داريا.. بكاء نساء
أحمد الشامي
بكل المقاييس يبدو صمود “داريا” لخمسة أعوام أسطوريًا ويتفوق على مدينة “سيباستوبول” التي حاصرها النازيون لمدة ستة أشهر فقط.
سيباستوبول تلقت الدعم من الجيش السوفييتي ومن حلفائه، في حين لم تتلق داريا سوى الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
ليست مصادفة أن يتزامن التخلي عن داريا مع “تحرير جرابلس” على يد قوات تركية وسورية مشتركة، في نوع من تقاسم النفوذ بين الجزارين الوالغين في اللحم والدم السوريين ولصالح إلغاء القرار السوري المستقل.
“جرابلس” كانت بين نارين، نار “داعش” ونار الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني. بكلمة أخرى كان أمام جرابلس الخيار بين الجهاديين المهووسين و”الماركسيين” الذين لا يقلون عن سابقيهم في الهوس، لكنهم اليساريون هذه المرة. في الحالتين، لا داعش ولا الحزب الكردي يقلقان أيًا من نظام البراميل وداعميه، من إيران حتى واشنطن، مرورًا بتل أبيب وموسكو.
في المقابل، داريا كانت التجربة الوحيدة الناجحة ديمقراطيًا وإنسانيًا في الثورة السورية، منذ الهتافات السلمية للشهيد “غياث مطر” وحتى خروج المقاتلين اﻷشاوس من المدينة مع أسلحتهم الفردية، دون الذخيرة التي كانت قد نفدت منذ أيام.
داريا كانت تجربة استثنائية واعدة على كل الصعد، بعيدًا عن التشدد وعن داعش و”القاعدة” والتنظيمات المشابهة، التي لم تجد لها موطئ قدم في ضاحية العنب.
لم يكن في داريا وجود للتنظيمات المتطرفة، بل مقاتلون مسلمون معتدلون ومتسامحون.
داريا كانت صورة مضيئة عن المستقبل السوري دون عصابة اﻷسد، بلد معتدل، ديمقراطي، متسامح وحر.
كان المفروض بمن نصب نفسه زعيمًا للعالم الحر أن يرى بقعة الضوء السورية في داريا، لكن السفاح اﻷسمر لم يرد أن يغادر البيت اﻷبيض ويترك خلفه في سوريا سوى الدمار.
“أوباما” لم يحتمل فكرة وجود عرب ومسلمين يحترمون الديمقراطية والحرية وأراد أن يهدي “اﻷسد” وعصابته درة الثورة السورية (داريا).
أيًا تكن التبريرات، فخروج سكان داريا ومقاتليها ليس مجرد “نكسة” على سنة أنظمة “الزعبرة” القومجية. داريا تركت وحدها لتموت دون أن يدعمها أحد، لا مقاتلي الغوطة ولا الجبهة الجنوبية الميتة سريريًا بأمر “الموك”.
من تركوا داريا دون دعم هم ذاتهم من يتباكون عليها اليوم، ودورهم قادم للخروج، هم أيضًا، في باصات خضراء بوساطة روسية.
الجبهة الجنوبية المحسوبة على “السعودية” خرجت من المعادلة الثورية، ولا نستطيع سوى أن نحترم قرار “إسلام علوش” بالاستقالة، كون الرجل أدرك أن الدور المناط به ليس أكثر من واجهة ﻷنظمة خائرة ومتخاذلة، عاجزة عن الحرب والمواجهة ومستقوية “بالمعلم” اﻷمريكي الذي يكره العرب والمسلمين خاصة إن كانوا ديمقراطيين وأحرارًا. بالضبط حسب قول الجزار اﻷسمر “ثورة أطباء ومهندسين ومزارعين” أي مثقفين ضعفاء لا أمل لهم بالنجاح في وجه جحافل البربرية. الرجل يعلم أن عدم التدخل في صراع بين من يملك السلاح والقوة، ومن لا يملك سوى إرادة التحرر، ليس وقوفًا على الحياد بل هو دعم للقتلة والسفاحين.
“أوباما” ليس الوحيد الذي يريد تسطيح الثورة السورية واختزالها في حربه على “اﻹرهاب”، المطلوب عالميًا هو اختزال الثورة السورية وجعلها مواجهة بين “جهاديين” سلفيين و”إرهابيين”، ونظام اﻷسد، الذي يحظى بدعم كامل النظام العالمي المشارك بهمة في الهولوكوست السني في سوريا.
بالنسبة لنظام البلطجة، المسمى تجاوزًا “النظام اﻷممي”، لا فرق بين داعش و”النصرة” حتى لو غيرت هذه اﻷخيرة اسمها، حتى “أحرار الشام” سوف يتم التعامل معها كتنظيم جهادي عابر للحدود.
داريا كانت الاستثناء.
اليوم تبكي الثورة السورية داريا مثل النساء، بعدما عجزنا عن إنقاذها وعن الدفاع عنها وعن السوريين، مثل الرجال.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :