برهان عثمان – أورفة
تصحو السورية علياء عبيد يوميًا في الساعة السابعة صباحًا داخل غرفتها الصغيرة في مدينة أورفة التركية، وتجهز نفسها للذهاب إلى العمل، مشهد اعتادته عشرات النساء إلا أنه يبدو ملفتًا لسيدة في العقد السادس من عمرها.
“مازال لدي القوة والقدرة على العمل وتجاوز يوم طويل”، تصف عبيد حالتها، وتقول لعنب بلدي إنها مضطرة للعمل أكثر من عشر ساعات في اليوم، داخل أحد المحال القريبة من منزلها الكائن في منطقة “حياتي حران” القريبة من مدينة أورفة جنوب تركيا.
تبدو نظرات المرأة الستينية مليئة بالحيوية والطاقة، بينما لم يخلُ الحديث معها من الحس الفكاهي، فتراها تبتسم أثناء تحضيرها فنجانًا من القهوة، بعد يوم متعبٍ من العمل، وتردد: “نحن جيل السمن العربي وأنتم جيل البسكويت”.
رغم أن تقدم العمر أمر يسبب الضيق لأغلب النساء عادة، إلا أن عبيد أصرت على ذكر عمرها شارحة وضعها العائلي، “فجأة وجدت نفسي وحيدة ومضطرة للاعتماد على نفسي لكسب قوت يومي بعد أن تركني أقاربي وتنقلت بين عدة منازل لأجد نفسي في هذه الغرفة المشتركة التي أخافتني في بداية الأمر، إلا أنني اعتدت عليها حاليًا، أعيش فيها وأوفّر المال من عملي”.
قصة المرأة الستينية ليست الوحيدة في مدينة أورفة، فهناك العشرات ممن اطلعت عنب بلدي على أوضاع بعضهن، وجميهن يعملن بمهنٍ مختلفة أبرزها: تنظيف المنازل والطبخ ومحال الحلاقة النسائية، وأجمعن على أن “العمل ليس عيبًا فهذا ما نعيشه ويجب أن نتجاوزه أو نعتاد عليه”.
عمل النساء يزداد ضمن المجتمع السوري
بعيدًا عن التجارب المتنوعة داخل سوريا، غدا عمل النساء واقعًا فرض على المجتمع السوري في معظم الدول التي وصل إليها السوريون، سواء في أوروبا أو دول أخرى.
وترى الدكتورة كوثر العلي، طبيبة الأسرة، ومديرة قسم الدعم النفسي في منظمة “DCR”، أن المجتمع السوري غير معتاد على وجود نساء مستقلات، “إلا أن الظاهرة أصبحت شائعة ضمن مجتمع يعاني الغربة والنزوح، إضافة إلى الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية “.
وتقول العلي، المسؤولة عن دراسة أحوال النساء في أورفة وما حولها، في حديثها إلى عنب بلدي، إن النساء السوريات “يبلين بشكل جيد رغم أنهن يعانين الكثير من المشكلات التي تعد أبرزها إيجاد مصدر رزق لهن”.
“البحث عن عمل يعتبر أصعب الأمور في أورفة، كما ترى نسرين (رفضت كشف اسمها الكامل)، وهي سورية وصلت إلى تركيا مؤخرًا مع طفلها وزوجها، الذي هجرها كما تقول، مضيفةً “الجميع يأتي إلى تركيا حاملًا أحلامًا وردية في رأسه، عن سهولة العمل ويسره والعيش الرغيد، إلا أنهم يتفاجؤون بواقع معاكس تمامًا”.
تعمل نسرين اليوم في أحد صالونات الحلاقة النسائية، لتعيل نفسها وطفلها في عامه الثالث، وترى في حديثها إلى عنب بلدي أن السوريات لا يمتلكن الكثير من الفرص في أورفة، كما أن الخيارات محدودة أمامهن، ولا تستثنى صاحبات المؤهلات العلمية، وهذا ما دعا معظمهن للبحث عن عمل في أماكن أخرى لم يعتدن عليها.
البداية من الصفر
تؤثر جملة من العوامل في قدرة النساء على العمل كالعمر والخبرات السابقة والقدرة على التحمل، وفق الباحث الاجتماعي السوري طه الطه، الذي يقطن في مدينة أورفة، ويرى في حديثه إلى عنب بلدي أن الجميع وجد نفسه وحيدًا وعليه البداية من الصفر، وخاصة النساء، مشيرًا “بعض السيدات وجدن أنفسهن مضطرات للعمل لكسب رزقهن، وربما تحمل مسؤولية عائلة بكاملها”.
ريم (اسم وهمي)، تعمل مدرّسة في أورفة، وتصف حظها بـ”الجيد”، مقارنة بالكثير من النساء اللواتي يبحثن عن عمل حتى اليوم، “ويتعرضن للكثير من المخاطر”، وتقول “مشكلات عدة تواجه السيدات المستقلات أبرزها محاولة استدراجهن من قبل بعض ضعاف النفوس إلى مناطق نائية بحجة تأمين فرص عمل ثم الاعتداء عليهن “.
وترى ريم أن فئة لا بأس بها من النساء السوريات، “يعشن توحشًا لا يقل أثره النفسي، عن أثر التهم التي توجه لهن والتشكيك في أخلاقهن وتربيتهن”.
أيًا كان اسم من تعيش بمفردها وتحاول إعالة نفسها ومن معها، فهو وفق بعض النساء اللواتي استطلعت عنب بلدي آراءهن، “بعيد في الغالب عن المحيط الاجتماعي، الذي لا يقدر صعوبة الظروف ومقدار الحاجة، وغالبًا ما يقسو على المرأة المستقلة”.
في حين ترى أخريات أن القيود على حياة النساء وحريتهن، “باتت أقل، كما أنها مرتبطة بقانون المجتمع التركي، فأي اعتداء عليهن يمكن أن يعرض المعتدي للمساءلة القانونية”، وتختم ريم حديثها مؤكدةً أن عشرات النساء السوريات “يجاهدن لتأمين لقمة العيش كل يوم، في محاولة للعبور إلى بر النجاة”.