محمد جغيف
إن ما يحكى عن تعلم اللغة بأيام معدودة هو خرافة وفيه من الضرر ما فيه، إذ يجعل المتعلم يدور في حلقة مفرغة وسطحية مبعدًا إياه عن الأساسيات التي لابد من تعلمها، واللجوء إلى هكذا طرق ما هو إلا محاولة هروب من المتعلم الذي يكون دخل في ضياع الوقت أصلًا.
أولًا لا بد أن تخصص من وقتك 3 أشهر مكثفة لتعلم قواعد اللغة الأساسية وأساسياتها ولو بمعدل ساعتين يوميًا، وفي هذه المرحلة لا تقف عند شيء أبدًا، فقط اقرأ ولا تكترث بما تجده صعبًا فالوقت كفيل بمعالجته، واعتمد على التكرار فالوقوف عند شيء ما يجعلك تشعر بالملل وتعلم بطريقة كيف ولماذا؟ حتى في تعلمك للغة الأم فالفهم والتحليل يجعل تعلم اللغة شيقًا وممتعًا.
وعندما تبدأ بدراسة الثلاثة أشهر المكثفة اقرأ في الوقت نفسه كتابًا في اختصاصك باللغة التي تريد تعلمها إن كنت خريجًا جامعيًا، وإن لم تكن طالبًا جامعيًا بعد فاقرأ كتابًا كنت قد قرأته في لغتك الأم، طبعًا لا تنس أن تكمل الكتاب الذي ستقرأه للآخر بالإضافة لقراءة المقدمة.
ابتعد عن طريقة حفظ المفردات في تعلم اللغة فهي غير مجدية، وعليه يجب أن تقرأ متونًا وتعتمد على تكرار ما تقرأ، عندها فقط يكون لديك رصيد من المفردات بطريقة غير مباشرة وبدون أي جهد.
والقراءة تكسبك أسلوبًا أكاديميًا رائعًا في تركيب الجمل، وتطور أسلوبك في المحادثة أيضًا حتى في لغتك الأم، فليس من المنطق أن تجلس وتفتح قاموسًا من أجل حفظ الكلمات أو ما شابهه من الكتب.
ولا شكّ أن تعلم أن القراءة الصحيحة تؤدي للفهم الصحيح مجازًا وحقيقة، ففي اللغة مثلًا قد تقرأ كلمة عدة مرات ولا تستطيع أن تفهم معناها، على الرغم من أنها ليست بغريبة عنك، فتنتبه في إحدى المرات وإذ بك تقرأ الكلمة خطأ وهذا يحدث حتى في اللغة الأم، ومن الناحية المجازية القراءة الصحيحة لحدث ما تؤدي لفهم صحيح وحتى لنتيجة صحيحة، وعليه القراءة الصحيحة تؤدي للفهم الصحيح.
لا تخجل من التحدث حتى وإن تعرضت للسخرية بل حول الموقف لصالحك وأطلب من الساخر تصليح خطأك، لأن ما تتعلمه ههنا لن تنساه وأظهر دهشة بعد تصحيحه الخطأ وجاوبه بهذا الجواب: آه هكذا إذًا.. كنت أظنه شيئًا آخر، وابتسم من قلبك بوجنة محمرة.
ولكن قد لا تجد وسطًا من أصحاب اللغة تمارس معه المحادثة، وهنا عليك تشكيل مجموعة من رفاقك الذين يتعلمون معك وتتفقون ألا تتكلموا إلا باللغة المرادة، وقد تكون النتائج المرجوة أكثر وأنفع من المتوقع، لأن صاحب اللغة الأم يتعلم كثيرًا من التفاصيل بالفطرة، وعليه قد لا يستطيع أن يوصل لك الفكرة المطلوبة، بينما من خلال حوارك مع رفاقك وتبادل المعلومات قد تجمع تفاصيل تفيد منها كثيرًا وقد تستخدمها حتى في تعليمك للغة المقصودة.
لا تشغل نفسك بالتفاصيل التي لا يمكن أن تدرك إلا مع الوقت كمسألة اتقان الحروف الصوتية في بعض اللغات، ومنها اللغة التركية مثلًا، أو بما لم تجد له تفسيرًا في لغتك، فاللغة ثقافة وفي كثير من الأحيان قد نترجم أشياء من لغة ما للغتنا الأم ولا تعطي نفس المعنى أو الدلالة وتصبح غير دالة على المراد منها، وعليه يجب أن نبحث عما يقابله في ثقافة اللغة الأم وهذا يترك للوقت الذي سيتكفل بعلاجه.
اعلم أن إدراك قواعد اللغة الأم الأساسية يساعد في تعلّم اللغة الأجنبية بطريقة أكاديمية ويبسطها، وتعلم اللغة الأجنبية يساعد في فهم بعض ما غاب من اللغة الأم عن المتعلم، وإهمال هذا الأمر يحرم المتعلم من احترافية الترجمة.
لا تحرم نفسك من شم رائحة أوراق قاموس جيد أصلي ذي أوراق مصقولة ولا من متعة حمله في حقيبة صغيرة على كتفك، ولا سيما في الأشهر الثلاث الأولى، ولا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا نظرت إليها، ولا تنس عندما تنظر إلى كلمة أن تخطف ناظرك لاستعمالاتها الأخرى فأحيانًا قد تشغل الكلمة صفحتين أو أكثر في القاموس.
ولا تنس ما للاستماع من أهمية للتعلم، كما يجب أن تعيش حياة اللغة ولو مع نفسك أي أن تعيش اندماجًا كاملًا مع اللغة التي تريد تعلمها، وابتعد عن محاولات التعلم العارض والخاطف فهذا يجعلك تضيع وقتك وقد يفقدك إتقان اللغة إلى الأبد.
وأخيرا أقول: إنك أيها المهتم بالتعلم حقًا قد تجد عمومية في نصائحي، في الوقت الذي تبحث فيه عن شيء أكثر خصوصية، ولكن الخصوصية هي الجزء الذي تملكه أنت من خلال بدئك بالعمل وترجمة هذه النصائح إلى واقع، فلا أحد يستطيع أن يطعمك التعلم بالملعقة وإذا ما عملت بها ستوفر جهدًا ومالًا ووقتًا وستكتسب خبرة وتجربة ذاتية، وستكتشف أن تعلم اللغات لا يحتاج إلى معلم في ظل ما نملكه اليوم من وسائل، ومن يبحث عن الخصوصية التي ذكرتها هو العاجز.