جريدة عنب بلدي – العدد الثالث عشر – الأحد – 29/4/2012
مذ بدأت ثورة كرامتنا ونحن نسمع المتظاهرين يرددون «الله أكبر.. الله أكبر ع الظالم»، وكلما سمعها ذاك الظالم زاد ظلمًا، وعاث في الأرض فسادًا أكثر فأكثر، بل وزاد طغيانًا فطلب من المتظاهرين أن يسجدوا لصورة إلههم بشار، متحدّين حتى رب العباد بقدرته على إبادتهم، وكذا سمعنا عن الاقتحامات التي تكرر حصولها لبيوت الله، وعن التنكيل بالمصلين، وحرق المصاحف، وتدمير المآذن.
وحصلت مثل هذي الحال في داريا أكثر من مرة، إذ سجل الأهالي أكثر من حالة اقتحام للمساجد، وتدمير لمحتويات المسجد، واعتقال المصلين من صلاة الجمعة، بل وانتظارهم بعد مداهمة المسجد خارجًا ريثما يخرجوا فردًا فردًا لمنعهم من التظاهر.
وفي يوم الجمعة 13 نيسان 2012م، داهمت قوى الأمن والمخابرات الجوية وميليشيات جميل حسن مسجد أنس بن مالك في داريا، وذلك لمنع المصلين من التظاهر، ويروي أحد المصلين الذي كان حاضرًا يومها، ما إن خرجنا من المسجد، حتى بدأ أحد المصلين بالتكبير من الباب الرئيسي للمسجد، في الوقت الذي أصم آذاننا صوت ذاك القناص الذي اقتفى أثر أحد رجالات داريا الطيبين فور خروجه من المسجد، وتوجهه نحو بيته الذي لا يبعد سوى خطوات عن المسجد ذاته، لتدخل الرصاصة في قلب ذاك الطيب، ولتمنع قوى الأمن البقية من إسعافه، حتى تسنى لأحدهم بنقله في عربة بثلاث عجلات (شاحنة) إلى أحد البيوتات لإسعافه، ولكن شاء المولى أن يتوّجه شهيدًا، إذ قضى نحبه متأثرًا بجراحه.
وعرفنا أن ذاك الطيب الشهيد هو عبده خولاني الملقب (أبو عدي)، ويُذكر أنه قد سبق واعتقل من قبل المخابرات الجوية، بعد مداهمة مزرعة كان يجلس بها ورفاقه، إذ اعتقلوا كل من في المزرعة، ثم أفرج عنه بعد عدة أيام، ثم ليخرج يومها لصلاة الجمعة فيقترف بنظر النظام السوري جريمة تستدعي أن يتم قنصه ورميه أرضًا يقطر دمًا، ثم ليوراى الثرى عليه ودون أن يسمح لأهالي داريا بتشييعه، إذ تم دفنه تحت تخوف أهله من التواجد الأمني في داريا يومها.
في مجلس العزاء تجلس الأم المكلومة التي باتت لا تدري ما يحصل حولها، ترى هل الفقيد ابنها، أم ابن كبدها وضوء عينها؟! والزوجة الأرملة التي ما أن تستفيق من غيبوبتها لتتناول دوائها حتى تدخل في أخرى، والابنة الوحيدة إذ باتت يتيمة، لا تدري أين تجلس بجوار جدتها فتمسح دمعها، أم بجوار أمها تنتظرها ريثما تصحو من غيبوبتها، أم بجوار صورة أبيها مع قرآنها الذي لم يفارق يديها، علّ المولى يجعل آياته بلسمًا يداوي جراحها، ويُنسيها ذاك المشهد ووالدها غارق بدمائه، وهي ما فتئت تردد عبارة «حتى صلاة الجمعة في وطنني الذي يحكمه المجرمون باتت جريمة»، ونسوة جلسن يتبادلن عبارات التعزية، ورددن تضرعات للمولى أن ينصرنا على الظالم، وكل واحدة منهن تقول»الله أكبر ع الظالم»، وإحداهن تقول لأخرى ليته بقي معتقلاً، فيأتي يوم ويخرج من المعتقل، فتجيبه الأخرى على عجل، بل الحمد لله أن اختاره مع الشهداء، هكذا يطمئن قلب أهله إذ أودعوه أمانة عند الباري، ليس بيد الظلام الذين لا يخافون حتى المولى.
مشهد الشهيد ملقى على الأرض، كادت أن تذهب بأبصار بل وألباب من رآه وحتى من سمع عنه، فتقبل اللهم شهيد داريا في عليين، وأبدله اللهم بدار خيرًا من داره، وألهم أهله الصبر والسلوان…