حاورته: عفاف جقمور
عشرات الأفلام الوثائقية أنتجت خلال سنوات الثورة السورية الخمس، كانت على أيدي هواة استخدموا وسائل بسيطة لتوثيق اللحظات كأجهزة الموبايل، لكن عمق الصورة وشجاعة الإقدام كانتا تغطيان بساطة التجربة.
عبد الرحمن الكيلاني مخرج سوري وصانع أفلام وثائقية، بدأ عمله في الإخراج عام 2013، وصنع خلالها مجموعة أفلام أهمها “من الثورة إلى الدولة”، و”الطريق الطويل”، لكن المنعطف الأساسي له كان في فيلم “أحرار الشام”، الذي عمل به مع مجموعة من رفاقه، ونشر عبر قناة “الجزيرة” في آذار 2016.
مشاكل البدايات
اهتمت مجموعة عبد الرحمن، الذي حاورته عنب بلدي في إدلب، بصناعة الأفلام من الداخل السوري، فأسست مجموعة “Fish art media production”، لتبدأ لاحقًا بتدريب الهواة في خطوة جديدة على الساحة السورية.
بداية المشوار واجه الفريق صعوبات في إيجاد كوادر متخصصة ومحترفة بل حتى هواة في المجالات الإعلامية والصحفية في الداخل السوري. كان أفراد الفريق يبحثون عن أي محترف لديه أدنى خبرة في العمل الوثائقي يمكن لهم أن يرافقوه ليتدربوا، لكن محاولاتهم باءت بالفشل، وما يزيد الأمر سوءًا أن الاعتماد على فريق صغير في الإنتاج “نوع من المجازفة ورهان خطير”، وفق ما يقوله الكيلاني.
ناقلو الأخبار ربما أصبحوا أخبارًا
في خضم الأحداث المتواترة التي تواجهها البلاد، أصبح الموت أكثر احتمالًا لمعادلات النجاة، ما يضع على عاتق الإعلاميين حملًا مضاعفًا ويجعلهم يواجهون استنزافًا مع كل معركة يقتحمونها وكل برميل يوثقونه.
أصدقاء كثر لعبد الرحمن قتلوا أثناء عملهم، ووثق بعضهم لحظة وفاته، رغم ذلك يجد الإعلاميون أنفسهم في هوة بين الصورة التي ينقلونها والانطباعات التي ترتسم بأذهان من حولهم، وربما من “الثوار” أنفسهم الذين يجدون أفعالهم “عبثية” أو ربما نقلوا الصورة “لعالم لا يريد أن يسمع”.
رغم ذلك يصر هؤلاء على عملهم، يدفعهم إلى ذلك واجبهم الأخلاقي والثوري والإنساني فضلًا عن شغفهم بالمهنة، يضيف عبد الرحمن “نحن لا نعرف اللحظة التي سنصبح فيها خبرًا أو ربما قصة فيلم لن يحكيها أحد، أو ربما يحكيها لكن لا صوت مسموعًا من الداخل ليحكيها، كان هذا قلقنا الرئيسي”.
ووفقًا للإحصائيات الأخيرة للمركز السوري للحريات الصحفية، فقد وثق مقتل 356 إعلاميًا، منذ بدء الثورة السورية، معظمهم بنيران قوات الأسد، سواء في القصف أو في المعارك التي كانوا يوثقونها، أما البعض فقد اعتقل وقضى تحت التعذيب.
تدريب الداخل ومشاكل متعاقبة
حاول عبد الرحمن ورفاقه تنسيق دورات مع محترفين للتدريب في الداخل، لكنه لم يجد، أمور كثيرة وقفت عائقًا في طريق مجيء المدربين إلى سوريا، دخولهم إليها والإقامة فيها ومن ثم الخروج منها، إضافة إلى قلة الرغبة لدى المدربين أنفسهم بالمخاطرة تلك، ونتيجة لذلك قرّر الفريق تغيير الخطة والتعلّم ذاتيًا، بالاستفادة من ممارساتهم وتجاربهم و”كنز الأخطاء” التي يخوضونها.
لم تكن طموحاتهم مرتفعة أثناء إعدادهم للدورة الأولى في المناطق “المحررة” من الشمال السوري، ربما بدأت خيبة الأمل حين بحثوا عن إعلاميين مهتمين بالحضور ولديهم تجربة متعلقة بالأمر لكن دون جدوى. زاد الأمر سوءًا حين حضر ثلث المدعوين فقط، لكن خيبة الأمل بدأت تتلاشى بمرور ساعات التدريب الأولى، يصفها عبد الرحمن بقوله “شعرنا بالإنجاز حقًا في اليوم الأخير، حينما عاد الزملاء المتدربون، الذين أعتز بمعرفة بعضهم، بثلاثة أفلام وثائقية منجزة، كانت لأغلبهم التجربة الأولى المكتملة”.
ويرى عبد الرحمن في ذلك أن الدورات المقامة في الداخل ليست كافية في المجال الإعلامي أو في غيره، ووفقًا لتجربته فإن الطريقة الأجدى هي التعلّم الذاتي لمواصلة العمل بشكل أفضل، “هي ليست كافية لدرجة أننا قررنا أن يكون التدريب استراتيجيتنا المقبلة، إلى جانب رفع مستوى الإنتاج”.
في البداية كانت المؤسسات الصحفية والإعلامية مثل “فرانس 24” و”رويترز”، و”أسوشيتد برس”، تقيم دورات وورشات عمل، هدفها الرئيسي تدريب المواطن الصحفي ليكون أكثر احترافية، تمكنه من العمل مع مواصفات ومحددات المؤسسة.
أما في الآونة الأخيرة فقد توسعت الدورات الإعلامية المقامة خارجًا، وفي تركيا على وجه الخصوص، لتشمل مؤسسات عربية عدة، لكن صعوبة التنقل من سوريا وإليها وارتفاع تكاليفها منعت كثيرين من الخضوع لتلك الدورات.
بدايات متعثرة لتجارب استثنائية
اعتمدت الثورة السورية في بدايتها على المواطن الصحفي، ونادرًا ما حضر الإعلاميون الأكاديميون، معظم أولئك بدأوا مشوارهم في المظاهرة الأولى بتجربة تصويرهم الأولى عن طريق كاميرا الهاتف، تلاحقت الأحداث لتفرز التجارب إعلاميين استثنائيين وليدي الحدث ومن صناعته.
وربما تفوق بعض المواطنين الصحفيين، رغم غياب التدريب والخبرات، على أقرانهم الأكاديميين متواضعي التجربة العملية، وما يميزهم شجاعتهم وإقدامهم في المعارك والمجازر.
ويعتبر عبد الرحمن أن واحدًا من أهم أسباب عدم قدرة العمل الإعلامي على التطور، أنه مستنزف بشكل يومي ومفجع، على حساب العمل المتأني والعميق.