كل عام وأنتم بسمة
حنين النقري – دوما
لا بدّ أننا جميعا نتذكر العيد الأول لنا في الثورة، ذاك الذي أصدر الناس معه دعوات ألّا عيد، حتى سقوط النظام، ولا عيد وفي بلدي شهيد وشريد، ولا عيد حتى عودة المعتقلين.. وتتالت الأعياد، والثورة مستمّرة، والنفوس تزداد تخبّطا، بين جو كآبة عام، ودعوات لمقاطعة كل مواسم الفرح كالأعياد!
عيد من خلف عيد.. والناس بدأت تنسى كلمة «كل عام وأنتم بخير»، بل وتلوم من يشيعها بفرح!
ولعلّ المفارقة أنّه كلما ازداد الناس إصرارًا على عدم الفرح بالعيد، كلما زادت أيامهم وجومًا ظروفهم كآبة!
اليوم، ربما غدا حريًّا بنا أن ندعو الجميع للاستبشار والفرح بالعيد، أن يزيحوا هم غمامة الكآبة عن أيامهم بأنفسهم، بإزاحتها عن قلوبهم ووجوههم ابتداءً..
ربما يتحجج البعض بالحصار أو سوء الإمكانيات، تدهور الحالة الاقتصادية ونفاذ مباهج العيد المعتادة من أطعمة وأشربة، والأهم غياب الأمن الذي لا يمكن الهناءة ﻷحد دونه..
لكن هل يمنع ذلك كلّه وجوهنا من التبسّم؟ يذكرني هذا حقيقة بقصيدة إيليّا أبو ماضي، ولعلّها أجمل ما كُتب في الابتسامة والفرح:
«قال السماء كئيبة وتجهّما- قلت ابتسم يكفي التجهم في السما
أتراك تكسب بالكآبة مغنما، أم أنت تخسر بالتبسّم درهما؟!
قلت ابتسم ما دام بينك والردى شبرا- فإنّك بعد لن تتبسّما»
بل لعلّ قصيدته عن العيد تناسب حالنا أكثر، فجلّ ما نملكه هو أكثر ما يحتاجه الناس: الابتسامة، الروح السعيدة، فقط.
السعادة ما كانت يومًا تأتي من الخارج، الظروف تهيّئ لها، تعزّزها، لكن منبعها داخليّ من أنفسنا، ولعلّ من امتلك هذا السرّ ودراه يعيش أجمل لحظاته تحت القصف، وما كان قانعًا ولا سعيدًا بحياته أيام الرّخاء.
وهل العيد -كما قال ميخائيل نعيمة- إلا أن تستمتع و لو بنعمة واحدة من نعم الوجود التي تفوق العد والإحصاء؟
الثنائية التي لابدّ لنا الإشارة لها هنا، هي العيد والأطفال، فلئن كان عند الكبار أسباب تجعلهم يتجهّمون ويقلبون عيدهم مأتمًا، ينبغي لهم ألا ينسوا أنهم كانوا أطفالًا، وتمتّعوا بهذه الأيام القليلة أكبر متعة، فلا يحرموا منها هذه الأرواح البريئة التي ما جنت الحرب على أحد كما جنت عليها، صحّة ونفسيّة وتعليمًا وترفيهًا وأسلوب حياة..
هناك العديد من الأفكار لتنفيذها لإحياء مظاهر العيد في كل المناطق، شخصيًّا لا أحبذ المظاهر التقليديّة في الشوارع لوجود طيارات استطلاع ترصد الأجواء دومًا، ولعلّها رأت في تجمّع الأطفال صيدًا ثمينًا لغارات النظام وقذائفه…
الحلول البديلة تكمن في الحفلات المنزليّة، لم لا نجمع أطفال العائلة في أيام العيد، ونصنع لهم أجواءً من المرح والتسلية والمسابقات الحركية والثقافية وورشات الرسم والأعمال اليدويّة، مع جوائز بسيطة، ومأكولات منزلية الصنع -بديلة عن المقرمشات التي حرمهم إياها النظام بحصاره-؟
ستكون هذه الحفلات بالنسبة لهم فردوسًا وعالمًا ورديًّا يبحرون فيه بروعة، ربّما يقلّل الأهل والكبار عمومًا من شأن هذه الحفلات، لكنّها ستبقى ذات أثر مديد وذكرى راسخة عند الطفل لسنوات، كان هذا في أيّام الأراجيح ومدينة الملاهي، فما بالكم به تحت القصف؟ سيكون بابًا يعيد لهم بعض مباهج الطفولة المفقودة.
يمكن أيضًا استغلال الأقبية لجمع أطفال الأحياء، يحتاج الأمر تنظيمًا بالطبع، وأن تشرف عليه جمعيات أو مؤسسات ترعاه وتؤمن له متطلبات الأمن والكهرباء وما شابه، يمكن أن يكون بمقابل ماديّ بسيط لتغطية هذه التكاليف، الأمر يستحق التخطيط والجهد، ستنسيكم بسمة واحدة من طفل كل التّعب.
إعلامنا إعلام تباك بامتياز، ولعلّه يروج منذ بداية الثورة لهذه النفسيّة الحزينة المنهزمة المتباكية، لكنّها برأيي إحدى نقاط ضعفنا التي يجب التوجّه لتغييرها وتبديلها بعناية وحرص.. ليس الأمر مجرد ترف نفسي، صناعة الفرح تعزز فينا إرادة الحياة.. وإرادة الحياة تعزز إرادة النصر بالتأكيد.
وما العيد إن لم يكن فرصة، لصناعة الفرح في النفوس!
كل عام وأنتم بسمة 🙂
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :