تعيش المرأة في الجزيرة السورية وضعًا متفردًا في ظل تعدد المكونات التي تعيش في المنطقة، فنشطت عشرات المنظمات والمؤسسات النسائية بشكل واضح، واشتركت النساء في مناصب سياسية حسّاسة، ما جعلها تتحمل المسؤولية بشكل مؤثرٍ وفاعل مقارنةً ببقية المحافظات.
وانخرطت المرأة الكردية مؤخرًا في الحياة السياسية، وأنشأت إلى جانب الرجل العديد من الجمعيات والمؤسسات، كما شكّلت هيئات متخصصة بشؤون المرأة، قدّرتها جمعية “مواطنون من أجل سوريا”، بحوالي 28 منظمة وهيئة نسائية.
ومع فرط النشاط النسائي في الحسكة، برزت نواحٍ من الاستغلال للمرأة، تمثّلت بتجنيد العشرات منهن إجباريًا، ضمن صفوف الأذرع العسكرية المقاتلة لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، أبرزها “وحدات حماية المرأة”، وقوات “أسايش”. ويرى بعض المواطنين أن “الإدارة الذاتية” استغلت المرأة الكردية كواجهة لتمرير بعض الممارسات والقرارات غير القانونية.
ومنذ عام 2012 بدأت تظهر إلى العلن هيئات نسائية عملت على تمكين المرأة في مجالات مختلفة، ما دعا المجلس التنفيذي في “الإدارة الذاتية”، لإصدار المرسوم رقم “7” خلال جلسته العاشرة، التي عقدها في شهر أيار من عام 2014، ألزم بترخيص الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني قبل بدء عملها في “مقاطعة الجزيرة”.
المرأة بعين “الإدارة الذاتية”
يرى العاملون في الإدارة الذاتية، التي أعلن عنها مطلع عام 2014، أن دور المرأة الكردية اختلف قبل وبعد انطلاق عمل مكاتبها على الأرض، ما أوصلها لتمثيل المجتمع الكردي في مجالات عدة.
وأعلن عن “الإدارة الذاتية” رسميًا، شمال شرق سوريا، في آذار 2016، معتمدةً ما قالت إنه نظام حكمٍ فيدرالي، ويشكل عمادها حزب الاتحاد الديمقراطي.
وتقول وليدة حسن، رئيسة مكتب حقوق الإنسان في الإدارة، إن المرأة لم يكن لها دور في المجتمع، بل كانت مهمشة ولا تملك القرار سواء في المنزل أو العمل، وتعتبر، في حديثها إلى عنب بلدي، أنها كانت تعاني من ضغوطات في العمل، “إلا أن الإدارة مكنتها من أن تلعب أدوارًا أساسية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية”.
وترى الإدارة أن الأمر مختلف عما عايشته المرأة الكردية في ظل حكم حزب البعث، الذي اعتمد على سياسة إقصاء وتهميش المكونات المجتمعية في سوريا، وطال التأثير المرأة بالدرجة الأولى، “في ظل العادات والتقاليد والذهنية الذكورية المتسلطة، التي وقفت عائقًا أمام تطور المرأة، فبقيت حركة المجتمع بطئية بهذا الخصوص”، وفق تعبير حسن.
وقدّرت رئيسة مكتب حقوق الإنسان نسبة تمثيل المرأة في مديريات ومؤسسات “الإدارة الذاتية” بـ 40%، مشيدة بدور المرأة في “ثورة روج آفا”، وفق تعبيرها.
المرأة تشترك في العملية العسكرية والأمنية
وأفاد مصدرٌ مطلعٌ (رفض كشف اسمه) عنب بلدي أن أكثر من خمسة آلاف امرأة وفتاة تقاتل ضمن “وحدات حماية المرأة”، إلى جانب “وحدات حماية الشعب”، وهي الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي. وغدت مقاتلات رموزًا لغيرهن بعد مقتلهن، على غرار إيمان عنتر وفيان ميركان.
نسرين عبد الله، المتحدثة باسم “وحدات حماية المرأة”، ترى أن مشاركة المرأة في العملية العسكرية والأمنية، “دليل على انفتاح فكري اجتماعي وتعبير عن مسؤوليتها في حماية المجتمع والمرأة معًا، مؤكدة أن “تجربتنا في روج آفا (شمال شرق سوريا)، أثبتت بأن أي ثورة تتضمن مشاركة المرأة بهذا المستوى سيكون ضمانًا لانتصار تلك الثورة”.
مشاركة المرأة الكردية بدت واضحة من خلال وجودها ضمن رئاسة المجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي، متمثلة بهدية يوسف، التي تشارك منصور سلوم في رئاسة المجلس، وهنا ترى حسن أن الإدارة منحت المرأة دورًا سياسيًا “لم يسبقها إليها أحد”.
لم تكن تجربة التمثيل النسائي مقتصرة على “الإدارة الذاتية”، فقد مثّلت المرأة أحزابًا كردية أخرى معارضة لسياسات الإدارة، أبرزها “المجلس الوطني”، وهو أحد أبرز الأجسام السياسية الكردية في سوريا، ويعترض على سياسة حزب “الاتحاد الديمقراطي”.
وترى لافا محمد، من “الوطني الكردي”، أن المرأة أثرت بدرجة كبيرة في المجتمع الكردي خلال الثورة، منذ بداية انخراطها بالمظاهرات، مرورًا بتعرضها للاعتقال، معتبرةً أن غياب حل للوضع في سوريا “أدخل المرأة في مجال العمل والسياسة والإعلام إلى جانب الرجل، وتفانت لنيل حريتها وحرية وطنها”.
استغلال وتجنيد إجباري
القاضي إبراهيم الحسين، عضو رابطة المستقلين الكرد السوريين، يحلّل الأسباب التي دفعت بالمرأة في الجزيرة السورية إلى الواجهة، ويقول لعنب بلدي “المعروف أن حزب العمال الكردستاني يصنف ضمن التيارات اليسارية في العالم، ولذلك لم يكن غريبًا أن ينحو فصيله السوري، المتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي، ذات المنحى الذي اتبعه الحزب الأم، لذلك عمد خلال تكريس سلطته المسماة الإدارة الذاتية إلى الظهور بمظهر علماني صريح متخذًا سلسلة من المظاهر التي تدعم ذلك، ومنها إشراكه المرأة في القيادة حيث تكون قيادة كل منظمة من منظماته العديدة المتفرعة عنه قيادة مشتركة بين ذكر وأنثى”.
وأكد الحسين أن “الإدارة الذاتية أرادت من خلال ذلك مخاطبة العقل الغربي لكسب الدعم الدولي، وتقديم حزب الاتحاد الديمقراطي نفسه على أنه نموذج مختلف عن كل الفصائل والتيارات المعارضة السورية الأخرى”. لكنّ القاضي يستدرك “لعل تفعيل دور المرأة نقطة كانت ستحسب له لولا تململ الأوساط الشعبية الكردية من خطوة إشراك النساء في القتال وخاصة الفتيات الصغيرات، إذ جند الحزب الكثير من النساء في فصائله العسكرية المتعددة واستخدم صور مقاتلاته بشكل ذكي ضمن سياسة إعلامية، كما قلنا تهدف لكسب الدعاية لدى الغرب”.
“القلق في المجتمع الكردي اتسع عندما تعددت حالات اختطاف القاصرات وإرغامهن على ارتداء اللباس العسكري، بدلًا من توفير فرص التعليم لهن”، بحسب الحسين، الأمر الذي اندرج ضمن أسباب الهجرة التي دفعت العائلات الكردية للهروب بشكل ملحوظ من مدنهم نحو تركيا وكردستان العراق، خوفًا من التغرير بالفتيات القاصرات أو خطفهن وإرغامهن على العسكرة.
ويعتقد الحسين أن “هذا الحزب (الاتحاد الديمقراطي) غير صادق في احترامه الذي يدعيه للمرأة، مستدلًا باعتداء عناصره على إعلامية أنثى تحمل جنيناً في بطنها، ومنعها من دخول بلادها، مؤكدًا أنه سبق ذلك عدة اعتداءات على نساء مناهضات لسياسات الحزب.
وأثناء إعداد هذا التحقيق، منعت حواجز قوات “أسايش”، الذراع الأمنية للاتحاد الديمقراطي، الإعلامية في شبكة “روداو” رنكين شرو، من دخول سوريا لزيارة أقاربها، واعتدى العناصر عليها رغم علمهم بأنها حامل، وفق بيان رسمي لـ “روداو”، مساء 22 أيلول.
الكاتبة الكردية، نسرين تيللو، التي تقطن في ألمانيا حاليًا، توافق الحسين برأيه، فتجربة المرأة الكردية “مريرة” وفق رؤيتها، وتضيف أن المرأة “استغلت بشكل كبير في ظل الظروف الراهنة، إذ ارتدى الاستغلال ثياب الثورة”.
وتعتبر أن النساء يعجزن عن إظهار مواقفهن بشجاعة وجرأة وحرية، “فالقوة هي التي تسيطر على المشهد في ظل الخليط المتناقض المسيطر على الأرض، ما يجعل الجميع في حالة كأنهم يسيرون على أرض مزروعة بالألغام”.
بعيدًا عن السياسة والقتال في الحسكة
تعمل عشرات النساء الكرديات ضمن منظمات إنسانية، تختص بعضها بدعم المرأة بشكل كامل، وتقود أخريات أعمالًا مهنية مختلفة، وهنّ نسبة لا بأس بها وتتركز في مدن وبلدات ريف الحسكة.
نارين متيني، من مواليد منطقة الهلالية في مدينة القامشلي، ترأس مكتب العلاقات في “تيار المستقبل” الكردي، وتدير منظمة “شبكة المرأة الديمقراطية”، ومركز “المرأة” الذي تأسس في القامشلي في تشرين الثاني من عام 2012.
“نناضل من أجل توعية المرأة وتمكينها وتحررها في كافة المجالات السياسية والثقافية والاجتماع، كي تستطيع أن تتبوأ مركز القرار وتشارك في شتى مجالات الحياة”، تقول متيني لعنب بلدي، إن المركز الذي تديره ينظم دورات في مجالات مختلفة، “كوافير نسائي”، تمريض، كمبيوتر، ويعمل على تأهيل المرأة في المجال القانوني والمدني والعدالة الانتقالية.
في مجال الحياة العملية، تعمل شذا الناصر كمحاسبة في شركة “النور” لمستلزمات الكمبيوتر في مدينة القامشلي، وهي واحدة من بين المئات اللواتي دخلن سوق العمل، وتقول لعنب بلدي إنها لمست “نسبة مقبولة” من النساء العاملات بأمثال هذه المهن، “معظمهن يحملن شهادات جامعية أو تخرجن من المعاهد، إلا أنهن يحصلن على رواتب متدنية لا تتجاوز أحيانًا 20 ألف ليرة سورية”.
زاهدة حسين (28 عامًا)، تعيش في ريف الحسكة وتعمل يوميًا في تعبئة التبن ضمن ورشة مؤلفة من 14 فتاة أخرى، وترى في حديثها إلى عنب بلدي أن عملها جاء نتيجة الظروف التي تمر بها المنطقة، وتردف “أعيش في منطقة نائية مع حوالي 128 فتاة أخرى يعملن في مهن مختلفة أغلبها تتطلب جهدًا شاقًا”.
تابع قراءة ملف: بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية
– بين “الاتحاد النسائي” والسيدة الأولى.. تدجين فكري في بوتقة “البعث”
– حكومتان للمعارضة تفشلان في تعزيز دور المرأة.. الثالثة تبحث عن “شخصية مناسبة”
– ما مدى تمثيل المرأة السورية في المنظمات والهيئات الحكومية؟
– كيف أثرت سلطة الفصائل العسكرية على نشاط المرأة في الشمال السوري؟
– أول مؤتمر نسائي في إدلب.. ومشاركة في إدارة المدينة
– ورشات للارتقاء بواقع المرأة وتأهيلها
– نشاط نسائي واسع في حلب وتمثيل في مجلسها
– درعا.. المرأة إلى جانب الرجل في شتى المجالات
– وضحة الحريري.. المرأة التي شاركت في تحرير اللواء 52 في درعا
– “سوريات عبر الحدود”.. تجربة نسوية ناجحة دون اهتمام حكومي
– الغوطة الشرقية تغصّ بالمراكز النسائية وتفتقر للكوادر المؤهلة
– بيان ريحان.. من تنظيم الخرائط إلى قيادة نساء الغوطة
– المراكز النسائية تغيب عن حمص.. المرأة تنشط طبيًا وإنسانيًا
– مها أيوب.. رباها والدها على الثورة “حتى آخر نفس”
– المرأة في الجزيرة.. نشاط ملحوظ يقابله استغلال
– “طلعتي حيط يا بنتي وبينسند فيكي”.. الإمكانيات الاستثنائية في المرأة العاديّة
– “الصحفيات السوريات”: عوائق كثيرة في وجه المرأة السورية
– رأي: حقوق المرأة في دستور الأسد دعاية سياسية
لقراءة الملف كاملًا: بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :