عنب بلدي – الغوطة الشرقية
“أنا هلأ بالصف الأول بس لازم كون بالصف الثالث“، يقول الطفل سليم نصري، وهو طالب متسرّب يتلقى تعليمًا مسرّعًا في مراكز الغوطة الشرقية، بينما يحاول الطفل محمد رضا، من الصف الثاني سد ثغرات ونقص العام الدراسي الماضي ضمن مراكز التعليم الصيفي.
لم يستطع الطفل نصري التسجيل في مدارس الغوطة، “لأن بيتنا بعيد وبشتغل مع أبي بالأرض”، كما يقول لعنب بلدي، مشيرًا إلى أنه وعائلته تنقلوا مرات عديدة بعيدًا عن القصف، ليستفيد مؤخرًا من مراكز التعليم المسرّع، “عم يعلمونا نكتب ونقرأ وكيف نعرف
“التعليم المسرع” هو مشروع بدأت به مديرية التربية والتعليم في الغوطة الشرقية (المحاصرة) في حزيران الماضي وينتهي منتصف أيلول الجاري، وتقول إنه لاحتواء الطلاب المتسربين وبعض الراسبين، واستفاد منه آلاف الطلاب والطالبات، كأول تجربة من نوعها في الغوطة. |
نحسب، وبيتنا صار قريب من المدرسة، بعد ما انتقلنا لدوما لأن النظام احتل أرضنا بمنطقة الحواش”.
نصري طالب من حوالي 5600 آخرين سجّلوا في مراكز الغوطة التي تتبع لمديرية التربية، وتنتشر في كافة مدنها وبلداتها، ويقول راتب العلي، مدير قسم الشؤون الإدارية، في المديرية، إن المشروع بدأ حزيران الماضي وموّلته مؤسسة “الشام” التعليمية، التي تهتم بالطفولة داخل المدارس، وأمّنت كامل النفقات التشغيلية للمشروع.
يستهدف التعليم المسرّع الطلاب المتسربين والراسبين ضمن الحلقة الأولى (من الصف الأول إلى الرابع)، ويستفيد منه قرابة 4200 طالب، وفق العلي، الذي عزا نقص العدد لتوقف أكثر من 12 مركزًا عن الخدمة بشكل نهائي (بداخلها حوالي 1200 طالب)، بسبب القصف على المناطق الشرقية للغوطة في كل من ميدعا وحوش نصري وحوش الضواهرة والشيفونية وميدعاني وأوتايا وغيرها.
تعتبر البلدات السابقة من المناطق الفقيرة في الغوطة، وسجّلت أكبر عدد من الطلاب الراغبين بالالتحاق بمراكز المديرية، ويضيف مسؤول المشروع أن مراكز القطاع الأوسط وعربين (خمسة مراكز) وحرستا (ثلاثة مراكز) ودوما ومسرابا، احتوت بعضًا ممن نزحوا منهم، ولكن ليس الجميع.
ولأن هذا النوع من التعليم يحتاج لاختصاصيين وذوي خبرات، يستطيعون التعامل مع الطالب المتسرب، ضمّت المراكز كوادر مؤهلة، فالتعليم العادي يركز على كامل المواد بالتساوي، بينما يركز التعليم المسرّع على ثلاث مواد: اللغتين العربية والإنكليزية ومادة الرياضيات، وهي أهم مواد تمنح الطالب مهارات كالقراءة والكتابة والحساب، بحسب العلي.
لم يبدأ المشروع بدون تخطيط، إذ وضعت الكوادر المختصة خطة لمنهاج التعليم، بعد إلغاء الحشو والتكرار، والتركيز على المواضيع الأساسية التي تفيد الطلاب في المواد الثلاث، آخذين بعين الاعتبار قصر مدة المشروع، بينما يخضع الطلاب لدروس مكثفة وامتحان شهري، ويشير العلي إلى أن المديرية ستجمع حصيلة امتحانات الأشهر الثلاثة في نهاية المشروع، وعلى أساسها تحدد نسبة نجاح ورسوب الطلاب، إذ لن ينجح إلا من يستحق.
“يمكن أن يركز المدرس اهتمامه على بعض الطلاب المميزين في التعليم العادي، لكن الوضع مختلف هنا فالشريحة الطلابية في نفس السوية”، ينوّه مدير المشروع، لافتًا إلى أن أربعة مشرفين تربويين يشرفون على عمل المشروع ضمن قطاعات الغوطة، ويقدمون تقارير دورية لمديرية التربية.
يمنح المشروع فرصة للطالب للالتحاق بزملائه، وأكد العلي أن هناك دراسة لتطوير المشروع حسب الإمكانيات، لاستهداف صفوف أعلى كالمرحلة الإعدادية، وليشمل عامين دراسيين بدلًا من عام واحد حاليًا، متمنيًا أن تستطيع المديرية تأهيل مراكز خاصة، “أي مدرسة كاملة تضم طلابًا متسربين من الصف الأول حتى الثامن على سبيل المثال”.
التعليم الصيفي لسد النقص لدى الطلاب
الطفل رضا نجح إلى الصف الثاني وسجلته والدته في مركز للتعليم الصيفي، ويزور المركز يوميًا ليتعلم ويلعب ويرسم مع أصدقائه، “لما بكون في قصف كثير ماما ما بتاخدني على المدرسة مننزل على قبو البناية”، يقول لعنب بلدي.
ستون مدرسة في الغوطة الشرقية استقبلت طلابًا وطالبات ضمن المشروع حتى نهاية آب الماضي، حين انتهى المشروع، ويقول مدير المشروع هشام حوا، إن حوالي 7500 طالب، تلقوا تعليمًا ونشاطات مختلفة على يد 800 مدرّس ومدرّسة، إضافة إلى إداريين، وثلاثة فرق للدعم النفسي.
“كان الطلاب في فترة الصيف قبل الثورة يخرجون عن جو الدراسة، وهذا لم يعد متوفرًا اليوم، إذ أجبرت ظروف الغوطة على تعويض النقص لدى الطالب تعليميًا، إلى جانب أنشطة ترفيهية داعمة توفرها مراكز المشروع، كالأنشطة الرياضية والفنية والعلوم التطبيقية.
يستهدف المشروع الطلاب من الصف الأول وحتى الثامن، “لأن التاسع والصفوف العليا يركز فيها الكادر التدريسي على التعليم ويقلل الأنشطة”، وفق حوا، ويشير إلى أنه استمر على مدار شهرين، بدءًا من تموز الماضي، “لأن العام الدراسي الجديد يبدأ خلال أيلول الجاري”.
وليس كادر التعليم الصيفي كالمسرّع، إذ عانى من نقصِ خبرة المدرسين، على حد وصف حوا، إلا أن من وصفهم بالمدرسين “الأكفاء” حاولوا سد الثغرة بتدريب المدرسين الأقل خبرة وفق برامج تدريبية قبل بدء المشروع.
ويرهن الكادر التعليمي في الغوطة الشرقية استمرار هذه المشاريع، التي وصفوها بـ”المهمة”، بالقدرة المالية ككل النشاطات الأخرى ضمن الغوطة المحاصرة، داعين إلى أن تتضافر كامل الجهود لإنقاذ شريحة الأطفال تعليميًا، رغم أن القصف يمثل صعوبة أخرى، إذ خرجت بعض المراكز عن الخدمة خلال الأشهر الماضية، ما منع بعض الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المراكز.