عيدية؟
د. أحمد الشامي
جرت العادة لدى العائلات الدمشقية على تبادل الزيارات في فترة العيد و إعطاء اﻷطفال “عيدية”، هي بعض النقود يقومون بصرفها في شراء الحلوى والتسلية.
شيء من هذا القبيل يقدمه صعاليك “العالم المتقدم” للسوريين بمناسبة عيد اﻷضحى المبارك، حيث أعطى جزار الكرملين إجازات لطياريه من أجل العودة لبلدهم وتناول “الفودكا” في البيت، وقام “اﻷسد” بفعل مشابه وأرسل طياريه وزبانيته لقضاء عطلة العيد في مناطق الساحل ودمشق و”مصمصة المتة” في “أرض الديار”.
في ظل لا توازن القوى الفاضح بين ثوار لا يملكون سوى أسلحة خفيفة، وحلف شر يملك كل أنواع السلاح بما فيها الكيماوي (الذي يستعمله بين حين وآخر)، لا يستطيع عاقل الحديث عن “هدنة”، فالثوار ليس لديهم حوامات ولا قاذفات ولا حتى صواريخ، و”داعموهم” يضنون عليهم بكل شيء.
كيف يستوي وقف إطلاق النار بين من لديه “نار” ليطلقها وبين من لا يملك سوى إرادته مع بعض الحجارة والسلاح الخفيف؟
لنعتبر هذه الهدنة بمثابة عيدية، فما المانع في استمرار هذه المعايدة وترك السوريين يعيشون؟
لو كان حلف اﻷشرار يريد ترك السوريين “يعيشون” لكانت مكالمة هاتفية واحدة تكفي لجعل الرئيس الوريث يستقل أول طائرة ويترك السوريين يقررون مصيرهم بأنفسهم، هذا بحسب تصريح لـ “كوندوليزا رايس” التي لاحظت أن نظرة غاضبة من “جورج بوش” الصغير كانت كافية لكي يفر الجيش السوري من لبنان خلال أيام.
من يتابع مماحكات وتفاهات كل من “كيري” و”لافروف” قد يظن لبرهة أن الرجلين على خلاف فيما يخص المجزرة السورية، لكن الوقائع تؤكد وجود اتفاق تام على الخطوط العريضة لتطور المذبحة السنية في سوريا منذ الخطاب اﻷول للجزار اﻷمريكي، والذي “شجع” السوريين على الثورة، حتى آخر مذبحة، مرورًا بالخطوط الحمر المعروفة و”بالعلاك الأوبامي” الذي أصبح ماركة مسجلة باسم الرئيس اﻷسمر.
ما سر الاجتماعات الأمريكية الروسية إذن؟
في أواخر الثمانينيات شاعت فكرة “تحالف القوة” وتتلخص في التفاهم ما بين “الاتحاد السوفييتي” البائد والولايات المتحدة، من أجل خلق سلطة دولية فوق أممية تتمتع بنفوذ غير محدود وتفرض نظرتها على العالم أجمع.
انهيار الاتحاد السوفييتي السريع أرسل هذا المقترح إلى سلة المهملات، وها هو يعود إلى الواجهة اليوم بعدما تغير العالم وصار من الممكن التفاهم بين المافيا الروسية والمجمع الاقتصادي العسكري الحاكم في الولايات المتحدة.
في الثمانينيات رفض “ريغان” ثم “بوش” اﻷب التفاهم مع السوفييت “الشيوعيين”، هذه الحجة لم تعد قائمة، فالاتحاد الروسي هو الآن دولة إمبريالية بامتياز، ونستطيع القول إن هناك درجة من “الاشتراكية” في الولايات المتحدة أكثر بكثير مما في المزرعة المسماة “روسيا” لصاحبها “بوتين” وشركاه.
ما الذي يمنع التفاهم بين ممثلي شكلين من المافيا واحد في روسيا والآخر في “واشنطن”؟ وما الضرر حين تتفق العصابتان على منح السوريين عيدية تمنح استراحة لطياري وزبانية كل من بوتين واﻷسد؟
من لديه شك في كون تعامل الروس واﻷمريكيين مع السوريين كأنصاف بشر عليه أن يتذكر أن السوريين يتعرضون لدرجة من الاحتقار والازدراء تفوق تلك التي تعرض لها اليهود أثناء المحرقة، لدرجة الضن على السوريين بمكالمة هاتفية يتيمة تقول للأسد أن يرحل ولو ليحل محله ضابط علوي أقل دموية وأكثر كفاءة.
نصف مليون شهيد وثمانية ملايين مهجر ودمار في كل سوريا، واﻷزعران الكبيران يريدان اﻹبقاء على ذات السفاح المسؤول عن هذه المذبحة! هل من الممكن التعامل مع السوريين بازدراء أكبر؟
إن كان اﻷزعران قد منّا على السوريين بهدنة فأين هي العيدية الواجب تقديمها للسوريين من قبل أمة المليار؟ وهل هناك أمة مليار أصلًا؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :