بهار ديرك – عنب بلدي
ليس حال المسنين في محافظة الحسكة، أفضل من باقي الفئات العمرية، وخاصة في ظل الأوضاع التي تعيشها المحافظة حاليًا، وباعتبارهم الفئة الأكثر عددًا ضمن الحسكة، وفق آخر الإحصائيات التي أجرتها جهات عدة، وعزت السبب للهجرة الجماعية إلى أوروبا ودول الجوار.
يعاني كبار السن من صعوبات اقتصادية وصحية ونفسية، بينما تخلو الحسكة من أي دار للعجزة ترعى أمورهم وتهتم بهم، سوى مؤسسة واحدة مهتمة بشؤون المسيحيين منهم.
وفق آخر إحصاء أجرته “الإدارة الذاتية” في ريف الحسكة، بلغت نسبة المسنين 55% من مجموع السكان، بحسب رياض محمد حسن، مسؤول الإحصاء في الإدراة، ويقول إن المسح جرى في الريف بعد تسجيل كافة أفراد العوائل، بينما لم تتعدى نسبة الشباب 13%.
ويرجّح محمد حسن، في حديثه إلى عنب بلدي، أن تكون النسبة في مناطق الحسكة الأخرى أعلى، مردفًا “سيتبين لاحقًا حين الانتهاء من الإحصاء فيها”.
ويدعم القائمون على الجمعيات الخيرية والإغاثية حديث محمد حسن، إذ تؤكد الناشطة روسيم حسين، من رأس العين، أن عدد المسنين في قرى الحسكة سجّل النسبة الأعلى في قرية تحوي 270 منزلًا، مشيرةً لعنب بلدي أن من شارك في ملء الاستبيانات أبدوا استغرابهم من النتيجة.
معاناة اقتصادية وصحية
الأحداث الأخيرة التي شهدتها الحسكة، متمثلة بالقصف والاشتباكات بين قوات “أسايش”، الذراع العسكرية لحزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، وقوات الأسد، إضافة إلى هجرة أبنائها، أثّرت على المسنين أكثر من غيرهم، وخصوصًا من الناحيتين الصحية والنفسية، كما نقل بعضهم لعنب بلدي.
الحاج مروان شيخ قاسم (70 عامًا)، مقيم في ريف الحسكة مع زوجته البالغة من العمر 66 عامًا، ومصاب بداء السكري وارتفاع ضغط الدم، يقول إنه محتاج للأدوية بشكل مستمر، لافتًا إلى أنه يدفع قرابة 20 ألف ليرة سورية، ثمن الدواء كل شهر، كما يعتمد في تأمين متطلباته على “هبات الناس”، بعد سفر أبنائه خارج سوريا.
ويضطر بعض المسنين للعمل لتأمين قوتهم اليومي ولإعالة أسرهم، وهذا ما يؤكده خليل مراد، صاحب ورشة لجني المحاصيل الزراعية في ريف القامشلي، ويوضح لعنب بلدي أن المعمل يضم عشرات العمال، مشيرًا إلى أن خمسة منهم تتجاوز أعمارهم 50 عامًا، يعاني بعضهم من أمراض مزمنة.
بدوره يعمل شاكر عمر (57 عامًا) أجيرًا لدى بائع خضار لثماني ساعات في اليوم، مقابل أجر يومي قدره ألف ليرة سورية، ويقول إنه مضطر “لتأمين ثمن الدواء لزوجتي وثمن طعامنا اليومي”.
ويؤكد الطبيب شعلان مظهر، الاختصاصي بأمراض القلب والأوعية في الحسكة، حدوث حالات وفاة لمن تجاوزت أعمارهم 60 عامًا، بسبب اضطرابات قلبية يعانون منها بسبب إهمال الدواء، الذي يصعب عليهم تأمينه في ظل نقص الأدوية والفقر الذي يعيشونه، واصفًا الوضع الصحي للمسنين في الحسكة بأنه “لا يوصف”.
أزمات نفسية نتيجة العزلة
العزلة التي يعيشها المسنون في الحسكة ساهمت بدرجة كبيرة، في التأثير سلبًا على حالتهم النفسية، وتقول شيخة محمود (65 عامًا)، والتي تعيش مع زوجها البالغ (70 عامًا) في قرية شعدلة بريف الحسكة، إن أولادها السبعة هاجروا إلى أوروبا.
“لم يعد للحياة طعم ومعنى ونتمنى من الله أن يعجل بموتنا”، تقول السيدة لعنب بلدي، عازية ما تحدثت به إلى “غياب مقومات الحياة بعيدًا عن أولادنا الذين تعبنا في تربيتهم ويؤلمنا فراقهم”.
هجرة الشباب، التي لم تقتصر على الحسكة بل طالت جميع المحافظات السورية، كانت أبرز الأسباب لإحباط المسنين، كما تقول الطبيبة النفسية شادا حبسون من ريف الحسكة، مؤكدة لعنب بلدي أنها استقبلت عشرات المسنين، وظهرت على جميعهم علامات اليأس والوهن، على حد وصفها.
وتضيف حبسون أن معظم المرضى زاروا اختصاصيي الأمراض القلبية بعد إحساسهم بارتفاع ضغط الدم وضيق الصدر، لتتبين سلامتهم من الأمراض ويحوّلهم الأطباء إلى عيادتها النفسية.
رغم كل ما سبق تخلو محافظة الحسكة من أي مركز أو دار للمسنين، سوى مؤسسة مسيحية مهتمة بشؤونهم تسمى “دار القديس منصور”.
ويؤكد المحامي خالد رمضان، أحد أبناء الحسكة والمقيم في لندن، أنه يتمنى وجود دار خاصة بالمسنين، معتبرًا أن والده الذي لا يستطيع الحركة دون مساعدة، ومئات المسنين الآخرين، سيستفيدون منها، ودعا المنظمات الإنسانية لفتح مراكز ترعاهم في مدن وبلدات الحسكة.
المسنون هم الفئة الأضعف في معظم المجتمعات، إذ يحتاجون عناية ورعاية خاصة، ولا يرى أهالي الحسكة حلًا قريبًا لما يعيشه كبار السن منهم، ويتساءل أحدهم “كيف يهتمون بفئة مهمشة تغيب إحصائيات المتضررين منها عن سجلات المنظمات الحقوقية ومكاتب التوثيق؟”.