د. أكرم خولاني
يعتقد الكثير من الناس أن استعمال أدوية ومستحضرات الكورتيزون يشكل خطرًا كبيرًا على صحة الإنسان، وقد يعزز هذه الفكرة بعض الصيادلة حين يبدون استياءهم من وصفات الأطباء التي تشمل هذه الأدوية، لذلك أصبح ذكر هذه المستحضرات من المحرمات عند بعض الناس، فإذا ما وصفه الطبيب لهم راحوا يناقشونه ويحاورونه حتى يغير قراره.
ومع أن هذا الاعتقاد خاطئ، لأن الكورتيزون هو دواء مثل أي دواء آخر إذا استخدم بشكله الصحيح وبوصفة طبية عن طريق الطبيب المعالج، إلا أن الجدل مستمر، سواء بين العامة أو العلماء، حول هذا الدواء، وربما لم تثر مادة دوائية على مدى تاريخ الطب، هذا الكم من الجدل الذي أثاره الكورتيزون، منذ اكتشافه حتى اليوم.
ما هو الكورتيزون؟
الكورتيزونات عبارة عن مركبات مشتقة من هرمون يفرزه جسم الإنسان من غدة صغيرة تلتصق بالكلية تسمى الغدة فوق الكلوية أو الغدة الكظرية، وتفرز هذه الغدة مواد أخرى تسمى الموصلات العصبية (الأدرينالين والنورأدرينالين)، وتتحكم بعمل الغدة الكظرية غدة أخرى موجودة في الدماغ تسمى الغدة النخامية، حيث تفرز لها هرمونًا يأمرها بإفراز الكورتيزون اللازم للقيام بالكثير من العمليات الحيوية في الجسم على مدار الساعة.
تنقسم الكورتيزونات من ناحية وظيفتها إلى عدة أقسام:
1- الكورتيزونات السكرية: وهي المقصودة عندما تطلق كلمة الكورتيزونات، وتشمل الكورتيزونات الطبيعية مثل هرمون الكورتيزون والكورتيزول، كما تشمل العديد من المركبات المصنعة مثل البردنيسون والبردنسولون وغيرها والتي تستعمل لإحداث نفس آثار المركبات الطبيعية.
2- الكورتيزونات المعدنية: وأهمها هرمون الألدوستيرون والذي يقوم بحفظ معادن معينة في الدم ويمنعها من الإخراج الكلوي.
3- الكورتيزونات الجنسية: وتشمل الهرمونات الذكرية (تيستوستيرون) والهرمونات الأنثوية (استروجينات)،والتي تنظم التغيرات والوظائف الجنسية.
ويعود اكتشاف هرمون الكورتيزون ووظائفه، إلى العالم الأمريكي إدوارد كالفين كيندال في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، الذي نال عن اكتشافه جائزة نوبل للطب عام 1950، وقد تم تصنيعه تجاريًا لأول مرة في ولاية نيوجيرسي الأمريكية عام 1949.
ما الخصائص العلاجية للكورتيزونات؟
- مضادة للالتهابات: حيث تمتاز بأنها من أشد وأسرع الأدوية كبحًا للالتهابات في جميع أجزاء الجسم، وكذلك تسكن الألم
- مضادة لتكاثر الخلايا: إذ إن لها خاصية كبح تكاثر الخلايا السرطانية أو شبه السرطانية مثل الأورام اللمفاوية .
- مثبطة للمناعة: فهي تكبح الجهاز المناعي من تدمير أجهزة الجسم، وهو ما يحدث في أمراض المناعة الذاتية، وهي أمراض ناتجة عن زيادة فاعلية الجهاز المناعي، حيث يهاجم الجهاز المناعي الجسم أو بعض أجزائه ظنًا منه أنها عدو أو جسم غريب ما يؤدي إلى تدميرها، كأمراض الأنسجة الضامة أو أمراض الكولاجين الوعائية أو التهاب المفاصل الرثوي أو الذئبة الحمامية. كذلك في حالات زراعة الأعضاء يكون للكورتيزون فعالية في تقليل رد فعل الجهاز المناعي تجاه العضو الجديد لكي لا يتم رفضه.
ما الأمراض التي يعالجها الكورتيزون؟
- الحساسية التنفسية، في الأنف أو الصدر، كما في حالات الربو، خاصة إذا لم تستجب الحالة المرضية للعلاج بمضادات الحساسية المعتادة.
- التهابات الحلق الشديدة جدًا، خاصة التي تحدث مع مرض داء وحيدات النوى الخمجي الفيروسي، فالكورتيزون لا يقلل مدة الالتهاب الفيروسي لكن يستخدم لزيادة راحة المريض و تقليل أعراض صعوبة الكلام و صعوبة البلع التي تنتج من تورم الحلق.
- ألم الأعصاب و العظام، فقد يعطى بشكل إبر في علاج الألم لفترة قصيرة، كذلك يقلل الانتفاخ نتيجة الالتهاب في المفاصل و الأوتار أو نتيجة الرضوض.
- التهابات العين ذات المنشأ غير الفيروسي.
- أمراض المناعة الذاتية المختلفة، كالذئبة الحمامية، والتصلب اللويحي، والتهاب المفاصل الرثواني، والتهابات الأمعاء والكولون مناعية المنشأ، وغيرها.
- في حالات زراعة الأعضاء، لأن الكورتيزون يعمل على تقليل مناعة الجسم ما يمنع رفض الجسم للعضو المزروع.
- الأكزيما والالتهابات الجلدية، خاصة الالتهاب التأتبي، الحساسية والحكة الجلدية، مرض الحزاز، وتساقط الشعر (الثعلبة).
- الصدفية، وهو مرض جلدي مزمن يظهر على شكل قشور فضية اللون.
- البهاق، وهو مرض نقص الصبغة الجلدية.
- يساعد الكورتيزون على خفض هرمون الذكورة، لذلك يمكن استعماله لتنظيم الإباضة.
هل أدوية الكورتيزون متشابهة في التأثير والاستعمال؟
لا طبعًا، فأدوية الكورتيزون منها ضعيف القوة، ومنها المتوسط، ومنها القوي، ومنها القوي جدًا، ويتم تحديد الدواء المناسب من قبل الطبيب حسب الحالة.
ما الأشكال الصيدلانية المتوفرة للكورتيزونات؟
الحقن الجهازية، الحقن الموضعية، الكريمات، الكبسولات والحبوب الفموية، الشرابات، البخاخات.
ما الآثار الجانبية للاستخدام؟
تظهر التأثيرات الجانبية عند استخدام الكورتيزون لفترات طويلة أو جرعات زائدة، وتختلف هذه الفترات والجرعات باختلاف أنواع أدوية الكورتيزون، فالكورتيزون القوي يحدث آثارًا جانبية أكثر، والعكس صحيح، لكن قد يكون نوع الكورتيزون ضعيفًا إلا أنه استخدم مدة طويلة، أو بكميات كبيرة، أو في أماكن واسعة من سطح الجسم، أو أماكن جلدية رقيقة مثل الوجه وثنايا الجلد، ما يؤدي لظهور الآثار الجانبية.
وأهم الآثار الجانبية التي تظهر عند استخدام الكورتيزون جهازيا (عن طريق الحقن أو الفم): يحدث ما يسمى بمتلازمة كوشينغ الدوائية، ارتفاع ضغط الدم، احتباس الصوديوم في الجسم والذي قد يسبب عبئًا على القلب وفشل عمله، زيادة الوزن نتيجة احتباس السوائل في الجسم وزيادة الشهية وتراكم الدهون في منطقة البطن والوجه والرقبة، وجه بدري، تقلبات في المزاج، عدم انتظام الدورة الشهرية، ارتفاع ضغط العين، عتامة عدسة العين (ساد)، كذلك قد يحدث ارتفاع نسبة السكر في الدم، هشاشة عظام، وقد يؤثر الكورتيزون على المعدة فيفعّل قرحة سابقة فيها.
أما عند الاستخدام الموضعي: فقد يسبب ظهور شعيرات دموية وبخاصة في مناطق الوجه، خطوط حمراء وبيضاء بالجلد، تقرحات وسهولة التجريح في مناطق كثرة استخدامه، زيادة حب الشباب، وردية الوجه نتيجة استخدامه بالوجه، حبوب حول الفم، اضطرار بتصبغ الجلد، ظهور شعر خفيف في بعض المناطق، حساسية شديدة للضوء، بطء التئام الجروح وإصابتها بالالتهابات البكتيرية.
وعند استخدام البخاخ: قد تحدث إصابة بالفطور الفموية.
ما التوصيات الواجب اتباعها لتجنب ظهور الآثار الجانبية لاستخدام الكورتيزون؟
أولًا: عند استخدام البخاخ يجب أخذه بمواعيده بدقة، ويجب غسل الفم (المضمضة) بعد الاستخدام مباشرة كي يتجنب نمو الفطريات فيه، ويجب ألا يقطع استخدام الدواء فجأة، علمًا أن بخاخات الكورتيزون قليلة المخاطر نسبيًا إذا استخدمت بشكل صحيح.
ثانيًا: عند استخدام الأقراص (وخصوصًا عند استخدامها لفترة تتجاوز الأسبوع) يجب أن لا يوقف استخدام الدواء فجأة بأي حال من الأحوال، لأن دواء الكورتيزون يؤدي إلى أعراض خطيرة لو قطع فجأة، لذا لا يمكن إيقافه إلا بشكل تدريجي وتحت إشراف طبي وعلى مدى طويل يصل إلى عدة أشهر تتناقص خلالها الجرعة تدريجيًا.
ويجب التقليل من السكريات وملح الطعام والدهون لأن الكورتيزون يؤدي إلى ارتفاع مستوى السكر والدهون في الدم، ويؤدي كذلك إلى احتباس الصوديوم وبالتالي المياه داخل الجسم، لذلك ينصح المريض بتناول الأطعمة المحتوية على البوتاسيوم مثل البرتقال والموز والبطاطا.
كما يوصى بممارسة الرياضة وتناول الكالسيوم وفيتامين د لتفادي هشاشة العظام، ويجب الحرص على تقليل السعرات الحرارية في الغذاء لتفادي البدانة.
وفي حال حدوث اضطرابات في الدورة الشهرية يجب التوجه إلى اختصاصية أمراض النساء لحل هذه المشكلة.
أخيرًا ننوه إلى أنه يفضل أن تكون جرعة الكورتيزون في الصباح لأنه يؤدي إلى زيادة نشاط الجسم وعدم الإحساس بالنوم، كذلك يجب أن تؤخذ الأقراص أثناء الأكل أو بعده مباشرة ليتجنب تأثير الكورتيزون الضار على المعدة.
ثالثًا: عند استخدام الكريمات يوصى بتطبيق المستحضر مرة أو مرتين يوميًا، ويجب أن يتم اختيار المستحضر المناسب من قبل الطبيب، فالكورتيزونات التي تستخدم للوجه مثًلا مختلفة في الغالب عن التي تستخدم لليدين ومناطق الجلد الأخرى.
وكذلك فإن مدة العلاج تختلف من مركب لآخر، فالالتهابات العادية تعالج لمدة لا تتجاوز العشرة أيام، أما في الحالات التي تحتاج لمعالجة طويلة فالكورتيزون القوي جدًا لا يستخدم أكثر من ثلاثة أسابيع، والكورتيزون القوي وحتى ضعيف القوة لا يستخدم أكثر من ثلاثة أشهر، ثم يستخدم كريم أو فازلين عدة أيام (أيام راحة) ثم يستعمل الكورتيزون مرة ثانية.
ما الأعراض التي تنجم عن الإيقاف المفاجئ لتناول الكورتيزون؟
إذا توقف المريض فجأة عن تناول الكورتيزون فإن جسمه يخلو من الكورتيزون اللازم للعمليات الحيوية وذلك لأن غدة الكظر تكون قد توقفت عن إفرازه بسبب تناوله من خارج الجسم، وقد لا تعود إلى عملها إلا بعد أسابيع أو أشهر، وبالتالي تظهر أعراض الانسحاب التي منها الشعور بالدوار، ضعف العضلات، ألم المفاصل، تقشر الجلد، ضعف الشهية، غثيان أو قيء، حمى، هبوط مستوى سكر الدم، صداع، وارتفاع الضعط داخل الجمجمة، وتغييرات عقلية، وقد يؤدي التوقف المفاجئ الى الموت، كما قد يؤدي إلى عودة المرض الذي كان يعالج بالكورتيزون.
وتعالج أعراض الانسحاب من الكورتيزون بإعطاء جرعة عالية من الكورتيزون ثم تقليلها تدريجيًا.
إذن، ومن خلال كل ما ذكرناه، نستنتج أن الكورتيزون دواء مفيد بشكل سحري للكثير من الأمراض، ولا خوف من استخدامه، بشرط عدم استخدامه من تلقاء نفسك، إنما يجب الرجوع للطبيب أولًا، كذلك عدم إيقاف استخدامه من تلقاء نفسك، حتى لو شعرت بالتحسن، إنما عليك الرجوع للطبيب أيضًا.