منصور العمري
جاء الرسول الكريم بتحريم جريمة وأد الأنثى، فهل يقتصر وأد الأنثى على دفنها حية عند ولادتها لأنها أنثى، أم أن حرمانها من حقوقها وتغييبها بمنعها من القيام بدورها الأساسي في المجتمع، هو شكل آخر لوأدها؟
تكثر المقولات والأمثلة في لغتنا العربية عن فضل المرأة وأهمية دورها في المجتمع، ولكن جميعها تفقد معناها على أرض الواقع.
شاركت المرأة السورية في الحراك السلمي منذ آذار 2011، وخرجت إلى جانب الرجل في شوارع ومدن سوريا للمطالبة ببلد حر وحياة كريمة. ولم يكن لهذا الحراك الشعبي أن يستمر لولا دور المرأة فيه، والذي تراوح من تحضير الطعام للمقاتلين وتمريضهم ورعاية الجرحى، وإعالة الأسر، حتى إن بعض النسوة حملن السلاح والتحقن بالجبهات. ورغم تطور دور المرأة في المجتمع المدني إثر الثورة السورية، إلا أنها وكعادتها تنسى نفسها، وتقدم كل ما لديها لتثبت ذاتها، دون أن تولي أحدًا أكثر الجوانب في نضالها أهمية وهو المطالبة بحقوقها وجعلها أمرًا واقعًا.
رغم تنوع وكثرة الشعارات التي رفعتها الثورة السورية، إلا أنها خلت من المطالبة بحقوق المرأة أو كادت. كما أنه لا يوجد أي إحصائيات رسمية متعلقة بالمرأة، كمشاركتها في القوى العاملة أو دوائر اتخاذ القرار أو الالتحاق بالتعليم وغيره.
تعرضت المرأة لما تعرض له الرجل في سوريا، من جميع أنواع الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ضد الخارجين عن سطوته، بما فيها الاعتقال والتعذيب والاعتداءات الجنسية والقتل، بل أيضًا أصبحت هدفا لأجهزة مخابرات الأسد في أخذها رهينة لإجبار قريبها الرجل على تسليم نفسه.
تفاوتت مدى الحريات الممنوحة للمرأة في سوريا قبل الثورة لعدة اعتبارات من بينها الانتماء الديني أو القومي، من بينها الحق في تعلم الدين، وحرية اختيار الزوج بغض النظر عن انتمائه الديني وغير ذلك. لم تختلف كثيرًا هذه الاعتبارات بعد قيام الثورة السورية، إلا أنها أصبحت أكثر غيابًا في ظل الوضع الكارثي في سوريا، بحيث تحولت الأولويات إلى البقاء على قيد الحياة، والحصول على الطعام والدواء.
يضم الدستور السوري الذي أصدره نظام الأسد لعام 2012 مادتين متعلقتين بالمرأة:
المادة 23: “توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع”.
المادة 33: البند 3: “المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.
إلا أن التناقضات في الدستور السوري بما يخص المرأة وتحفظات حكومة الأسد على “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو)، يجعل المادتين في الدستور السوري عبارة عن كلام فارغ، وغير قابل للتطبيق بحكم الدستور السوري ذاته، فكيف لا يحق لرئيس الجمهورية السورية مثلًا اختيار المهنة ونوع العمل، أو مكان سكنه أو إقامته إلا بموافقة الزوج إن كانت امرأة. وهو ما ينفي حق المرأة في الترشح لرئاسة سوريا، خاصة وأن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية مطروحة بصيغة الذكر، ومن بينها “ألا يكون متزوجًا من غير سورية”. قد تكون هذه الصياغة مبررًا لحرمان المرأة من الترشح لرئاسة الجمهورية فيما بعد.
حقوق المرأة في الاتفاقيات الدولية وتحفظات نظام الأسد
تعد “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو)، إحدى أهم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة، والتي تعرف التمييز ضد المرأة أنه: “أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من إثارة أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية، في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل”.
صادقت الحكومة السورية على اتفاقية سيداو “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، إلا أنها قدمت مجموعة من التحفظات عليها:
تحفظات حكومة نظام الأسد على الاتفاقية:
المادة 9 البند 2: “تمنح الدول الأطراف المرأة حقًا مساويًا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما”، حيث رفضت منح المرأة حقًا متساويًا كالرجل في منح الجنسية لأطفالها.
المادة 15 البند 4: “تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالتشريع المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم”. رفضت منح المرأة حق اختيار مكان سكنها وإقامتها.
المادة 16 الفقرات: “نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه”، “نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفى جميع الأحوال، يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول”، “نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفى جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول، “نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل”، “لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرًا إلزاميًا”.
والمادة 29 التي تلزم الدولة الطرف في الاتفاقية بتنفيذ تعهداتها: “يعرض للتحكيم أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية لا يسوى عن طريق المفاوضات، وذلك بناء على طلب واحدة من هذه الدول. فإذا لم تتمكن الأطراف، خلال ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم، من الوصول إلى اتفاق على تنظيم أمر التحكيم، جاز لأي من أولئك الأطراف إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية بطلب يقدم وفقًا للنظام الأساسي للمحكمة”.
تفرغ هذه التحفظات الاتفاقية من هدفها الأساسي في المساواة الكاملة مع الرجل، وتخول الحكومة السورية بعدم الالتزام بتطبيق البنود التي تحفظت عليها.