بوصفه “قائدًا للدولة والمجتمع”، احتكر حزب “البعث” الحاكم في سوريا العمل المدني والتطوعي للمرأة السورية، ليدور نشاطها في فلكه حصرًا، طيلة خمسة عقود مضت، فأحدث حافظ الأسد (الأمين العام للحزب) منظمات كانت بمثابة مداجن فكرية تتوافق مع المراحل العمرية، أقصت المنظمات المدنية الحرة، واحتكرت نشاط المرأة.
“طلائع البعث”، و”اتحاد شبيبة الثورة”، و”الاتحاد العام النسائي”، منظمات أسسها الأسد عقب وصوله إلى الحكم، ولعبت دورًا تعبويًا لتعزيز حُكمه، وإرساء مفاهيم “البعث”، ما انعكس سلبًا على المرأة والمجتمع السوري بشكل عام، وهو ما سار عليه نجله بشار الأسد فعزز المنظمات البعثية، وأفسح المجال لعقيلته (أسماء الأخرس)، دون غيرها، في تبوّء العمل المدني ضمن “الأمانة السورية للتنمية”، التي أسستها بعد استلام زوجها مقاليد الحكم.
الاتحاد العام النسائي
تأسس الاتحاد العام النسائي في سوريا عام 1967، ويعرّف نفسه بأنه منظمة شعبية للنساء في سوريا ذات شخصية اعتبارية، لكنه ارتبط بشكل وثيق بحزب البعث الحاكم، وعرف في الأوساط الشعبية بأنه كيان شبه رسمي يعزز سلطة الحزب في الأوساط النسوية.
اقتصرت نشاطات الاتحاد على “الرفيقات” الحزبيات في المدن والقرى السورية، من خلال فعاليات اجتماعية وتعليمية شابتها البيروقراطية التي وصفت بها أجهزة الدولة بشكل عام، واستثنى الاتحاد النساء السوريات المستقلات.
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لعب الاتحاد أدوارًا سلبية من خلال التمييز الحزبي والاجتماعي، فلفظت قيادته المرأة المحجبة لدواعٍ وصفت بالأمنية، واقتصرت إدارته على الأعضاء الفاعلين في “البعث” دون غيره، فأصبح نموذجًا مشابهًا لمؤسسات الدولة السورية آنذاك.
مايزال الاتحاد يمارس عمله بنفس الطريقة، إلا أنه ومع مطلع الثورة ضد النظام السوري زاد من وتيرة نشاطه التعبوي المنحاز للأسد وقواته، كما أردف الاتحاد القوات العسكرية بمقاتلات ضمن ميليشيا “كتائب البعث” و”الدفاع الوطني”، ولا سيما في محافظات دمشق وحمص واللاذقية.
الأمانة السورية للتنمية
دخلت أسماء الأسد، عقيلة رئيس النظام، العمل النسائي في سوريا عام 2001، بإشرافها المباشر على تأسيس “الأمانة السورية للتنمية”، وهي منظمة غير حكومية تعمل على “تمكين المجتمعات للأفراد إضافة إلى إشراكهم في الأعمال التنموية، حتى يستطيعوا أداء دورهم الكامل في بناء المجتمع وصياغة المستقبل”، بحسب تعريفها.
أقامت الأمانة عدة مشاريع تنموية بين العامين 2001 و2011، وتلقت دعمًا من منظمات أوروبية، وشملت المشاريع معظم الشرائح المجتمعية، فظهرت أكثر انفتاحًا وحداثة من الاتحاد العام النسائي، كما سعت لتكون أكثر استقلالية عن دوائر الدولة، وركزت نشاطاتها على تمكين المرأة والمجتمع.
لكن، ومع ذلك، شابت هذه المؤسسة سلبيات عديدة، أبرزها اقتصارها على حيز جغرافي ضيق، مثل حلب ودمشق واللاذقية وحمص، دون انفتاح على باقي المحافظات السورية، كما اهتمت بشكل خاص بالشريحة المجتمعية المقربة من النظام السوري، كبيئته الحاضنة في الساحل السوري.
ومنذ العام 2011 تقلص نفوذ الأمانة السورية للتنمية، بعد توقف الدعم الأوروبي نتيجة العقوبات المفروضة على النظام السوري، لكنها حصلت على دعم مالي من الأمم المتحدة، بحسب ما نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية في آب 2016، مؤكدة أن منظمتين تابعتين للأمم المتحدة عقدتا شراكة مع “الأمانة”، ودفعتا لها مبلغ 8.5 مليون دولار أمريكي.
كما تركز أداؤها خلال الأعوام الخمسة الماضية على توزيع المعونات المادية والعينية على المتضررين الموالين للنظام السوري، بعدما أقصت عمل جمعيات إغاثية في المناطق الخاضعة للمعارضة في محيط العاصمة، ومنعتهم من تحصيل دعم إغاثي من المنظمات الأممية، وفق معلومات سابقة حصلت عليها عنب بلدي، إلى جانب رعاية بعض الفعاليات والنشاطات، بهدف إظهار الوجه المدني للنظام السوري.
“القبيسيات” أكثر تأثيرًا
تؤكد “أم وسيم”، وهي دمشقية مطلعة على دوائر صنع القرار في حركة “القبيسيات”، انشقت عنها وتقيم في ألمانيا حاليًا، أن عدد النساء المنضويات في الحركة تجاوز حاجز الـ 100 ألف في دمشق وحدها، وتشدد الأجهزة الأمنية على تأمين وتسهيل أي فعالية لهنّ في العاصمة أو باقي المدن السورية، نظرًا لتحريم هذه الجماعة الخروج عن النظام السوري وتأييده، ونبذ أي خطاب معادٍ له.
نشأت حركة “القبيسيات” الدينية بشكل علني في دمشق العام 2005، إلا أن وجودها الفعلي قد يعود لتسعينيات القرن الفائت، ويرتبط اسمها بمؤسستها “الحاجة منيرة القبيسي” تلميذة الشيخ صلاح كفتارو، وهو نجل مفتي الجمهورية السابق أحمد كفتارو.
ووفقًا لمعلومات حصلت عليها عنب بلدي من “أم وسيم” وسيدات أخريات غادرن عالم “القبيسيات”، فإن هذه الحركة الدينية هدفت إلى تطويع الشارع الدمشقي لتأييد النظام السوري وشرعنة أي عمل يقوم به، مقابل تسهيل النظام لنشاطاتها وعملها الدؤوب على استقطاب “المريدات” في سوريا، وفق خطاب ديني سلس يعادي “التطرف” ويمنع “الخروج عن الحاكم”.
دخلت القبيسيات عالم السياسة خلال الثورة السورية، فأعطيت “الحاجة منيرة” مرتبة معاون وزير الأوقاف بمرسوم جمهوري في العام 2014، وشاركت نساؤها في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، ومثلتهن فرح حمشو، قريبة رجل الأعمال المعروف محمد حمشو، في دليل واضح على تبعية الحركة الدينية للنظام الحاكم.
تنتشر الحركة أيضًا في مدن حمص وحماة واللاذقية وحلب، إلى جانب وجود لها في الأردن ولبنان، وتستقطب زوجات وأبناء الطبقة الثرية من تجّار وصناعيين ومسؤولين في أروقة النظام، ممن يرى فيها نموذجًا دينيًا رائدًا، بحسب ما وصفت “أم وسيم”.
وتقول راوية الأسود، وهي سيدة مجتمع وناشطة في مجال الطفل والمرأة، إن النظام السوري ما كان ليسمح بأي عمل نسوي بشكل تنموي وحر، وهو أمر مفروغ منه، لأن من أهدافه الأساسية محاربة العقول الحرة التي تتجه إلى تنمية المجتمع المدني، بل عمل على تدمير أي إنسان يتجه بفكرة تعطي للمجتمع زخمًا من الثقافة والأخلاق التي تميزنا كسوريين.
وتشدد السيدة، التي أسست مع صديقاتها منظمة “سوريات عبر الحدود” في ظل الثورة السورية، أن العمل التطوعي بمفهوم نظام الأسد كان بمثابة “بث السموم لدى البنات والشباب”، وتختم بالقول “هذا ما نراه تمامًا عند الطبقة الموالية من إصرار على التأييد، نتيجة للأفكار البشعة التي أدخلها الأسد في عقولهم”.
تابع قراءة ملف: بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية
– بين “الاتحاد النسائي” والسيدة الأولى.. تدجين فكري في بوتقة “البعث”
– حكومتان للمعارضة تفشلان في تعزيز دور المرأة.. الثالثة تبحث عن “شخصية مناسبة”
– ما مدى تمثيل المرأة السورية في المنظمات والهيئات الحكومية؟
– كيف أثرت سلطة الفصائل العسكرية على نشاط المرأة في الشمال السوري؟
– أول مؤتمر نسائي في إدلب.. ومشاركة في إدارة المدينة
– ورشات للارتقاء بواقع المرأة وتأهيلها
– نشاط نسائي واسع في حلب وتمثيل في مجلسها
– درعا.. المرأة إلى جانب الرجل في شتى المجالات
– وضحة الحريري.. المرأة التي شاركت في تحرير اللواء 52 في درعا
– “سوريات عبر الحدود”.. تجربة نسوية ناجحة دون اهتمام حكومي
– الغوطة الشرقية تغصّ بالمراكز النسائية وتفتقر للكوادر المؤهلة
– بيان ريحان.. من تنظيم الخرائط إلى قيادة نساء الغوطة
– المراكز النسائية تغيب عن حمص.. المرأة تنشط طبيًا وإنسانيًا
– مها أيوب.. رباها والدها على الثورة “حتى آخر نفس”
– المرأة في الجزيرة.. نشاط ملحوظ يقابله استغلال
– “طلعتي حيط يا بنتي وبينسند فيكي”.. الإمكانيات الاستثنائية في المرأة العاديّة
– “الصحفيات السوريات”: عوائق كثيرة في وجه المرأة السورية
– رأي: حقوق المرأة في دستور الأسد دعاية سياسية
لقراءة الملف كاملًا: بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :