تحاول عدة منظمات أنشئت بدوافع ذاتية الارتقاء بالمرأة السورية والتغلب على فارق الخبرات والتعليم الأكاديمي في سوريا، بتدريبات مكثفة في تخصصات متعددة: ثقافية وتعليمية واقتصادية تشغيلية.
ندى سميع، مديرة منظمة “بارقة أمل” في إدلب، تقول لعنب بلدي، إنها كانت مطلوبة للنظام السوري وزوجها شهيد ففقدت كل شيء، وسيطرت عليها حالة من اليأس، لكنّ شعورًا تولّد عندها بضرورة التغيير، لتبدأ بمساندة قريبتها، بإنشاء أول منظمة نسائية تطوعية في مدينة إدلب، بعد تحريرها.
وتحاول “بارقة أمل” إبعاد المرأة السورية عن منظمات الإغاثة، التي تضيع وقتها في تأمين السلة الغذائية، بعدما ساهمت مجموعة من النساء المثقفات في تأسيسها، بهدف الوصول إلى مجتمع مثقف والارتقاء بالنساء، خاصة اللاتي فقدن المعيل وأصبحن بحالة نفسية سيئة.
المفاجئة، بحسب سميع، هي أن عدد طلبات الانضمام لعضوية المنظمة وصلت إلى 40 طلبًا، خلال يومين، من مختلف الفئات العمرية والثقافية.
وتقدم المنظمة اليوم تدريبات مستمرة، استدلت على نجاحها بتغيير حياة النساء برواية قصصٍ حصلت مع الفريق، كامرأة لم تخرج من بيتها على مدار سنة كاملة، بعد اعتقال زوجها، لكنها أصبحت اليوم عضوًا فاعلًا في المنظمة، الأمر الذي ينسحب على عدة نساء نجحن في كسر حاجز المجتمع الشرقي بأن “زوجة المعتقل لا تخرج كي لا تختلط بالرجال”.
وتؤكّد مديرة المركز على الإقبال الواسع على التدريبات، فالإدارة تضطر لتأجيل بعض التدريبات، رغم تكرار القصف على المدينة، إلا أنها تشتكي من قصورٍ في العوامل اللوجستية والتجهيزات، لأن “القدرة المالية تلعب دورًا كبيرًا”.
“مراكز منظمتنا تتوزع في أحياء المدينة الشعبية”، وتشير سميع إلى أن كثيرًا من الرجال عرضوا بيوتًا لاستثمارها من قبل المنظمة، معتبرةً أن هذا دليل على أن الفكرة سليمة ولها دور في تعزيز أواصر المجتمع.
مديرة المنظمة لم تكن تعيش حالة الراحة هذه التي تحدثنا بها اليوم قبل البدء بالعمل النسائي، وتقول “وجدت محبة الناس لي زادت، ندى سميع كانت لديها حالة نفسية سيئة، مؤكدةً “الآن أنا امرأة قوية عندما أشاهد فرحة طفل حين يتلقى هدية أو درسًا، تزداد ثقتي بنفسي وأستطيع أن أتحدى العالم كله ولدي رغبة أكبر في العطاء”.
إلى الجنوب، تبدو التجربة أكثر تبلورًا في ريف إدلب، فتتحدث مزنة الجندي، مديرة مركز “النساء الآن” في معرة النعمان، عن تجربة الفريق المستمرة منذ آذار 2014.
ويمتلك المركز قسمًا للدعم النفسي، بفرعين، الأنشطة والاستشارات الفنية، ويقدم الدعم النفسي للأطفال والفتيات حسب الفئات العمرية، من ثلاث سنوات وحتى 18 سنة، إلى جانب تقديم استشارات نفسية خاصة لأي امرأة أو طفل بمراجعة المرشدة النفسية في المركز، التي تقترح حلولًا وتعمل على استرخاء نفسي للمراجع، أو تطلب الإحالة إلى الطبيب المختص.
أما القسم الثاني فهو مخصصٌ للورشات التدريبية، لتلافي صعوبة الانتقال إلى تركيا، ونظّم تدريبات في إدارة المشاريع التنموية، والإدارة المالية، واستراتيجيات التعليم الحديث، والزراعات المنزلية للاكتفاء الذاتي، وغيرها.
ويطمح فريق إدلب، المكون من 16 سيدة، في خطته المقبلة إلى تخديم منطقة الريف الشرقي لمعرة النعمان، المغيب عن مشاريع تمكين المرأة، وفق الجندي.
و”النساء الآن من أجل التنمية” هي منظمة سورية غير حكومية، أسستها في حزيران 2012 في باريس، الصحفية السورية والكاتبة سمر يزبك، وتعمل على دعم المرأة السورية في الداخل ودول الجوار.
وتعمل المنظمة في الغوطة الشرقية أيضًا، على تأهيل المرأة مهنيًا ووضعها في سوق العمل، من خلال دورات في الأعمال اليدوية والتدريبات التوعوية والثقافية، “لتستفيد المرأة بصقل شخصيتها، وبالتالي يصبح لديها حافز في العمل ويصبح عقلها أكثر انفتاحًا”، وفق خلود دمشقية، مديرة المركز في بلدة مسرابا.
“حالات عدة بدأنا معهن من تحت الصفر وأصبحن الآن يجابهن الواقع”، تقول خلود وترى أن تأهيل المرأة يؤثر أيضًا في اتخاذ قراراتها بخصوص عائلتها، كتزويج بناتها في عمر مبكر على سبيل المثال.
ويدير مركز في الغوطة دورة “قيادات نسائية”، وتتضمن خمس ورشات عمل تركز على مهارات التواصل، وإدارة فرق العمل، والتربية على السلام، والمهارات الحياتية، وحل المشكلات واتخاذ القرارات، وتستهدف جميع الفئات، وتحدثت خلود عن نساء انقطعن لفترة طويلة عن الدراسة، إلا أنهن حصلن على شهادة التعليم الأساسي هذا العام.
يُخرّج فريق “النساء الآن” الذي يعمل في مسرابا وحزّة، حوالي 400 امرأة، كل ثمانية أشهر، جميعهن يحتجن تدريبات مستمرة لصقل ما تعلمنه، وترى مديرة المركز أن المرأة في الغوطة تعمل ضمن أدوار محددة، بينما تتنحى عن أخرى.
وفي استطلاع للرأي بين المستفيدات حول أداء هذه التدريبات، طغى التأكيد على الفائدة “الكبيرة” التي تحققها السيدات من خلالها، والانتقال بهنّ إلى مراحل متقدمة اقتصاديًا وثقافيًا وتوعويًا، لكن الانتقادات تمثلّت بغيابها عن بعض المناطق وعدم تعميم التجارب على المناطق المعزولة نسبيًا، أو بغياب الدعم عن بعض النشاطات والمشاريع التي تقترحها السيدات كنتاجٍ لتدربياتهن.
تابع قراءة ملف: بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية
– بين “الاتحاد النسائي” والسيدة الأولى.. تدجين فكري في بوتقة “البعث”
– حكومتان للمعارضة تفشلان في تعزيز دور المرأة.. الثالثة تبحث عن “شخصية مناسبة”
– ما مدى تمثيل المرأة السورية في المنظمات والهيئات الحكومية؟
– كيف أثرت سلطة الفصائل العسكرية على نشاط المرأة في الشمال السوري؟
– أول مؤتمر نسائي في إدلب.. ومشاركة في إدارة المدينة
– ورشات للارتقاء بواقع المرأة وتأهيلها
– نشاط نسائي واسع في حلب وتمثيل في مجلسها
– درعا.. المرأة إلى جانب الرجل في شتى المجالات
– وضحة الحريري.. المرأة التي شاركت في تحرير اللواء 52 في درعا
– “سوريات عبر الحدود”.. تجربة نسوية ناجحة دون اهتمام حكومي
– الغوطة الشرقية تغصّ بالمراكز النسائية وتفتقر للكوادر المؤهلة
– بيان ريحان.. من تنظيم الخرائط إلى قيادة نساء الغوطة
– المراكز النسائية تغيب عن حمص.. المرأة تنشط طبيًا وإنسانيًا
– مها أيوب.. رباها والدها على الثورة “حتى آخر نفس”
– المرأة في الجزيرة.. نشاط ملحوظ يقابله استغلال
– “طلعتي حيط يا بنتي وبينسند فيكي”.. الإمكانيات الاستثنائية في المرأة العاديّة
– “الصحفيات السوريات”: عوائق كثيرة في وجه المرأة السورية
– رأي: حقوق المرأة في دستور الأسد دعاية سياسية
لقراءة الملف كاملًا: بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :