الغوطة الشرقية تغصّ بالمراكز النسائية وتفتقر للكوادر المؤهلة

  • 2016/09/25
  • 3:02 ص
معرض "الشتاء الدافئ" من تنظيم "النساء الآن" في حزة بريف دمشق - نيسان 2016 (عنب بلدي)

معرض "الشتاء الدافئ" من تنظيم "النساء الآن" في حزة بريف دمشق - نيسان 2016 (عنب بلدي)

غزت المنظمات والمراكز النسائية مدن وبلدات الغوطة الشرقية، مخترقة مجتمعًا يصنف بأنه محافظٌ بكافة المقاييس، ويعترض على عمل المرأة ودخولها معترك الحياة العملية، لكن بعض النساء وصلن إلى إدارة مراكز ومؤسسات عدة، بينما مثّلت أخريات مكاتب نسائية في منظمات كبرى عاملة في الغوطة.

وفي ظل السعي لإشراك المرأة بشكل أكبر في العمل المؤسساتي والإداري، شهدت مدينة دوما على وجه الخصوص تجربة فريدة، بتشكيل مكتب للمرأة تابع للمجلس المحلي فيها، والذي وضع على عاتقه العمل لتطوير دورها، ويحاول حتى اليوم تعميم التجربة لتصل إلى مجلس محافظة ريف دمشق، وتشارك فيها المجالس المحلية لجميع المدن والبلدات.

مكتب المرأة في مجلس دوما المحلي

بدأت كوادر مكتب المرأة في دوما عملها مطلع عام 2015، وكانت باكورة تلك الأعمال مؤتمرًا ضم جميع الفعاليات التي تديرها أو تعمل فيها نساء، بالتعاون مع مركز “شام” الحقوقي، وجاءت الخطوة لتعزيز دور المرأة في العمل المؤسساتي ضمن المجالس المحلية، وفق بيان ريحان، رئيسة مكتب المرأة في المجلس المحلي لدوما.

ورعى المجلس دورات إدارة وتنمية بشرية بداية تأسيسه، شملت 24 سيدة، توظفت منهن ثلاث في المجلس المحلي لمدينة دوما، إضافة إلى نشاطات وحملات مناصرة للتعليم مستمرة بالتشارك مع جهات مختلفة، وأبرزها حملة “صحتك بإيدك”، التي استمرت على مدار شهر كامل (نيسان 2016)، واستهدفت المدارس والمراكز النسائية والمساجد، وشاركت فيها منظمات عدة، كمديرية الدفاع المدني والهلال الأحمر ومنظمة “النساء الآن”، و”اليوم التالي”.

مطلع عام 2016 وقّع المجلس المحلي لمدينة دوما، مذكرة تفاهم مع منظمة “تمكين”، وغدا لمكتب المرأة مقعد منفصل ضمن لجنة المجلس، التي أشرفت على إعداد المشاريع وتحضيرها ومشاركتها مع “تمكين” وبدأت ببعضها، بحسب ما شرحت ريحان في حديثها إلى عنب بلدي.

وأشارت ريحان إلى بعض التجارب في الغوطة الشرقية لمكاتب المرأة في المجالس، لكنها غير فاعلة.

تحضيرات لإطلاق لجنة المرأة ضمن مجلس المحافظة

تعميم تجربة مكتب المرأة على المجالس طرح إلى العلن، في خطوة ترى ريحان أنها ضرورية لتعزيز عمل المرأة في الغوطة، لذلك تواصل مكتب مجلس دوما مع بعض المجالس الأخرى، وشُكّلت لجنة للمرأة ضمن مجلس محافظة ريف دمشق، وهي عبارة عن لجنة مؤقتة مهمتها وضع رؤية كاملة، لتأسيس مكتب خاص أو نقابة أو هيئة للمرأة ضمن المجلس بشكل دائم، وفق ريحان.

وتجتمع بعض الناشطات “الفاعلات” ضمن الغوطة الشرقية في كافة الاختصاصات، مع أخريات في الغوطة الغربية وعرسال والقلمون ومنطقة وادي بردى، وتقول ريحان إن الفكرة لم تتبلور بشكل كلي، بعد تنظيم ثلاثة اجتماعات لوضع نظام داخلي، على أن تُرشّح بعضهن ويُنتخبن بشكل ديمقراطي ضمن اللجنة في مجلس المحافظة.

عشرات المنظمات العاملة في الغوطة سعت كوادرها إلى تمكين المرأة وتفعيل دورها المجتمعي، وللوقوف على عملها التقت عنب بلدي بعضها ممن تديرهن نساء، وشرحت القائمات على المنظمات ما يقمن به في هذا الخصوص.

نشاط لتمكين المرأة في الغوطة الشرقية – كانون الأول 2015 (عنب بلدي)

مركز “نساء الغوطة” للتدريب والتأهيل

بدأ مركز “نساء الغوطة” عمله في حزيران 2014، ويعنى بتقديم الرعاية للمرأة والطفل، ضمن الظروف الاستثنائية التي يعيشها أهالي الغوطة، وفق مديرته هدى خيتي، التي أقرت بأنه لا يوجد إحصاء دقيق لعدد النساء اللواتي يحتجن إلى دعم في الغوطة.

“نحاول دعم من يأتي إلى المركز أو من نزوره من مراكز في المناطق النائية”، تقول خيتي لعنب بلدي. وتعمل كوادر المركز ضمن تسعة أقسام: المكتبة، الدعم الاقتصادي، الكمبيوتر، الاستشارة الاجتماعية والنفسية، التنمية البشرية، الاستشارة القانونية، اللغة العربية، اللغة الإنكليزية، اللغة الفرنسية.

ويعمل ضمن قسم الاستشارات القانونية محامية، تقدم الدعم القانوني للسيدات اللواتي يعانين من مشاكل قانونية، بينما يرعى قسم التنمية البشرية دورات تهم المرأة كالإسعاف والتمريض والمعالجة الفيزيائية، بينما تدير مهندسة قسم إدارة المشاريع الذي يدعم مهارات التواصل والتفكير الإبداعي والريادة لدى المرأة.

قدّم المركز خلال سنتين من عمله 18 دراسة كاملة لمشاريع تتعلق بالمرأة وقادتها نساء، وتحدثت مديرته عن أن كادره كان مديرًا وجهة مراقبة لكل مشروع في بداية عمله، كما نظّم محاضرات لتأهيل المرأة وحملات توعية حول سرطان الثدي ومشاكل تنظيم الأسرة، إلا أن خيتي أكدت أن التغيير طال حالات فردية ولم يكن جذريًا.

لم يعمل المركز بشكل مستقل بل تعاون مع عدة فعاليات نسائية، وفق ما رصدت عنب بلدي، أبرزها مكتب المرأة في المجلس المحلي، ومؤسسة “الأمل المشرق” التي أوجدت فرص عمل لبعض الحالات الفردية من النساء، ومكتبة “بيت الحكمة” وغيرها.

وترى خيتي أن صعوبات العمل في الغوطة، تكمن بالدرجة الأولى في الوضع الأمني، “بطبيعة الحال السيدات تخاف أكثر من الرجال، وغالبًا ما تبدأ الدورات بأعداد كبيرة، إلا أن الأعداد تنخفض وتتسرب الكثيرات بسبب القصف”، إضافة إلى أنه “ليس كل الرجال يسمحون لزوجاتهم بحضور الدورات”.

تعتبر مديرة المركز أن “الأداء السيئ” للائتلاف الوطني السوري المعارض، الذي رُخّص المركز من قبله، ربما يؤثر على العمل “من خلال مشاكل التبعية”، إلا أنها تؤكد أن “العمل أهم من الاسم”.

ولا يحظى الائتلاف السوري بشعبية كبيرة في الغوطة الشرقية، إذ يعتبر المواطنون أنه فشل في التخفيف من محنتهم.

ولفتت خيتي إلى مشكلات أبرزها الزواج المبكر، الذي ترعى منظمات مختلفة حملات توعية بخصوصه في الغوطة، داعية إلى تعريف المرأة أولًا بالحقوق المدنية قبل تأهيلها لتكون في الصف الأول، وترى أن الغوطة رغم أنها تعيش ظروفًا متغيرة إلا أن مراكزها النسائية تعمل ضمن ثوابت.

وطالبت خيتي بأن توجه المراكز النسائية أنظارها إلى المناطق النائية في الغوطة، كحارتي “الديرية”، و”الحجارية” وغيرها، والعمل تدريجيًا وفق المستوى الفكري لكل منطقة، معترضة على “تمركز المنظمات التي تعنى بالمرأة ضمن مناطق محددة دون أخرى”.

فريق “الأمل” الإنساني

تدير فريق “الأمل” الإنساني، رزان خبية، وهي مهندسة موظفة في المجلس المحلي لمدينة دوما، وتقول إنه أنشئ حديثًا لمعالجة ومتابعة الأطفال أصحاب البتور في الغوطة الشرقية.

وترى خبية، في حديثها إلى عنب بلدي، أن مشاريع النساء اللواتي يعملن في الغوطة، “تعزز وجود أفكار إبداعية للمرأة في الغوطة”.

يدير الفريق مجموعة من النساء “المبدعات”، كما وصفتهم خبية، يتابعن الأطفال المعوقين، لتأمين أطراف صناعية ودعمهم نفسيًا وعلاج مشاكلهم، وتعتبر مديرة الفريق أن دور المرأة في الغوطة برز في المجالين التعليمي والطبي، “وكان لها بصمة في هذين المجالين بشكل كبير، إلا أن دورها في المجالات الأخرى كان محدودًا”.

منظمات أخرى تساهم في تمكين نساء الغوطة

عشرات المنظمات التي تهتم بتمكين المرأة في الغوطة، وتعمل فيها نساء، رصدتها عنب بلدي، وشملت اهتماماتها مجالات مختلفة، منها منظمة “اليوم التالي” التي انطلقت عام 2012، لتسلط الضوء على قضايا سيادة القانون والعدالة الانتقالية، كما يقود كادرها مشروع “مسؤولية التواصل”، للتعريف بأهم القضايا التي غيبها “نظام البعث” خلال فترة الحكم، وفق القائمين عليها.

أحد أبرز النشاطات احتضنته قاعة مجلس محافظة ريف دمشق، في بلدة حمورية، آب 2016، وعرض للمرة الأولى في الغوطة على مدار ساعتين، فيلم “سوفر جيت”، الذي يحكي قصة امرأة بريطانية، ناضلت للوصول إلى حقوقها المدنية والسياسية عام 1912، تلته نقاشات بين الحاضرات، وتجاوز عددهن 25 امرأة، من خلال إسقاط أحداث الفيلم على واقع المرأة في الغوطة الشرقية.

ويرى ثائر حجازي، مسؤول التواصل في المنظمة، في حديثه إلى عنب بلدي أن التركيز على نشاط المرأة يزداد تدريجيًا في الغوطة الشرقية، من خلال التوجه إلى التحرك “بعيدًا عن العمل التقليدي الذي ينمطه المجتمع لتبرز المرأة دورها ويكون أكثر إيجابية”.

مديرة مكتبة “بيت الحكمة”، خولة كريم، تعتبر أن المرأة في الغوطة تنقصها ثقافة كالرجل، وهذا يضع عبئًا عليها لزيادة توعيتها وتحويلها من عاملة إلى فاعلة، إلا أنها تؤكد أن دور المرأة ازداد نشاطًا “مع المزيد من الحرية وتفرغ معظم الرجال للقتال على الجبهات”.

نساء يشغلن مهام متعددة في الغوطة

من خلال ما رصدته عنب بلدي داخل أروقة المراكز والهيئات النسائية في الغوطة، تكرر دور بعض النساء في أكثر من عمل على مستوى دعم المرأة، بعدما ندرت الكوادر المؤهلة.

فبيان ريحان تعمل كمديرة لمكتب المرأة في المجلس المحلي لدوما، ومسؤولة تواصل في منظمة “اليوم التالي”، ومدربة في مجال التنمية البشرية مع منظمة “النساء الآن”، وتدير القسم النسائي في مركز “شام” الحقوقي.

وتؤكد ريحان أن الغوطة تضم نساءً عاملات، ولكنها تعاني من نقص “الفاعلات”، عازية السبب لمعوقات حدت من نشاط المرأة، أبرزها “تأمين لقمة العيش بدلًا عن زوجها المعتقل أو الشهيد”، وتضيف “مازلنا نتعرض للمضايقات من قبل جاهلين لا يقدرون حتى اليوم أهمية ما نقوم به، لكن هناك تعاونًا بالجهود مع بعض قادة الفصائل، وكان لي تجربة مع جيش الإسلام”.

بدورها تعمل هدى خيتي، إضافة إلى إدارة مركز “نساء الغوطة”، كرئيسة لقسم الدعم النفسي في مشفى “حمدان”، وتدير نشاطات أخرى، وترى أن العمل القيادي في الغوطة محصور بالفئات ذات التحصيل العلمي العالي، “تتكرر النماذج التي تقود أكثر من عمل وتراهم يظهرون في مؤسسات ومراكز عدة”.

فتحت المراكز والمنظمات النسائية في الغوطة المجال أمام المرأة لتشعر بوجودها، وفق الناشطة بيان الخليل، وتعتقد أن دور المرأة تطور “فأكثر من امرأة كانت تضرب وتعنف وتكتم ما تمر به، ولكنها الآن تتحدث وتطالب بحقوقها وتعرض مشاكلها على أصحاب الخبرة”.

تابع قراءة ملف: بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية

– بين “الاتحاد النسائي” والسيدة الأولى.. تدجين فكري في بوتقة “البعث”

– حكومتان للمعارضة تفشلان في تعزيز دور المرأة.. الثالثة تبحث عن “شخصية مناسبة”

– ما مدى تمثيل المرأة السورية في المنظمات والهيئات الحكومية؟

– كيف أثرت سلطة الفصائل العسكرية على نشاط المرأة في الشمال السوري؟

– أول مؤتمر نسائي في إدلب.. ومشاركة في إدارة المدينة

– ورشات للارتقاء بواقع المرأة وتأهيلها

– نشاط نسائي واسع في حلب وتمثيل في مجلسها

– درعا.. المرأة إلى جانب الرجل في شتى المجالات

– وضحة الحريري.. المرأة التي شاركت في تحرير اللواء 52 في درعا

– “سوريات عبر الحدود”.. تجربة نسوية ناجحة دون اهتمام حكومي

– الغوطة الشرقية تغصّ بالمراكز النسائية وتفتقر للكوادر المؤهلة

– بيان ريحان.. من تنظيم الخرائط إلى قيادة نساء الغوطة

– المراكز النسائية تغيب عن حمص.. المرأة تنشط طبيًا وإنسانيًا

– مها أيوب.. رباها والدها على الثورة “حتى آخر نفس”

– المرأة في الجزيرة.. نشاط ملحوظ يقابله استغلال

– “طلعتي حيط يا بنتي وبينسند فيكي”.. الإمكانيات الاستثنائية في المرأة العاديّة

– “الصحفيات السوريات”: عوائق كثيرة في وجه المرأة السورية

– رأي: حقوق المرأة في دستور الأسد دعاية سياسية

لقراءة الملف كاملًا: بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات