مراد عبد الله – عنب بلدي
ثماني سنوات ومازالت ساحة البرامكة في وسط العاصمة السورية (دمشق)، تنتظر إعلان المسؤولين عن مشروع “أبراج سوريا ” للبدء بتنفيذه، كونه أحد أهم المشاريع الاستثمارية الحيوية في سوريا خصوصًا، وفي الشرق الأوسط عمومًا، كما أطلق عليها.
في وسط حي البرامكة السوري العريق، تقع حفرة تتجاوز مساحتها آلاف الأمتار، يحيط بها سور كبير وتتوزع على أطرافها البسطات الصغيرة، وبائعو الشاي والقهوة، في منظر لا يليق بوسط عاصمة حضارية كدمشق.
نقل “كراج بيروت “ كان البداية
هذه الحفرة القابعة مقابل وكالة الأنباء الرسمية (سانا(، كانت سابقًا مكانًا لتجمع شركات النقل الداخلي (الكرنك) وسيارات النقل على خط دمشق- بيروت، وكان يطلق عليها منطقة “كراج بيروت”، الذي نقل في عام2007 إلى منطقة السومرية (نهاية أوتوستراد المزة) بقرار من محافظة دمشق.
لكن بعد ثلاثة أشهر فقط من نقل الكراج، وفي 29 تشرين الأول 2007، نقلت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) عن مصادر اقتصادية، بأن شركة “سوريا القابضة”، التي أعلن عن تأسيسها في 2006 بين مجموعة من رجال الأعمال السوريين المقيمين والمغتربين برأسمال قدره أربعة مليارات ليرة سورية فقط، حازت على أرض كراج البرامكة لإقامة أسواق تجارية ومكاتب.
الفارق الزمني بين نقل الكراج وحيازة “سوريا القابضة” على الأرض، دفع محللين اقتصاديين للقول بأن نقل الكراج لمنطقة السومرية يعود إلى الرغبة في حيازة أرض الكراج من قبل “سوريا القابضة” وإقامة مشروع الأبراج عليها.
وهذا ما أكده الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، في حديثه إلى عنب بلدي، “أنظار رجال الأعمال في سوريا وعلى رأسهم، رامي مخلوف (قريب عائلة الأسد) تتجه إلى أرض الكراج منذ زمن بعيد كونه يعتبر مكانًا استراتيجيًا لوقوعه وسط البلد ويمتد على مساحة واسعة”.
الأبراج على أنقاض شركة “الكرنك“
“كراج بيروت” كان يقوم على أرض تعود أملاكها إلى شركة “الكرنك” العريقة في سوريا، وهي شركة نقل بين المحافظات وأسست في 1980 وصنفت ضمن قائمة شركات القطاع المشترك ويمتلك القطاع العام أكثر من 99.8 % من رأسمالها.
الباحث الاقتصادي أكد أن من الصعوبات التي واجهت شركة “سوريا القابضة” هي كيفية الاستيلاء على الأرض المملوكة لشركة “الكرنك”، فتم حلها نتيجة انخفاض إيراداتها بعد محاربتها لسنوات، ثم نقلت أملاكها إلى محافظة دمشق، التي بدأت بتصفيتها.
وبحسب الكريم، فلأن المحافظة لا تستطيع بيع الأرض بشكل مباشر، “وقعت عقود (bot) التي تم بموجبها تأجير أرض الكراج لشركة (سوريا القابضة) لتنفيذ المشروع وتشغيله واستغلاله تجاريًا لمدة زمنية، وبهذا تكون الشركة وضعت يدها على الأرض بشكل قانوني”.
إعلان رسمي والكشف عن “أبراج سوريا”
الإعلان الرسمي عن حيازة شركة “سوريا القابضة” على أرض الكراج كان في كانون الأول عام 2008، عندما أعلنت عن توقيع عقد مع محافظة دمشق لإنشاء المشروع بتكلفة متوقعة تصل إلى 15 مليار ليرة سورية وبمدة إنجاز تصل إلى ست سنوات.
وقال رئيس مجلس إدارة الشركة، هيثم جود، في تصريح صحفي إن المشروع سيكون “علامة فارقة في المشهد العمراني لمدينة دمشق ومنطقة الشرق الأوسط نظرًا للموقع الاستراتيجي في وسط المدينة”، مشيرًا إلى أن الشركة “ملتزمة بالتحدي الكبير المتمثل باإجاز المشروع ضمن المدة الزمنية المقررة”.
وكشفت الشركة أن المشروع سيقوم على أرض تبلغ مساحتها 33000 م²، وسيصمم بشكل منسجم مع المنطقة المحيطة ويتألف من برجين كل واحد منهما يتألف من 62 طابقًا، وأبنية مكتبية إدارية مجهزة بشكل متكامل بأحدث التقنيات، وفندق من فئة خمسة نجوم بإدارة عالمية مع فعالياته المتممة، ويحتوي على مركز مؤتمرات مهيأ بأحدث التجهيزات بالإضافة إلى شقق فندقية.
كما يضم مركز تسوق يتضمن مجموعة متنوعة من المحلات التجارية، ومطاعم ومقاهي ومركز تسلية ودور سينما متطورة إضافة إلى مواقف سيارات تحت الأرض.
توقف المشروع ونفي التخلي عنه
شركة سوريا القابضةتأسست شركة سوريا القابضة في تشرين الثاني 2006 بين مجموعة من رجال الأعمال السوريين المقيمين والمغتربين برأسمال أربعة مليارات ليرة سورية ما يعادل “ثمانين مليون دولار أمريكي”. الشركة وضعت نصب أعينها تطوير وتنفيذ أهم المشاريع في سوريا في مختلف القطاعات “العقارية والسياحية والبنى التحتية والمال والمصارف وغيرها”. ويبلغ عدد الأعضاء المؤسسين 24 رجل أعمال لكل منهم تاريخ طويل في مجال الاستثمار والنشاطات الاقتصادية. ويرى محللون اقتصاديون أن سوريا القابضة تأسست ردًا على شركة “شام القابضة” التي تعود ملكيتها لرامي مخلوف، وكان السبب الرئيسي لتشكيلها هو الحصول على تمويل من المصارف التي ساهمت في تأسيس الشركة والتي يتولى أصحابها مجالس الإدارة إضافة للحصول على تمويل من البنوك الإقليمية. كما يوجد هدف سياسي من تشكيل الشركة، بحسب الباحث الاقتصادي يونس الكريم، وهو امتلاك السوق التجاري والعقاري لأن من يملكهما هو من يملك البلد، ويترأس الشركة هيثم جود، لكن المدير الحقيقي هو شادي كرم، وهو رجل بنكي من أصول لبنانية وكان يعمل مع محمد مخلوف. |
في عام 2009 بدأت شركة سوريا القابضة بأعمال الحفر، وفي آواخر عام 2010، وقعت الشركة اتفاقية مع بنك “بيمو السعودي الفرنسي” وشركة “بيمو سيكيوريتايزيشن” و”بيمو السعودي الفرنسي المالية”، بهدف تأمين التمويل المصرفي لمشروع الأبراج، وذلك من خلال قرض مشترك تشاركت فيه بنوك محلية وإقليمية.
وجاء الاتفاق، بحسب رئيس إدارة الشركة هيثم جود، بعد الانتهاء من الدراسات التمويلية للمشروع والثقة بأهميته في تفعيل دور القطاع الخاص في عملية التنمية التي تشهدها سوريا واستقطاب الاستثمارات الداخلية والخارجية.
إلا أن المشروع توقف مع بداية الثورة السورية، وشاعت أنباء وقتها عن تخلي “سوريا القابضة” عنه، لكن المدير المالي للشركة، فراس الأمير، نفى ذلك.
وقال في تصريح صحفي، في تشرين الأول في 2012، إن “الشركة وضمن الإطار التعاقدي بالنسبة لمشاريعها مع الدولة، تمر في حالة )ظروف قاهرة(، وهو ما ينطبق على كامل بيئة الأعمال في سوريا”، مؤكدًا أن “الشركة ملتزمة بجميع مشاريعها، إلا أنها تنتظر تحسن بيئة العمل في سوريا، حتى تباشر من جديد العمل على مشاريعها”.
أسباب مالية لإيقاف المشروع
الأمير أرجع سبب الإيقاف إلى أن “المعطيات الضرورية لإقامة المشاريع الكبرى في ظل ما تعيشه سوريا لم تعد متوفرة، سواءً على مستوى التمويل المصرفي، أو الشركاء الاستراتيجيين”، معتبرًا أن “توقف التمويل المصري (إذ كان من بين الممولين رجال أعمال مصريون) كان من أهم العوائق التي واجهت مشروع الأبراج، وأدت إلى إيقافه”.
لكن كريم رأى أن توقف المشروع، الذي أنجز منه 10% فقط حتى الآن بعد مرور ثماني سنوات، يعود لسببين: السبب المباشر يعود إلى توقف التمويل وأن معظم البنوك الإقليمية وعلى رأسها الإمارات امتنعت عن منح قروض كبيرة عندما شاهدت ما آلت إليه الأوضاع في سوريا.
أما السبب الثاني فإن أغلب “رجال الأعمال السوريين المشاركين في تمويل المشروع لم يعودوا متحمسين لهكذا مشاريع مع رامي مخلوف الذي يملك نسبة كبيرة من شركة سوريا القابضة بسبب سيطرته وتحديده لقيمة الأرباح بحسب مصالحه”.
“أبراج سوريا” مشروع يشهد على الفساد المالي والاقتصادي في سوريا ، ويضاف إلى عدد من المشاريع التي ماتزال في أروقة مكاتب المسؤولين عنها، تنتظر التنفيذ.