أسوأ ما يحدث للصحافي، أو للكاتب، أن تطغى قناعاته وعواطفه الشخصية على رؤيته للأحداث. عندها لا يعود قادرًا على الموضوعية التي يفترض أن تريحه قبل سواه.
عندما فاز باراك أوباما رجوت الكتّاب العرب أن يمنحوه فرصة عامين على الأقل قبل أن يبدأوا في تعليمه ما يجب أن يفعله. وكنت متفائلاً جدًا بأنه يحمل من العالم الذي جاء منه رسائل وتأثيرات إنسانية سوف تغير في ملامح أميركا داخليًا وخارجيًا. ومر العامان الأولان، عليه وعلينا، بالخطابة والفصاحة، وعندنا منها الكثير. وما يكفي العالم أجمع من فائض.
قلنا: فلننتظر عامين آخرين. وانتظرنا. أي نحن الذين كنا نرى فيه رئيسًا مختلفًا عمن سبقه، خصوصًا عن سلفه المباشر جورج دبليو، صاحب أسوأ سجل في تاريخ الرؤساء الأميركيين. وبصراحة أكثر، أو بطفولية أكثر، كنا نحلم بأن أوباما سيكون لينكولن الأسمر بين الرؤساء.
مرت ولايته الأولى فارغة وخطابية واستعراضات. واستهلك الثانية في مزيد مما سبق. سبات في الأولى وسبات في الثانية.
سلَّم العراق الجريح لنوري المالكي في احتفال في «المكتب البيضاوي». وتجاهل، بكل ديمقراطية، فوز إياد علاوي بالانتخابات. وسلم سوريا إلى الفوضى والخراب و«السوخوي». واكتفى من الإنسانيات بمصالحة كرنفالية في كوبا، وزيارة سينمائية إلى هيروشيما، وأقام مهرجانًا لعودة الديمقراطية إلى بورما، ميانمار.
آخر إنجازاته أنه صنع، منفردًا، دونالد ترامب. بعد ثماني سنوات من البلادة والخطب السقيمة، بحث «الجمهور» الأميركي عن رجل أطلق على نفسه لقب «الحيوية». ولا شك في ذلك. إنه يحارب جميع الطواحين بعد ثمانية أعوام من رجل لا لون ولا طعم ولا رائحة. كتابه عن الشجاعة كان عدة الوصول، فلما وصل إلى أعلى ما يطمح إليه أميركي، قرر أن الانزواء هو الحل. والتخلي عن الحلفاء التاريخيين هو المبدأ. والتحالف مع خصوم يهزأون به وببلاده كل يوم هو غاية الدبلوماسية.
وقد وفّق برجل عريض المنكبين، رياضي المظهر، حسن النية، سلمه وكالة «التفليسة». ولا يزال يخطب. وسوف يظل يخطب بعد فوز ترامب، ويتقاضى عن كل فصاحة فارغة، ثروة مضافة لا قيمة لها.