عنب بلدي – خاص
بعد ثلاثة أساببع من المباحثات وعقد لقاءات واتصالات هاتفية ومشاورات، توصل أخيرًا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مع نظيره الأمريكي، جون كيري، إلى اتفاق حول الملف السوري.
الاجتماع الأخير بين الوزيرين بدأ، صباح الجمعة 9 أيلول، في فندق “President Wilson” الفاخر في جنيف، انضم إليهما لاحقًا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، واستمر لمدة 14 ساعة، ما يوضح أن نقاط الخلاف كانت كبيرة بين البلدين حول سوريا.
اتفاق أمريكي روسي بثلاثة بنود
بالرغم من أن التصريحات السياسية التي سبقت الاجتماع لم توحِ بقرب اتفاق الطرفين، خرج الوزيران ليعلنا عبر مؤتمر صحفي توصلهما إلى اتفاق من ثلاثة بنود حول الملف السوري.
وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أكد أن اللقاء توّج بتوقيع خمس وثائق، تضمنت وقفًا عامًا لإطلاق النار ابتداءً من منتصف، ليل 12 أيلول الجاري، وتحسين إمكانية وصول المساعدات، إضافة إلى الاستهداف المشترك للجماعات المصنفة على أنها “إرهابية” من الطرفين.
وأكد لافروف على إنشاء موسكو وواشنطن مركزًا تنفيذيًا مشتركًا، يعمل ضمنه عسكريون وممثلو أجهزة الاستخبارات الروسية والأمريكية وستكون مهمته الاتفاق على الجماعات “الإرهابية” والمتعاونة معها.
من جهته قال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، إن “حجر أساس” الاتفاق الجديد هو الاتفاق على أن الحكومة السورية لن تقوم بمهام جوية قتالية في المنطقة المتفق عليها بذريعة ملاحقة مقاتلين من جبهة “فتح الشام”، مشيرًا إلى أن ذلك سيضع نهاية للبراميل المتفجرة ونهاية للقصف العشوائي ويملك القدرة على تغيير طبيعة الصراع”.
وأكد الوزيران أن “الجانبين المتحاربين سينسحبان من طريق الكاستيلو الاستراتيجي في حلب لإقامة منطقة منزوعة السلاح بينما يتعين على جماعات المعارضة والحكومة توفير طريق آمن دون عوائق إلى جنوب المدينة عبر الراموسة”.
وقال كيري إن “ذلك يتطلب وقف جميع الهجمات بما في ذلك القصف الجوي وأي محاولات للسيطرة على أراض إضافية على حساب أطراف وقف إطلاق النار، يتطلب ذلك توصيلًا مستدامًا للمساعدات الإنسانية دون عوائق لكل المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها بما في ذلك حلب”.
الخارجية الأمريكية تطالب الرد من الفصائل المقاتلة
الخارجية الأمريكية أرسلت وثيقة إلى فصائل “المعارضة السورية المسلحة” تتضمن أبرز بنود الاتفاق النهائي، وطالبت الحصول على تأكيد من الفصائل باستعدادهم للالتزام بالاتفاق الموقع بين روسيا وأمريكا.
الوثيقة تضمنت طلب الخارجية من الفصائل التزامهم بالهدنة في جميع أنحاء البلاد اعتبارًا من الساعة السابعة مساءً، من يوم الاثنين المقبل.
وأكدت الخارجية أن مضمون الخطة الموضوعة في الاتفاق أن تستمر الهدنة لمدة 48 ساعة، وفي حال صمودها، بما يحقق رضا أمريكا وروسيا، تمدد إلى أجل غير محدد، مشيرة إلى أنه يجب أن تصمد الهدنة لسبعة أيام متتالية قبل أن تبدأ روسيا وأمريكا بأي تنسيق ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” وجبهة “فتح الشام”.
وفيما يتعلق بنقل المساعدات في حلب، أكدت الوثيقة أن المساعدات يفترض أن تدخل بشكل فوري من طريق الكاستيلو، على أن تبدأ القوات بالانسحاب حالما يتم وضع آليات المراقبة.
أما منطقة جنوب غرب مدينة حلب (الراموسة) فتعبتر مجمدة تمامًا من الاشتباكات بين قوات المعارضة والموالية للنظام السوري، اللذين يجب أن يضمنا وصول المساعدات بصورة آمنة إلى الجهتين الشرقية والغربية، وتسهيل الحركة الإنسانية والتجارية على طريق خان طومان في منطقة الراموسة.
وشددت الوثيقة على ألا تقوم قوات المعارضة أو الموالية للنظام السوري بشن هجمات داخل الراموسة، وألا يحاول أي الطرفين كسب أراض جديدة من الآخر في هذه المنطقة.
البند الرابع في الوثيقة كان حول تصنيف “الجماعات الإهابية”، فقد أكدت أن الاتفاق لا يسري على “تنظيم القاعدة” والذي كانت تمثله “جبهة النصرة” قبل أن تغير اسمها إلى جبهة “فتح الشام”، أو تنظيم “داعش” في سوريا على اعتبارهما منظمتان إرهابيتان يمكن استهدافهما اذا استمرت الهدنة، داعية الفصائل إلى تجنب التعاون مع جبهة “فتح الشام” الذي يمكن أن يكون له عواقب وخيمة.
أما فيما يخص البند الخامس فقد حثت فيه الخارجية الفصائل على الإبلاغ عن خروقات الهدنة، إضافة إلى الاستمرار في الدفاع عن أنفسها ضد الهجمات.
وأكدت الوثيقة أن “أمريكا تهدف عبر الاتفاق إلى وضع حد للعنف الذي يعاني منه الشعب السوري منذ فترة طويلة وهو القصف المدفعي والجوي من جانب روسيا والنظام على المدنيين والبنى التحتية، إضافة إلى أنها تهدف إلى تهيئة الظروف الملائمة لانطلاق عملية سياسية تفضي إلى الانتقال السياسي الحقيقي الذي يريده السوريون بشدة والذي يتمثل في سوريا جديدة دون بشار الأسد”.
المعارضة السياسية تؤكد عدم تسلمها لنص الاتفاق
“لا مفاجأة في جنيف، فاختزال اتفاق كيري- لافروف على حلب مع استهداف فتح الشام، وإعلان الاتفاق والفصائل ماتزال نائية عن الاندماج كان متوقعًا”.
الرئيس السابق للائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، خالد خوجة“الالتفاف على الاتفاق سهل وعلى أي فصيل يشعر أنه سيكون شماعة للأمريكان تقديم تنازلات أكبر”. صالح الحموي قيادي سابق في “جبهة النصرة”“يجب اندماج الفصائل وتشكيل حكومة إسلامية تقلب الطاولة على رؤوس الخونة” القيادي في حركة “أحرار الشام الإسلامية”، عبد الكريم الكردي
“بعد ساعات من اتفاق كيري لافروف في جنيف ، بشار السفاح يهدد أهالي المعضمية بالرحيل فورًا” عضو الهيئة العليا للمفاوضات، أحمد رمضان |
الهيئة العليا للمفاوضات السورية قالت، عبر موقعها الرسمي، إنها “لم تستلم أي نص رسمي عن الاتفاق الأمريكي الروسي، وأكدت أنه في حال استلامه ستجري دراسة تفاصيله ومعرفة آليات وضمانات تطبيقه، وقبل إعطاء أي رد رسمي ستجتمع الهيئة مع المكونات السياسية والمدنية وقيادات الجيش الحر والفصائل الثورية للتشاور في هذا الأمر”.
لكن عضو الهيئة، بسمة قضماني، قالت بحسب وكالة رويترز “إن المعارضة تشيد بالاتفاق في حال تم تطبيقه”.
وأضافت “أن المسؤولية تقع على عاتق روسيا لأن نفوذها (هو السبيل الوحيد لامتثال النظام)، وأن الاتفاق الأمريكي الروسي المقترح قد يضع حدًا في نهاية المطاف لمحنة المدنيين”.
وأشارت قضماني إلى أن “الفصائل المقاتلة مضطرة في ظل الحصار إلى التحالف مع القوى المتشددة، أما في ظل وقف إطلاق النار فتعود القوى المعتدلة إلى السيطرة”.
النظام السوري يوافق على القرار وتركيا ترحب
النظام السوري وافق على اتفاق الهدنة بين الطرفين الأمريكي والروسي، حسبما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن “مصادر مطلعة”، إذ أكدت أن “أحد أهداف الاتفاق الروسي الأمريكي هو التوصل إلى حلول سياسية للأزمة في سوريا”، مضيفة أن “الحكومة السورية وافقت على الاتفاق الذي تم بعلمها ووافقت عليه”.
من جهتها رحبت الخارجية التركية بالاتفاق الذي يهدف إلى تأسيس وقف شامل لإطلاق النار في سوريا، واعتبرت أن الاتفاق “يشكل أهمية بالغة بالنسبة لوقف الاشتباكات في عموم سوريا، وخاصة في مدينة حلب، بالإضافة إلى إيصال المساعدات الإنسانية بأسرع وقت”.
من جانبه أعرب المبعوث الأممي، دي ميستورا، عن أمله في أن “يسهم الاتفاق بالبحث عن حل سياسي للأزمة السورية”.
في حين دعا وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، روسيا إلى “استخدام كل نفوذها لضمان التزام الحكومة السورية ببنود الاتفاق الذي توصلت إليه مع واشنطن، مشددًا على ضرورة “إيفاء النظام السوري بالتزاماته”.
رصدت عنب بلدي تحليلات وآراء بعض المواطنين في إدلب وحلب وحماة، والتي نشرها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول الاتفاق الروسي الأمريكي.
البند الأول: محاولة أكثر حدّة لكبح فصائل المعارضة ومنعها من فك الحصار عن مدينة حلب مرة أخرى، وإبقاء نحو 300 ألف مواطن من أهالي الأحياء الشرقية تحت رحمة المتنفّذ المسؤول عن “الكاستيلو”، وهنا لا مكان للثقة بالأمم المتحدة ومبعوثها لتجارب سابقة.
البند الثاني: استئصال وضرب فصائل المعارضة المنضوية في “جيش الفتح” بحجة تعاونها مع جبهة “فتح الشام” التي باتت فعليًا ومن اللحظة تحت مرمى نيران الروس والأمريكيين على حد سواء، وهو ما قد يؤدي إلى مجازر بحق المدنيين بحجة وجود الجبهة، ومجزرة إدلب اليوم مثال واضح.
البند الثالث: غض النظر عن عمليات الأسد في محيط العاصمة وحمص، باعتبارها تدخل ضمن أراضي “سوريا المفيدة”، ووفقًا لذلك قد نشهد عمليات تهجير وتفريغ على غرار داريا، والأمثلة كثيرة هنا نختصرها بمعضمية الشام غرب دمشق والوعر في مدينة حمص.
ووفقًا للبنود الثلاثة، فإن الأيام المقبلة ستكون أكثر دموية وعنفًا، بإعطاء واشنطن ضوءًا أخضر للروس بالوصاية على الشمال والجنوب، بينما تتفرغ هي وحلفاؤها لمعركة الرقة، والتي إن نجحت ستكون مكسبًا سياسيًا للأمريكيين ليس إلا.