أربعة أعوام انقضت، ومنظمة “سوريات عبر الحدود” مستمرة في تقديم الخدمات للمنكوبين داخل وخارج سوريا، من خلال دعم غير مشروط وغير مسيس، لتكون واحدة من أولى المؤسسات الخيرية التي أفرزتها الثورة.
تنوع نشاط “سوريات” في الأردن وتركيا والشمال السوري المحرر، ليشمل الفعاليات الاجتماعية والتعليمية للنساء والرجال والأطفال على حد سواء، وهو ما أطلعتنا عليه السيدة راوية الأسود، مؤسسة المنظمة.
بدأت راوية الأسود مع عدد من صديقاتها أولى نشاطات المنظمة في تشرين الأول من عام 2012، فأنشأن مراكز للتعليم والاستطباب، وورشات خياطة للنساء، ومساهمات في مجال دعم الطلبة الجامعيين السوريين في بلدان اللجوء. مؤخرًا أسست راوية مشروعًا جديدًا حمل اسم “سوريات للتعليم”.
إعادة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة
أبصر مشروع “سوريات للتعليم” النور العام الفائت، وتركز نشاطه في منطقة أوبين بريف اللاذقية الشمالي، بعدما نزح إليها الآلاف من أهالي المناطق المنكوبة جراء المعارك في ريف اللاذقية، فساهم في إنشاء مدارس جديدة، من “هنغارات” كبيرة كانت قد تبرعت بها الأمم المتحدة، وإعدادها وإصلاح حافلات تبرعت بها جهات خيرية لنقل الطلبة من عدة مخيمات في الشمال، وتابعت السيدة راوية “استطعنا إعادة عدد كبير من التلاميذ إلى الدراسة، من شرائح الأطفال وحتى الثانوية”.
نجح المشروع، الذي يشرف عليه فريق مختص، في توفير رواتب للمدرسين، بحسب ما هو متعارف عليه في المناطق المحررة، وخلال هذا العام أسس الفريق لجنة لاختيار الكادر التدريسي بحسب الكفاءة، وأسهم أيضًا في إصلاح بعض المدارس الموجودة في المنطقة وتأهيلها وتشغيلها من جديد، بحسب الأسود.
وأوضحت السيدة راوية، أن المشروع يسعى حاليًا لتأمين الدعم والرعاية النفسية للطالب والطفل، وإدخال هذه المادة عن طريق اختصاصيين يتواصلون مع الطلبة ويدعمونهم نفسيًا، باعتبار أن الأطفال يمرون بحالة غير طبيعية، نظرًا للمآسي التي عايشوها من فقد العائلة والتشرد وعدم الاستقرار.
عراقيل أمنية تعيق عمل “سوريات”
رغم حصولها على ترخيص للعمل في الأردن، إلا أن عراقيل أمنية تسببت مؤخرًا بتوقف نشاط “سوريات عبر الحدود” بشكل جزئي، ريثما تحصل المنظمة على موافقة أمنية جديدة تتيح لها استئناف عملها، كما أوضحت السيدة راوية.
وسلطت مسؤولة المنظمة الضوء على إشكالية حقيقية يعيشها الأطفال السوريون في الأردن، وهي تسرب المئات منهم عن المدارس، على أطراف مدينتي المفرق وإربد، وبعضهم تجاوز عشرة أعوام، وتركز نشاط المنظمة قبيل توقفه على إعداد برامج محو أمية لهؤلاء الأطفال، والتواصل مع منظمة “Save the children” البريطانية، والتي هيأت بعض المعالجين النفسيين للعمل مع الأطفال وتأهيلهم، فبعضهم يعملون ويعيلون عائلاتهم، ما يشكل صعوبة بسحبهم ووضعهم على مقاعد الدراسة.
وعملت المنظمة مؤخرًا على تحصيل منح لطلاب الجامعات، وخلال العام الماضي غطت نفقات 30 طالبًا سوريًا، كانوا قد وصلوا للسنة الأخيرة في الجامعة وانقطع عنهم الدعم، وتخرجوا جميعًا الآن، بحسب الأسود، مشيرة إلى أن “سوريات” مازالت تقدم المنح المالية لـ 11 طالبًا جامعيًا، بالتعاون مع منظمة كندية.
عن دور الحكومة المؤقتة
اقتصر الدعم المادي لـ “سوريات عبر الحدود” على التبرعات الأهلية والأصدقاء بشكل عام، بعدما اكتسبت ثقة مطلقة لنجاح أعمالها، كما تحدثت الأسود، مؤكدة أن أربع سنوات من العمل لم تكن كفيلة باهتمام الحكومة المؤقتة أو الائتلاف المعارض، وقالت “لا أعرف شيئًا عن الحكومة المؤقتة ولا أثق بعملهم حتى”.
ورأت السيدة راوية أن أبرز المشاكل التي اعترضت الثورة السورية هي أن “من تسلق العمل السياسي أناس غير أكفاء وغير صالحين للعمل”، وتابعت “من جلس كوزير لم أرَ أي أثر إيجابي له، رغم الإمكانيات التي توفرت للحكومة المؤقتة في بادئ الأمر”.
تعرضت راوية للعديد من المشاكل خلال عملها كناشطة وقائمة على جمعية، وتمنت أن تلقى اهتمامًا ومساعدة من الحكومة المؤقتة ولو بشكل معنوي، وأضافت “لم تساهم الحكومة المؤقتة في مساعدة المنظمات السورية رغم الضغوط المادية المستمرة”.
واستطردت الناشطة السورية في انتقادها دور المعارضة في المجال التنموي والاجتماعي “أسسنا مشغلًا لنحو 30 عائلة سورية في الأردن، عانينا في تصريف البضائع وتقديم الدعم المادي، ومشاكل أخرى. المرأة السورية بحالة ضياع من خوفها على أطفالها وعدم مقدرتها على تأمين سبل الحياة لهم وحرمانها من الدعم المعنوي. أين الحكومة والائتلاف من المرأة السورية، ماذا قدموا لها؟”.
ووقفت الأسود على تجارب مرت بها في عملها، وقالت “كنت أحزن عندما نطلب الدعم النفسي للأطفال أو الجرحى أو النساء من منظمات أجنبية، فتدرب بدورها كوادر أردنية تساعد في هذا الموضوع، أين الكوادر السورية التي كان على الحكومة المؤقتة والائتلاف تدريبها؟”.
جملة تساؤلات طرحتها الناشطة السورية، استنتجت من خلالها التقصير الكبير للحكومة المؤقتة والمعارضة السياسية في المجال التنموي، وتساءلت “لماذا لم ينشئوا منظمة للدعم النفسي في كل دول اللجوء ويدربوا كوادر سورية؟، لدينا طلاب تخرجوا في هذا المجال لماذا لم يستثمروهم بشكل جيد؟”، وتابعت “لماذا لم ينشئوا تجمعًا نسائيًا؟، لماذا هناك عدة أطراف خارجية تساهم في هذا الاتجاه، والحكومة لم تلتفت للمرأة في سوريا وخارجها؟… هذا أمر محزن جدًا”.
المرأة السورية حالة مشرّفة
خلصت راوية الأسود من خلال تجاربها إلى أن المرأة السورية أثبتت إبداعًا ووطنية منقطعة النظير، ابتداءً من دفعها أولادها وزوجها وأشقائها ليخرجوا في المظاهرات، ووقوفها وراءهم في الصف الثاني للخوض في هذه التجربة الصعبة والمريرة.
ورأت أن المرأة السورية مارست دورًا عظيمًا خلال مراحل اللجوء والنزوح، بتحملها صعوبة هذه المرحلة وحفاظها على نفسها وأطفالها في المخيمات، وإصرارها على العمل في شتى المجالات لتمنع نفسها عن العوز ومرارة الحاجة، وأضافت “المرأة السورية سقفها عالٍ تشرّف جميع السوريين”.
صنّفت راوية نفسها بالدرجة الثانية خلف المرأة في الداخل السوري، وقالت “نحن عشنا في الخارج وطورنا أنفسنا، ودخلنا في مجال تغيير التفكير الذي أنشأنا عليه الأسد، وتعلمنا ما هي خدمة المجتمع المدني وتطويره، وما هو العمل التطوعي. من في الداخل لم يتعلموا هذه الأمور في زمن الأسد، لكنهم قدموا وضحوا وأبدعوا في شتى المجالات.. أفتخر بهم وأتعلم منهم”.
وأوصت مسؤولة “سوريات عبر الحدود” بضرورة وجود تنظيم حر للمرأة في سوريا، وليس “اتحادًا نسائيًا كالذي عند النظام أو كنساء دي ميستورا”، بل يمثّل “المرأة السورية الحقيقية، العنصر الأساسي في المجتمع، ابتداء من المزارعة التي تساعد زوجها”، وكشفت في نهاية حديثها لعنب بلدي أنها تسعى مع بعض زملائها لإنشاء تنظيم نسائي يكون “مشرفًا للمرأة السورية”، بحسب تعبيرها.
تابع قراءة ملف: بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية
– بين “الاتحاد النسائي” والسيدة الأولى.. تدجين فكري في بوتقة “البعث”
– حكومتان للمعارضة تفشلان في تعزيز دور المرأة.. الثالثة تبحث عن “شخصية مناسبة”
– ما مدى تمثيل المرأة السورية في المنظمات والهيئات الحكومية؟
– كيف أثرت سلطة الفصائل العسكرية على نشاط المرأة في الشمال السوري؟
– أول مؤتمر نسائي في إدلب.. ومشاركة في إدارة المدينة
– ورشات للارتقاء بواقع المرأة وتأهيلها
– نشاط نسائي واسع في حلب وتمثيل في مجلسها
– درعا.. المرأة إلى جانب الرجل في شتى المجالات
– وضحة الحريري.. المرأة التي شاركت في تحرير اللواء 52 في درعا
– “سوريات عبر الحدود”.. تجربة نسوية ناجحة دون اهتمام حكومي
– الغوطة الشرقية تغصّ بالمراكز النسائية وتفتقر للكوادر المؤهلة
– بيان ريحان.. من تنظيم الخرائط إلى قيادة نساء الغوطة
– المراكز النسائية تغيب عن حمص.. المرأة تنشط طبيًا وإنسانيًا
– مها أيوب.. رباها والدها على الثورة “حتى آخر نفس”
– المرأة في الجزيرة.. نشاط ملحوظ يقابله استغلال
– “طلعتي حيط يا بنتي وبينسند فيكي”.. الإمكانيات الاستثنائية في المرأة العاديّة
– “الصحفيات السوريات”: عوائق كثيرة في وجه المرأة السورية
– رأي: حقوق المرأة في دستور الأسد دعاية سياسية
لقراءة الملف كاملًا: بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :