مراد عبد الله – عنب بلدي
لم يمض أسبوعان على تفريغ مدينة داريا في الغوطة الغريبة من سكانها ونقلهم إلى إدلب في شمال سوريا، عقب الاتفاق بين مقاتليها والنظام السوري، حتى عاد مشروع “تنظيم 66″، خلف مشفى الرازي، إلى الواجهة، وسط حشدٍ واهتمامٍ من وسائل الإعلام المقربة من النظام، تفيد بإسراع تنفيذه.
زيارات مسؤولي النظام الأخيرة وعلى رأسهم رئيس الحكومة، عماد خميس، لمقر المشروع وتوجيههم بتسريع التنفيذ في الفترة المحددة له، يكشف عن اهتمام غير مسبوق، بعدما ذكره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مرتين في خطاباته، وأنشأت محافظة دمشق صفحات خاصة للمشروع على مواقع التواصل الاجتماعي باسم “تنظيم شرق المزة”.
بدايات المشروع واهتمام النظام
المشروع بدأ الحديث فيه فعليًا في 2006، وتم وضع مخطط يبدأ بالمزة الشرقية باتجاه مزارع الصبار خلف الرازي، والليوان والحبال، انتقالًا إلى أول منطقة من داريا ليتم ضم أجزاء من المدينة بعد ذلك على مراحل.
المشروع خطط له من قبل جهات عدة كان على رأسها جهة إيرانية، إضافة إلى مخطط المشروع الفعلي وهو رئيس هيئة التخطيط سابقًا، عبد الله الدردري، الذي كان يملك تصورًا بتحويل سوريا إلى سوق عقاري كبير، بالتحول نحو الاستثمار وجلب رؤوس الأموال، ما يؤمّن فائدةً للشخصيات الاقتصادية والنافذة في النظام السوري.
إلا أن العمل الجدي في المشروع بدأ في عامي 2008 و2009، عندما تحول من مخططات إلى مجسّم كبير للمنطقة، كان موجودًا لدى سامر قلعي، مدير مكتب رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، وكان المجسّم يضم فللًا وفنادق، إضافة إلى أكبر مشفى في الشرق الأوسط، وسوق تجاري، وبرجين كبيرين يقارب شكلهما البرجين الموجودين في ماليزيا، بحسب ما نقله الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، المطّلع على تفاصيل المشروع.
وبالرغم من توقف المشروع في 2010 وانطلاق الثورة السورية، أصدر الأسد، في 2012، المرسوم رقم 66 الذي ينص على إحداث منطقتين تنظيميتين في نطاق محافظة دمشق ضمن المصور العام لمدينة دمشق، وتشمل المنطقة الأولى تنظيم منطقة جنوب شرق المزة، والثانية تشمل تنظيم جنوبي المتحلق الجنوبي من المناطق العقارية “مزة – كفرسوسة – قنوات بساتين – داريا – قدم”.
كما خرج الأسد، في آذار 2016، برفقة مسؤوليه ليضع حجر الأساس للمشروع معتبرًا أنه أحد الروافد الاقتصادية وأولى محطات إعادة الإعمار، قبل أن يخرج رئيس الحكومة، عماد خميس، الأسبوع الماضي، ويعلن عن تقديم قرض بعشرين مليار ليرة سورية مقدمة من المصرف التجاري السوري، بهدف تسريع تنفيذ المشروع.
عقبة إخراج السكان.. والثورة “هي الحل“
بداية الإعلان عن المشروع واجه النظام السوري عقَبة إخراج السكان من منازلهم، وقضية شراء الأملاك من أصحابها خاصة بعد احتجاج الأهالي قبل الثورة السورية.
فأصدر النظام، أواخر 2011، قرار الاستملاك وطلبت محافظة دمشق من سكان المنطقة تثبيت ملكيتهم للعقارات، كون المنطقة هي زراعية، فبدأ أهالي المنطقة بتثبيت ملكيتهم، مع تقديم وعود لهم من قبل النظام بمنحهم شققًا في التنظيم الجديد، لكن هذه الإجراءات شهدت مماطلة وغابت الضمانات بمنح الشقق الجديدة، ما شكّل هاجسًا لدى السكان من أنهم سيحرمون التعويضات أو المنازل البديلة.
الثورة السورية كانت فرصةً للنظام السوري، بحسب الباحث يونس الكريم، عندما وجد فيها حلًا لمشكلة إخراج السكان دون حسيب أو رقيب، عن طريق مداهمات المنازل واعتقال كثير من شباب المنطقة وقتلهم داخل السجون، بالرغم من عدم وجود مظاهر مسلحة في المنطقة أو خروج مظاهرات سوى بشكل بسيط لا يستدعي هذا العنف، لكن هدف النظام كان تخويف السكان ودفعهم إلى إخلاء منازلهم ورحيلهم عن المنطقة، وبالتالي السيطرة عليها.
أما من بقي منهم فقد تلقى في 2015 إنذارًا من فرع الأمن العسكري 215، بإخلاء منازلهم الواقعة في بساتين حي المزة، خلف السفارة الإيرانية، ومشفى الرازي، خلال مدة أقصاها شهران، تحت تهديد فرع الأمن بهدمها بعد انتهاء الفترة المحددة للإخلاء، ليبدأ بعدها تجريف الأراضي على مساحات واسعة.
أهداف تجارية وسياسية
أهداف عديدة أرادها النظام من مشروع “تنظيم المزة”، أولها تجارية، فالمشروع يعتبر استثمارًا ضخمًا، إذ يحصد النظام السوري عائدات مالية كبيرة بعد بيع الأراضي أو استثمارها من قبل رؤوس الأموال العربية والإيرانية بالمليارات، بعدما سلبها من أصحابها أو اشتراها بثمن قليل.
أما الهدف الثاني للمشروع فهو التغيير الديموغرافي الذي يسعى إليه النظام في المنطقة عن طريق تهجير سكانها الأصليين، واستبدالهم بعائلات من أطياف أخرى، تحت حجة إعادة الإعمار، بحسب الكريم.
وهذا ما بدا جليًا بتفريغ مدينة داريا من سكانها الأصليين، وتصريحات وزير الإدارة المحلية والبيئة في حكومة النظام السوري، حسين مخلوف، الذي أكّد أن جزءًا من المدينة سيدمج ضمن مشروع الأبراج خلف مشفى الرازي.
وجاءت تصريحات مخلوف بعد زيارة قائد لواء “الإمام الحسين” العراقي في دمشق، أمجد البهادلي، لداريا وصلاته أمام مقام “السيدة سكينة”، في رسالة عن بدء اتخاذ المقام مقصدًا للإيرانين والعراقيين من الطائفة الشيعية، وهذا ما كشفته صحيفة “الشرق الأوسط” حين تحدثت عن نقل 300 عائلة عراقية إلى داريا.
وعن علاقة مشروع “تنظيم المزة” بمدينة داريا، أكد الكريم، أن إيران عملت على اختراع كذبة وجود مقام “السيدة سكينة”، من أجل جذب المواطنين والتجار الإيرانين، وتملكهم لعقارات في داريا وما حولها، ومشاركتهم في مشروع التنظيم الذي يقع ملاصقًا للسفارة الإيرانية بشكل مباشر.
المقام الذي بدأ إنشاؤه عام 2003 لم يكن معروفًا قبل سنة 1999، ويعتبر دخيلًا على داريا، ويقول أهالي المدينة إنه يعود لقبر امرأة تسكن في المنطقة، التي كانت نائيةً عن وسط المدينة، بينما يذهب آخرون إلى أنه قبر “كلب” لرجلٍ يدعى “أبو صادق”.
وهو ما يكسب التنظيم الجديد بعدًا سياسيًا ودينيًا لرجال الأعمال الإيرانيين ويحفزهم على الدخول فيه، كما فعلوا في السيدة زينب عندما قاموا بشراء العديد من البيوت المحيطة بالمقام، ذات الطابع الأثري، كما تملكوا العديد من الأبنية المحيطة به بالإضافة لعدد من الفنادق، ومن بينها فندق “سفير السيدة زينب”.
وفي منطقة العمارة الدمشقية “سيدة رقية” أغدقوا مئات المليارات عليها وأصبحت مقصدًا للحجاج الإيرانين، وهو ما تقول المعارضة السورية إنه يهدف لتغيير التركيبة السكانية في تلك المناطق، وصبغها بمذاهب دخيلة.
مخطط المشروع:تبلغ مساحة المنطقة الأولى من المشروع حوالي 214 هكتارًا وتشمل كفرسوسة والمزة، وتم تسميتها حاليًا “جنوب شرق المزة” للتعريف بها ولسهولة التعامل الفني، وتضم المنطقة 186 برجًا سكنيًا بارتفاعات تبدأ من 11 طابقًا، وتصل حتى 22 طابقًا، و33 محضرًا استثماريًا بارتفاعات تصل إلى 50 طابقًا. كما يضم 17 منشأة تربوية تشمل المراحل التربوية كافة، و12 مركز خدمة إداري للاستخدامات الحكومية والبلدية الخاصة بمنطقة التنظيم، وخمس دور للعبادة ( كنيسة واحدة وأربعة مساجد)، وأربعة محاضر كمراكز للجهات العامة والحكومية، وأربع محطات وقود، ومركزين صحيين. ويضم المشروع أكبر مول تجاري في سورية بمساحة 97,000 متر مربع وبارتفاع أربعة طوابق، وأول سوق تجاري مركزي متكامل وتجاري، إضافة إلى أكبر مدرج بالهواء الطلق للعرض المسرحي أو السينمائي بالعاصمة دمشق، وثلاثة أبراج تتصل مع بعضها بالطوابق العليا ويبلغ ارتفاع أعلاها 50 طابقًا، والبقية 40 طابقًا وهي للاستخدامات الفندقية والتجارية. |