أسهمت السلطة العسكرية بخلفية دينية للفصائل المقاتلة شمال سوريا، بتكريس الجو العام المتحفظ على نشاط المرأة وحريتها وتقييد مساهمتها في أدوارٍ قيادية في المجتمع، لكن النشاط النسائي الذي تشهده محافظة إدلب، مثالًا، يدلّل على أن المرأة نجحت في كسر بعض التقاليد وتغلّبت على الضغوط التي تحيط بها.
في مدينة إدلب، بعد سيطرة المعارضة عليها في آذار 2015، زادت النشاطات الداعية إلى الالتزام بالحجاب، بدعمٍ من الفصائل، وهو ما يظهره قرار هيئة “جيش الفتح” للدعوة والإرشاد، نهاية تشرين الأول من العام ذاته، بفرض الحجاب وضرورة الابتعاد عما وصفها بـ “الألبسة الفاضحة” و”المكياج” ومنع بيعها في المحلات.
ورغم أن القرار لم يطبّق ولم يلتزم المواطنون بحذافيره، إلا أن لجانًا دعوية نسائية تابعةً لـ”الفتح” حاولت فرضه، كما انتشرت حواجز لفصيل “جند الأقصى” في شوارع المدينة لمنع “التبرج”، في الوقت الذي توزّعت لافتات في شوارع المحافظة تطالب المرأة بالالتزام باللباس “الشرعي”.
لم يكن ذلك إجباريًا ولم تطبق عقوبات “صارمة” لفرضه، بحسب عدة نساء في إدلب، لكنّه ساهم في تكريس عادات وتقاليد في المجتمع، وثقافة حملها بعض الشرعيين الخليجيين، تحدّ من نشاط المرأة.
“مشكلة الطائرة” هي الأساس
تعتبر رانيا قيسر، وهي ناشطة في مجال التمكين المجتمعي ومديرة معهد “شاين” للتدريب في معرة النعمان، أن واقع المرأة لا يرتقي إلى المستوى الذي تستطيع أن تقدمه، موضحةً أن “سقف المرأة محدود، وموجودة في أماكن معينة فقط، لا تستطيع أن تساهم في خدمة الناس، بحسب القدرة والكفاءة التي تملكها، ولا تستطيع أن تتوسع”. هذا الشق السلبي، من وجهة نظر قيسر، لكن الإيجابي هو أن “المرأة مستمرة، تعمل، وتناضل، وتجاهد، وتربي”.
وتدير الناشطة معهد “شاين” (السوري الإنساني للتمكين الوطني)، وهو مرخصٌ من إدارة إدلب ومعتمدٌ في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقدّم خدمتين رئيسيتين: التعليم والتدريب، والإغاثة.
وتربط قيسر عودة النشاط وتطور دور المرأة بإيقاف “مشكلة الطائرة” (غارات الطيران الحربي المستمرة في المناطق المحررة) أولًا، لأنها تخلق توترًا وخوفًا لدى النساء وتمنعهن من النزول إلى الشارع.
كما لا يمكن أن تخترق المرأة سوق العمل وتنافس الرجل، في وسطٍ معدومٍ اقتصاديًا وتندر فيه فرص العمل، لذلك فالأولوية هي لصالح “إنشاء الجيل”، بحسب قيسر التي تقول “المسؤولية على المرأة السورية اليوم عظيمة جدًا، نحن نشهد الآن على ولادة أمة جديدة، هذه الولادة لن تكون بالصورة الصحيحة إلا إن كانت المرأة سليمة العقل والمنهج”. وتؤكد على ضرورة تمكين المراة وتحفيزها، وتسليمها الوسائل الصحيحة للتربية، وكيف تستطيع تعزيز القيم والمبادئ عند الطفل بطريقة صحيحة.
لا يجوز اختصار قضية المرأة في الحجاب
وتشير الناشطة المدنية إلى مسألة النقاب والدعوات إلى الحجاب في المناطق المحررة، بالقول “بإمكانك أن تحجبي كل النساء ليكنّ منقبات، ولكن إن كان قلبهن غير صالح فلن يصلح المجتمع. نحن لن نرى التطور الفكري الذي نريد ونصبو إليه وخرجنا بالثورة من أجله، قبل مرور ثلاثة أجيال، ولكن هناك فرصة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إصلاح الأم”.
وتخلّل حديثنا إلى قيسر التركيز على أن المعهد، الذي تديره، يعمل في نطاق شرعي ويفصل بين الشباب والفتيات في الحضور، ويستفيد من “خبرات الغرب” بما يخدم الواقع السوري في “إطار الشرع”.
سماح هدايا، وزيرة الثقافة السابقة في الحكومة المؤقتة، تؤكّد أن مما وقف في وجه تعزيز دور المرأة لباسها، الذي يؤخذ حتى اليوم كإشكالية في الصراع، في ظل تعدد السلطات التي تحكم المدن والمناطق في سوريا.
ودعت هدايا إلى ألا يكون وضع وخلع الحجاب عثرة في حرية المرأة ودورها، “فهو موضوع جزئي، وما دامت تقوم بأداء إنساني ووطني، فقيمتها تنبع من مواقفها وأرائها وعملها وليس مما ترتديه”.
إدارة “الفتح”: لا يوجد مضايقات
عنب بلدي توجهّت بهذه التساؤلات إلى إدارة “جيش الفتح” في إدلب، والتي نفت أن يكون هناك تضييق على نشاطات النساء على اختلافها.
ويقول مازن حميد، وهو إداري في “جيش الفتح”، إن “إدارة الجيش لها اهتمامات تخص دور المرأة ونشاطاتها، وهي تسعى لتقديم المساعدة اللازمة، وفق شروط لا تخالف المبادئ الشرعية الإسلامية”.
وبحسب القيادي، فإن الإدارة “لا تعارض أو تقف عائقًا في وجه أي نشاط يكون له أهداف تعود بالفائدة على الأهالي”، مستدلًا بالعديد من النشاطات النسائية الموجودة في مدينة إدلب، ومنها “معهد للعلوم الشرعية المخصص للنساء، وكل أعضائه (الإداريات والمدرسات) نساء دون أي مشاكل”.
مدرّسة: ينفذون الأوامر “تحت الفصل السابع”
مدرّسة في إحدى الثانويات في إدلب مطلعة على عمل اللجان النسائية لضبط المخالفات، أفادت عنب بلدي أنها شهدت صدامات عديدة بين الطالبات وداعيات “غير مؤهلات للدعوة، ولا يملكن أدنى مقومات الداعية من علم شرعي وأساليب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة”، بحسب توصيف المدرّسة.
وأكّدت المدرّسة (التي فضّلت عدم ذكر اسمها) أن الداعيات “كنّ يجبرن الفتيات على الالتزام بلباس حسب توصيفهن له بأنه اللباس الشرعي الوحيد، وكل شيء خلافه يعتبر سفورًا، حتى حصلت مشادات بينهن بالأيدي، كن لا يتقنّ أسلوب الحوار والإقناع وكأنهن ينفذون أوامر عسكرية ملزمة تحت البند السابع”.
أثر ذلك سلبيًا على حركة الفتيات وعملهن، بحسب المدرّسة، ناقلةً عن إحدى الفتيات قولها “أشتاق للحياة المدنية التي سلبت مني، أشعر أنني مجبرة على كل شيء”.
ونفت المدرّسة أي حالات اعتقال لنساء، سوى قصة روتها إحدى الداعيات عن فتاة تعدت عليهن (الداعيات) بالضرب، وحاولت أن تنتزع حجابهن، وكالت لهن المسبات والشتائم أمام الناس، مما اضطرهن إلى استدعائها إلى المحكمة لـ “سوء تصرفها”.
المدرّسة امرأة منقبة ولبست النقاب مقتنعةً بأنه فرض من الله، ولم تجد حرجًا في التنقل والعمل، ولم يحد النقاب من أي نشاط لها أو من نجاحها وتميزها في عدة مجالات، وفق ما تنقله لنا، مشيرةً إلى “نماذج كثيرة من نساء نجحن وتميزن وهن يرتدين النقاب، خاتمةً “المسألة ليست بالنقاب، وإنما الإكراه على الشيء يجعل الإنسان ينفر منه، ولو دعوت الشخص بأسلوب حسن مدعم بالحجج والبراهين، ربما تختلف ردة فعله كليًا”.
تابع قراءة ملف: بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية
– بين “الاتحاد النسائي” والسيدة الأولى.. تدجين فكري في بوتقة “البعث”
– حكومتان للمعارضة تفشلان في تعزيز دور المرأة.. الثالثة تبحث عن “شخصية مناسبة”
– ما مدى تمثيل المرأة السورية في المنظمات والهيئات الحكومية؟
– كيف أثرت سلطة الفصائل العسكرية على نشاط المرأة في الشمال السوري؟
– أول مؤتمر نسائي في إدلب.. ومشاركة في إدارة المدينة
– ورشات للارتقاء بواقع المرأة وتأهيلها
– نشاط نسائي واسع في حلب وتمثيل في مجلسها
– درعا.. المرأة إلى جانب الرجل في شتى المجالات
– وضحة الحريري.. المرأة التي شاركت في تحرير اللواء 52 في درعا
– “سوريات عبر الحدود”.. تجربة نسوية ناجحة دون اهتمام حكومي
– الغوطة الشرقية تغصّ بالمراكز النسائية وتفتقر للكوادر المؤهلة
– بيان ريحان.. من تنظيم الخرائط إلى قيادة نساء الغوطة
– المراكز النسائية تغيب عن حمص.. المرأة تنشط طبيًا وإنسانيًا
– مها أيوب.. رباها والدها على الثورة “حتى آخر نفس”
– المرأة في الجزيرة.. نشاط ملحوظ يقابله استغلال
– “طلعتي حيط يا بنتي وبينسند فيكي”.. الإمكانيات الاستثنائية في المرأة العاديّة
– “الصحفيات السوريات”: عوائق كثيرة في وجه المرأة السورية
– رأي: حقوق المرأة في دستور الأسد دعاية سياسية
لقراءة الملف كاملًا: بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :