جرحى درعا.. ورقة ضغط أردنية
إغلاق الحدود مستمر والجريح “مشروع شهيد”
محمد قطيفان – درعا
أعلنت السلطات الأردنية أواخر حزيران الماضي حدودها الشمالية مناطق عسكرية مغلقة، على خلفية الهجوم الذي تعرض له حرس الحدود الأردني بالقرب من مخيم الركبان وخلّف قتلى وجرحى في صفوفه، وهو ما تبناه تنظيم “الدولة الإسلامية” في وقت لاحق، لينعكس هذا الإعلان على حركة عبور الجرحى باتجاه الأراضي الأردنية لتلقي العلاج، حيث تم إغلاق الحدود بشكل شبه كامل، لتتقطع السبل في عشرات الجرحى الذين لا يجدون العلاج اللازم لهم في الداخل السوري.
تعاني محافظة درعا من ضعف كبير في الإمكانيات الطبية، فعلى الرغم من الحدود الواسعة التي تربط المحافظة بجارتها الأردن، وسيطرة فصائل المعارضة على هذه الحدود، إلا أن قرارًا أردنيًا غير معلن، جعل من عبور الأجهزة والمعدات الطبية الحديثة إلى داخل سوريا خطًا أحمر، حيث تعاني المشافي الميدانية في درعا من غياب كامل لأجهزة التصوير الطبقي المحوري والرنين المغناطيسي، كما تعاني من محدودية كبيرة في الخبرات الطبية في اختصاصات الأوعية والعصبية، وهو ما جعل الوضع الطبي في الداخل محدود الإمكانيات، يقتصر عمله على المشافي والنقاط الطبية الميدانية، ويقف عاجزًا تمامًا، أمام الجرحى بإصابات خطيرة، أو أمام الأمراض المزمنة، لتضاف هذه المعاناة، إلى المعاناة الأكبر مع هجرة الأطباء إلى خارج سوريا.
ملف درعا الطبي خارج السيطرة
الوضع الطبي السيئ في المحافظة، جعل اعتمادها على جارتها الأردن خيارًا لا مهرب منه، فتوجه الآلاف من الجرحى من ذوي الإصابات الخطيرة للعلاج في المشافي الأردنية، الحكومية منها أو الخاصة، وشهدت غرف العلاج في المشافي الأردنية ازدحامًا بالمرضى والمصابين القادمين من خلف الحدود.
الناشط محمد العيسى أوضح في حديثه لعنب بلدي أن “هذا المشهد كان مخططًا له بدقة”، موضحًا أنه جزء من السياسة الأردنية التي تقيد عمل الهيئات والمنظمات المعارضة في الجنوب عمومًا، وأضاف العيسى “إضعاف الجسم الطبي في الداخل، واعتماده الكامل على المشافي الأردنية، كان قرارًا مقصودًا، ليتحول ملف الجرحى من كونه ملفًا إنسانيًا، إلى ورقة ضغط”.
ورأى الناشط المهتم بالجانب الطبي في درعا أن إغلاق الحدود بوجه الجرحى قرار تتخذه الأردن بشكل متكرر، مضيفًا “تُغلق الحدود بوجه الجرحى متى أرادت القيادة الأردنية الضغط على الداخل، وتُفتح متى سار هذا الداخل كما تريد القيادة الأردنية له أن يسير”.
وتشير الإحصائيات الطبية، أنه منذ إغلاق السلطات الأردنية للحدود، توفي أكثر من 25 جريحًا، رفضت السلطات الأردنية مرورهم لتلقي العلاج في أراضيها، بينما يحاول “مكتب الإخلاء الموحد” في مدينة درعا، المسؤول عن نقل الجرحى نحو المعابر الحدودية، بشكل يومي إدخال أعداد من الجرحى، وسط رفض دائم من قبل حرس الحدود الأردني الذين يؤكدون أنهم ينفذون الأوامر، بمنع اقتراب أي شخص من الحدود بما في ذلك منع مرور الجرحى.
إسرائيل البديل المرّ
هذا الإغلاق، لم يُبقِ أمام الهيئات الطبية وذوي الجرحى حلًا آخر إلا التوجه إلى إسرائيل، والعمل على إدخال الجرحى للعلاج في الأراضي المحتلة، إذ لم يعد سرًا استقبال مشاف إسرائيلية لجرحى سوريين، على الرغم من قلة أعدادهم.
وأوضحت مصادر مطلعة لعنب بلدي أن إدخال الجرحى للعلاج في الأراضي المحتلة ممكن، ولكنه ليس بالأمر السهل، فإدخال الجريح يستلزم تقييمه طبيًا من إحدى النقاط على الشريط الحدودي، كما يستلزم حصوله على إذن أمني قبل الدخول، دون السماح لأحد بمرافقته.
وعلى الرغم من أن خيار الدخول نحو الأراضي المحتلة متاحٌ على ضعفه، إلا أنه لا يحظى باستساغة الكثير من الأهالي، الذين يفضلون الموت في الداخل على العلاج في المشافي الإسرائيلية.
إغلاق الحدود للعقاب فقط
مصدر عسكري في أحد فصائل الجيش الحر في درعا، طلب عدم الكشف عن اسمه، أوضح لعنب بلدي أن السياسة الأردنية هي “سياسة عقابية”، وليست أمنية تهدف لتأمين الحدود كما يشاع.
وأضاف المصدر العسكري “الحدود من الجهة المقابلة لمحافظة درعا مؤمّنة بالكامل، ولم تشهد أي اختراق مسبقًا، حيث تتكفل الجبهة الجنوبية بهذا التأمين”، مشيرًا إلى أن الاختراق الأمني الذي تعرضت له الحدود في حزيران الماضي لا يعني درعا أبدًا، وموضحًا أن “مخيم الركبان يبعد مئات الكيلومترات عن درعا، ولا يشهد أي وجود للجيش الحر، فإغلاق الحدود المقابلة لدرعا كرد على حادثة مخيم الركبان، تعني أن هذا الإغلاق ليس له هدف أمني، بل هدفه الضغط على الداخل لا أكثر”.
ونوه المصدر إلى أن فصائل الجيش الحر تتعرض لضغوط داخلية لتحريك جبهاتها ضد قوات النظام، بالتزامن مع ضغوط خارجية للحفاظ على هدوء الجبهات، مضيفًا “إغلاق الحدود أمام الجرحى هو جزء من هذا الضغط”.
وكانت الهيئات والمنظمات الدولية، كمنظمة العفو الدولية، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ناشدت السلطات الأردنية أكثر من مرة، لإبقاء حدودها مفتوحة أمام اللاجئين والجرحى والمساعدات الإغاثية، واعتبرت هذه المنظمات في مناشداتها أن إغلاق الحدود تسبب في معاناة شديدة لآلاف المدنيين غير القادرين على تأمين الملجأ الآمن، ما يعرض حياتهم للخطر بشكل مستمر.
وسط استمرار السلطات الأردنية في التعامل مع الجرحى على أنهم أرقام مجرّدة، لا يهم ارتفاعها أو انخفاضها، بقدر ما يهم الفائدة السياسة والعسكرية التي تجنيها من ورائهم، لا يسع الأوساط الشعبية والطبية في درعا إلا توجيه المناشدات تلو المناشدات للسلطات الأردنية والهيئات الدولية، للسماح بإدخال الجرحى لتلقي العلاج، وحتى ذلك الحين، لا يبدو أن خيارات الجرحى في درعا كثيرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :