيها فرص العمل، وأشار المصري إلى حلّ يكمن في دعم ورشات صغيرة متنوعة تتيح لهم تأمين معيشتهم، دون التذلل للوجبات الإغاثية.
هيئات تستغل الأهالي
وأعطت حفاوة أهالي الشمال في استقبال المهجرين انطباعًا إيجابيًا عن تماسك نسيج المجتمع السوري، لكن ذلك لم يقف عائقًا أمام بعض تجّار الأزمات بغطاء إغاثي استثمر القضية تجاريًا دون رادع إنساني، وعمّق من جراح المبعدين.
زياد جمال (أبو عبدو)، المسؤول عن تنظيم أمور الأهالي في جرجناز بريف إدلب، أكد أنه عند وصول الأهالي إلى الشمال وجدوا استقبالًا وترحيبًا كبيرًا، لكن هذه البهجة بدأت تفتر، لصالح من استغل القضية كباب رزق لاستجلاب الدعم، ولم نرَ منه سوى الفتات.
ولم يغفل زياد جمال “تعب من عمل بكل استطاعته على خدمة الأهالي المهجرين، إلا أن الكثير من الاحتياجات التي تعتبر أولويات، رأتها بعض الجهات أمور رفاهية”.
وأكّد على ضرورة إنشاء مشاريع إنتاجية تتيح فرص العمل للمهجرين الذين لا يملكون أي شيء، معتبرًا ذلك أفضل بكثيرٍ من تقديم المعونات الإغاثية.
وفي استطلاع لعنب بلدي بين الأهالي، أكّدوا على ضرورة تأمين مستلزمات الشتاء المقبل وبعض الحاجيات الأساسية لأثاث المنازل، معتبرين أن ما يصلهم لا يقارن بما كانوا يتوقعونه أو تقول الهيئات إنها تؤمنها لهم، ولا يتعدى ما يحصلون عليه سوى بعض المستلزمات البسيطة.
بدأت مغادرة أهالي المدينة في 26 آب الماضي، ليتمّ تفريغ المدينة بالكامل بعد يومٍ واحد عبر باصات خضراء توجهت بهم إلى الشمال، بعد حصار دام أربع سنوات أدار المجلس المحلي فيها شؤون المدينة بمكاتبه المدنية والعسكرية، في تجربةٍ هي الأنجح على مستوى الثورة السورية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :