هدفي الأول والأخير تطبيق الشريعة الإسلامية، هكذا صرح خيرت الشاطر مرشح الإخوان في مصر، قبل رفضه من قبل اللجنة المسؤولة عن مرشحي الرئاسة، فلماذا صرح الشاطر بذلك؟
أتوقع أن الشاطر ليس عنده شك أن تطبيق الشريعة يعني تطبيق العدالة من وجهة نظره، ومن وجهة نظر الغالبية العظمى من المسلمين، فالعدل والعدالة هما أس الدين الإسلامي وأسمى مبادئه، ولكن يبقى تصور كل إنسان وكل حزب وكل طائفة عن الشريعة هو القضية الأساسية ومحور الحديث.
هل يعني تطبيق الشريعة عند الشاطر وغيره، المساواة بين كل المواطنين في الحقوق والواجبات؟ هل تعني الشريعة السعي نحو دولة مواطنين، يكون الإنسان كمواطن هو محور الاهتمام كما هو في الدول الغربية وأمريكا؟ هل تعني الشريعة أن كل المواطنين متساوين أمام القانون، ولن يتم التمييز بينهم مستقبلًا، بناءً على الانتماء والعرق والدين؟ هل تعني الشريعة مساواة الرجل والمرأة كما نصت عليها مواثيق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، أم أن هناك الكثير من الفروقات؟ وهل يعني تطبيق الشريعة على كل مواطني مصر فرضًا (مسلمين وأقباط) شيئًا من عدم العدالة والمساواة؟ وهل يعني نص الدستور في دولة ما، من أن دين رئيس الدولة يتبع للأغلبية، هل يعني ذلك أيضًا أنّ هذا هو حكم الشريعة؟ وهل يعني ذلك شيئًا من عدم العدالة أو مقدار أقل من المساواة بين المواطنين، حتى لو كانت هذه المسألة مطبقة في كثير من الدول الغربية بهذا الشكل.
نحن المسلمون نقول، وعندنا قناعة داخلية راسخة أن الدين والشريعة الإسلامية يقومان أساسًا على العدل، وسر إطلاق صفة الرشد على العصر الراشدي، كانت نابعة أساسًا من عدل الخلفاء الراشدين بين رعيتهم، ومساواة أنفسهم مع أفقر وأبسط الناس المتواجدين على تلك الأرض التي حكموها.
دعونا نرى سريعًا، بعض ما جاء في القرآن حول مسألة العدالة:
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى… إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي … لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط …) وهذه النوع من الآيات يتكرر كثيرًا في القرآن من أوله إلى آخره.
وتحدث القرآن أيضًا عن الأنبياء الذين قتلهم أبناء قومهم لأنهم دعوا إلى العدل والقسط (ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس …)
من هذه النصوص وغيرها كثير، تشكل وعي إسلامي راسخ أن العدل كمبدأ هو فوق كل المبادئ، حتى لو كان تطبيقه للأسف مقتصرًا على فترة بسيطة جدًا من عمر الفترة التي حكم فيها المسلمون، ودالت لهم الدنيا.
من وحي هذا المبدأ خلّد التاريخ قصة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، عندما طلب من المصري القبطي أن يقتص من ابن القائد العسكري المعروف وداهية العرب، عمرو بن العاص، عندما ضربه، وقال عبارته الخالدة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟.
وبسبب سمو هذا المبدأ (مبدأ العدالة)، أصبح الناس يرددون مع فقهائهم، بقناعة ومن دون تفكير: العدل أساس الملك، لأنها كانت تجربة معاشة دائمًا، تذهب وتعود لتستقر في اللاوعي الإنساني.
لذلك وجب علينا أن نسأل، هل كان رشد الخلفاء الأربعة الأُول، مضافًا إليهم الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز، هل كان رشدهم مصدره تطبيق الشريعة أم تطبيق العدل بين الناس؟ ألا تطبّق بعض الدول العربية والإسلامية الشريعة(حسب مذهبها) والعدل ضائع بين الناس؟! هل جاء الرشد عندما طبقت الحكومات الشريعة رغم غياب العدل والمساواة والحرية وغيرها من المبادئ الإسلامية السامية؟
ألا تتجه الحكومة التركية (حكومة العدالة والتنمية)، على سبيل المثال، نحو الرشد، بسبب تبنيها لسياسة عادلة قائمة على تطبيق المساواة ومبدأ المواطنة مع شعبها؟ ولو كانت تبنّت تطبيق الشريعة فرضًا، مع غياب هذه المفاهيم الإسلامية، ماذا كانت النتيجة؟ نستطيع أن نقول كلنا، لا شيء، سوى استمرار الفشل.
نعود للشاطر ولكل من يعلن أن تطبيق الشريعة هو الهدف الأول والأخير. نعم العدل والمساواة والحرية والثورة على الطاغوت والاستبداد، هي من أعز مبادئ ديننا، وعليها يقوم أي فهم صحيح وناجح للشريعة في عصرنا الحالي، ولكن لا يصح أن يكون إعلان تطبيق الشريعة هو الهدف الأول والأخير(على الأقل سياسيًا)، ومفاهيم العدالة والمساواة والحرية والكرامة لم تتأصل بعد في المجتمع، ولا يصح المناداة بها ولم يتشرب المسلمون بعد تلك المبادئ بشكل واضح في حياتهم.
علينا ألا ننسى أن كل طرف إسلامي يطرح فهمًا وتطبيقًا معينًا للشريعة. وبناءً على ذلك، كيف سيستقبل السامعون مثل هذا التصريح، ولا يوجد شيء عملي قادر على طمأنة الناس، ليس الأقليات فحسب، بل وطيف ليس قليل من الأكثرية.
إلى ذلك، فإن رفع شعار (العدالة أولًا) على سبيل المثال، هو من روح الثورة وفي جوهرها، وهو ما ثارت من أجله ملايين الناس، وعليه أن يبقى الشغل الشاغل لجميع القوى السياسية، لا أن تبدأ كل قوة تبحث عن الشعار الذي يحشد الناس أكثر.
نشعر للأسف أن استغلال كلمة الشريعة والدين الإسلامي وكل المفاهيم المقدسة، بدأت تظهر بقوة في الحملات الانتخابية، فالمهم أن نجيّش الناس في صفوف مرشحينا. وللأسف وبسبب تخلف طويل عن الركب الحضاري والفكري، فسوف تجد الأحزاب والقوى الطامحة للسلطة، جيوشًا من المواطنين الذين يتحلقون نحوها، أملًا منهم أن يعكس هؤلاء المرشحون قداسة ديننا العظيم على أرض الواقع، ولكن سوف يتفاجأ الكثيرون، أن ما قد تم الإعلان عنه، غير قابل للتحقيق، أو أنه سيواجه الكثير من الصعوبات الضخمة، داخليًا وخارجيًا. وسيسقط كل من لا يلبي طموح الناس في الحرية والكرامة، مهما ادعى من شعارات. ويبقى الإسلام أسمى مما يعكسه الكثير من المرشحين والمتنافسين على السلطة.
في قصة كتبها أحمد الصاوي بعنوان، حتى لا نستبدل السجان، حول الصحفي الإيراني هوشانج أسدي، الذي كان مسجونًا مع مرشد الثورة الحالي علي خامنئي في زمن الشاه، يقول: لا تصدق داعيًا للديمقراطية إلا بعد أن تشاهد تجربته في السلطة ، لأن هذه اللعينة (السلطة) غيّرت الشيخ التقى الورع الذى كان يبكى أثناء الصلاة ، وجعلته جلادًا في نظام لم يتورع عن استخدام كل أساليب القمع والتعذيب. فليس كل من يقول (لا إله إلا الله) يصلح لتطبيق العدل الذى هو جوهر الشريعة الإسلامية، وليس كل من يتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان يمكن أن يكون أميناً على هذه القيم ، وإلا سيظل الأبرياء يذرفون الدموع انهارًا، لا تجف أبدًا .
ونحن نقول، أنه ليس كل من رفع شعار تطبيق الشريعة استطاع تحويل بلده إلى جنة الخلد، أو مملكة السماء.
ليذهب كلٌ منّا أولًا، أفرادًا وجماعات، أحزابًا وهيئات، ويرينا كيف يعيش الإسلام نموذجًا يحتذى، ويطبق برنامجه على ذاته أولًا، ويرينا الإسلام مجسدًا وليس مجرد شعارات. عندها سوف يرى الناس ما يمكنهم أن يختاروه حقيقةً، ومن دون استغلالٍ أو مزاودات.