عنب بلدي – العدد 77 – الأحد 11-8-2013
د. إحسان الحسين
يمكن تحديد مفهوم العلمانية بالمقولات التي أطلقها الدكتور محمد علي شريعتي (العلم للعلم)، (الامتياز للعلم)، (الانحياز للواقع) وهذا يعني: العلم لخدمة العلم وليس الدين أو الحكمة، السلطة والمرجعية والامتياز للعلم فقط، العلم موضوعه العالم المحسوس وهدفه خدمة الإنسان (التنمية والرفاهية).
الموضوع والتاريخ خلقا اشتراكًا معرفيًا بين العلمانية واللادينية بسبب موقف رجال الدين المناهض للكشف العلمي والداعم للاستبداد والظلم بمبررات دينية، وهكذا تراجع الدين عن المجتمع ومؤسساته وتلاشت فكرة المقدس وحلت العلمانية مكانه «السلطة والمرجعية»، من هنا يبدو أن التعريف الشائع للعلمانية بأنه فصل الدين عن الدولة تبسيط وتسطيح للقضية، لأن هذا النوع من العمل المؤسساتي المفصول عن السلطة الدينية شوهد في تجارب سبقت العلمانية، لا بد من فهم المعنى في الإطار المرجعي، لأن الواضح أن هناك ممارسة في السلوك والتعليم والاستهلاك تضبط بالمرجعية العلمانية.
عندما كانت الدولة لا تمارس السلطة على المجتمع إلا من خلال الاقتصاد والسياسة، كانت هناك فضاءات أخرى بقي فيها للدين وللقيم فرصًا للعمل، أما في الدولة الحديثة حيث تشمل السيطرة كل قطاعات المجتمع (التعليم والصحة والثقافة والإعلام…) فإن فرص الإشراف الديني أصبحت ضعيفة، وقسمة الدين والدنيا لم تعد موجودة.
حين نستند إلى العلمانية كمرجع، فإننا ننكفئ إلى المادة التي تتلخص بالقوة واللذة التي تشرحها الدارونية والفرويدية والمالتوسية وبقية المدارس اللاحقة. هكذا تشكلت قيم الحياة (الصراع – الشهوات – الصيرورة)، وأضحت هي المقدس الذي تم سحبه من الدين بدعوى الإلغاء، وصار التبرير الفلسفي للوجود يقوم على مفاهيم العبث والإلحاد.
في الوقت الذي نسفت فيه المرجعية الدينية لم يتمكن العلم من إنشاء أهداف مقنعة للحياة، الحقيقة أن العلم غير قادر على إنتاج مرجعية أخلاقية، لأنه محايد، هو يوصف حقائق الأشياء ولا يتجاوزها، والطبيعة لا تقدم إلا الصراع وتنازع البقاء والنزو والصيرورة.
العلمانية والحداثة ألحقتا بالحياة والإنسان الكثير من الدمار والفناء، هي لم تمنع استئصال الهنود الحمر وتهجير الفلسطينيين والإتجار بالرق والتميز العنصري، ولم تمنع الشيوعية من محاربة العلوم المناقضة للديالكتيك والاستئصال والتهجير القسري بحق الشعوب الإسلامية، لم تتمكن من منع إنتاج النازية والفاشية، ورطت العالم بحروب مدمرة على الصعيد الإنساني والبيئي، أفسدت البيئة وهددت الحياة القادمة، لم تنتج التسامح، وانقلبت على الحريات في الجزائر وتركيا ومصر، وأسست لظاهرة الاستعمار والاستبداد وامتلاك السوق والاستهلاك والترف الاستهلاكي.
يخرج العلمانيون والليبراليون اليوم بعد التجربة المصرية للقول أن هذه المصطلحات تحتاج إلى قيم أخلاقية! لقد كنتم على مدار الزمان تدّعون أن العلمانية منتجة للعدل والتسامح والديمقراطية بطبيعتها فما الذي يعوزها الآن!
أنواع العلمانية الشاملة:
المرجعية للمادة (الصراع والشهوات) لا يوجد مصدر للمعرفة خارج المادة، المعرفة المادية = القيمة. والعلمانية الجزئية وهي المتصالحة التي تترك مساحة للدين ومؤسساته للعمل خارج السياسة وهو حال أغلب العلمانيات العربية، وهناك ما يسمى بالترشيد العلماني للمؤسسات، وهو يعني بناء مؤسسات المجتمع وفق الحرفية والعلمية وقواعد النزاهة، وهذا فهم جزئي ينطبق على التوجهات الفنية والعلمية وليس الثقافية.
هناك مصطلح قدمه بعض الكتاب الإسلاميون أسموه العلمانية الوطنية، وهو تيار يؤمن بالإسلام كعقيدة ويتحفظ عليه كشريعة، لاعتقاده بصعوبة تطبيقه على الحقوق الأساسية والحريات.
تصنف العلمانية الشاملة في خانة كفر التكذيب أو الإعراض، لأن الإيمان بقسم من الدين والإعراض عن آخر كفر جحود جزئي، فإذا كان سببه الجهل أو التأويل فإنه لا يكفر وأما إن كان بعلم ودراية فيكفر، والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتنزل منازل الكفرين الأصغر والأكبر، فإذا اعتقد بوجوب ما أنزل الله في الواقعة، وعدل عنه عصيانًا مع الاعتراف بذلك، فإنه يستحق الكفر الأصغر، وإن اعتقد أنه غير واجب مع تيقنه أنه حكم الله، فهو الكفر الأكبر، وإن جهل أو أخطأ فحكمه حكم الجاهل أو المخطئ.
تيار العلمانية الوطنية يمكن قبوله، ثم الحوار معه لإقناعه لأننا في مرحلة دعوة وبيان، تمهيدًا لانخراطه بالتيار الإسلامي العام…
مجرد رأي أطرحه !