العثور على منزل جديد يؤوي العائلة في مناطق سيطرة المعارضة السورية، هو من أولى المهام التي يسعى السكان إلى تنفيذها، مع استمرار عمليات التهجير القسري والنزوح الداخلي، واكتظاظ المناطق التي بقيت بمنأى عن المعارك وبراميل الطائرات، ما جعلها تتمتع بأمان نسبي.
الإقبال الشديد على العقارات في المناطق التي لا تحاذي “شريط الجبهات”، خلق فرص عمل جديدة لعشرات المواطنين الذين باتوا يمتهنون “السمسرة” ويواصلون البيع والشراء في ظروف أشبه بالمستحيلة، لكن البقاء على قيد الحياة هو ما يجبر هؤلاء على العمل في مهنة يعتقد البعض أنها انتهت مع اندلاع الثورة.
في الغوطة الشرقية، لا يمكن اعتبار أن قانونًا موحدًا يحكم السوق، ففي بعض المراحل يمكن ملاحظة أن هناك آليات لهذا السوق متمثلة بالعرض والطلب، لكن عند حدوث هزات عسكرية وأمنية تختلط الأوراق ويصبح البحث عن الأمان الشخصي للمواطنين هو سيد الموقف.
سوق العقارات في الغوطة يعد من أهم الأسواق في ريف دمشق وعموم المنطقة الجنوبية، وتشهد المدن الرئيسية التي تسيطر عليها المعارضة كثافة سكانية كبيرة، نشّطت عمليات البيع والشراء في مناسبات متفاوتة أبرزها خلال الهدن المؤقتة، كما ساهم تراجع المعارك خلال فترات متقطعة بين قوات المعارضة والنظام بخلق أريحية في التعامل داخل هذه المناطق بين الباعة والمشترين، فبدأت الأسعار ترتفع، وارتفع معها الطلب على الشقق السكنية والأراضي التي تصلح لأن تكون محاضر تشيد عليها أبنية، رغم انعدام حركة البناء بشكل شبه كامل.
محمد عبد الحكيم، تاجر عقاري من مدينة دوما، يقول إن هناك عدة أسبابًا أدت إلى تنشيط سوق العقارات في الغوطة الشرقية عمومًا، وخاصة بعد انطلاق مفاوضات جنيف بين المعارضة والنظام.
وبعد إبرام اتفاق وقف الأعمال العدائية، في شباط الماضي، ارتفع الطلب على العقارات وقفزت الأسعار، كما دفعت الهدنة المغتربين من أبناء المنطقة إلى ضخ الأموال من أجل شراء الأراضي، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على العقارات.
وهنا بدأ من يرغب بالبيع بالتردد أملًا بتحقيق المزيد من المكاسب، حتى قفزت الأسعار ثلاثة أضعاف، وهذا شجع الأهالي على البيع، فوصل سعر المزرعة إلى تسعة ملايين ليرة، في حين لم يكن سعرها يتجاوز ثلاثة إلى خمسة ملايين ليرة. مشيرًا إلى أن هذه الارتفاعات انسحبت على كل العقارات والأراضي والمزارع التي عرضت للبيع.
ويشير التاجر إلى أسباب أخرى حركّت السوق، منها: اندفاع الناس لبيع العقارات من أجل المعيشة ولتوفير الأساسيات اليومية، في وقت وصل فيه سعر كيلو السكر إلى أربعة آلاف ليرة، وهذا دفع الناس لبيع أغلى ما لديها للبقاء على قيد الحياة.
وبالمقابل وُجد من يرغب بالشراء، لأن المواطنين لا يريدون الحفاظ على مدخراتهم بالليرة السورية المتدهورة، ما جعل شراء الأصول العقارية أحد أهم الوسائل لحفظ أموالهم.
انتعاش المكاتب العقارية “مؤقت”
الحركة “الكبيرة” في البيع والشراء، خلال الأشهر الخمسة الماضية، أي عقب مفاوضات جنيف، انعكست بشكل مباشر على أعمال مكاتب العقارات العاملة في المنطقة، فـ “الشقة التي تشتريها العصر تبيعها عند العشاء، وتشتري أخرى في الصباح التالي”، وفق أحد المكاتب العقارية.
وساهم مكتب التوثيق العقاري التابع للمجلس المحلي في تسهيل عمل هذه المكاتب، ويمكن عبره تنفيذ معاملات البيع والشراء والاستئجار من أجل حفظ الحقوق والملكيات من الضياع.
وعملت دائرة التوثيق العقاري، منذ 30 تشرين الأول 2013 وحتى نهاية عام 2015، على حوالي 31 ألف معاملة عقارية شملت عمليات قيود ومعاملات أتمتة وبيع وشراء وتسجيل. ويقول مدير قسم الأتمتة والتصوير، مروان عبد العزيز، لعنب بلدي في تصريح سابق، إن القسم أسس لحفظ السجلات من التلف أو الضياع بطريقة إلكترونية، كما يهدف إلى توفير المعلومة الدقيقة من ناحية الحصص والملكيات والأسهم، إضافة إلى السرعة في الحصول عليها وتخفيف الوقت والانتظار على المواطن.
ارتفاع الأسعار بدعم خارجي
مع اندلاع المعارك في الغوطة الشرقية، ومع استئناف أعمال القصف، تتأثر حركة مبيعات الشقق السكنية والعقارات إجمالًا رغم الحاجة اليومية والماسة لها، ولقد ساهم الاقتتال الداخلي بين الفصائل، وارتفاع سعر الصرف في عدم استقرار السوق، وفق ما يؤكده التاجر العقاري محمد عبد الحكيم.
يقول التاجر “الآن الطلب معدوم، وكل تاجر لديه أراضي لا يجد من يبيعه إياها، رغم أن الأسعار زهيدة جدًا بسبب انعدام الطلب، فالأرض التي تقدر قيمتها بخمسة ملايين ليرة تدهور سعرها وأصبح دون المليون وخاصة مع استمرار تقدم النظام”.
ويشير إلى أن المغتربين لديهم رغبة في شراء العقارات بعد تراجع سعرها في مناطق سيطرة المعارضة، لأن الأسعار منخفضة جدًا وليست حقيقية، ونتيجة إقبالهم ساهموا بشكل أو بآخر برفع الأسعار.
ومع من بقي في الغوطة الشرقية من سكان، تستمر حركة بيع وشراء العقارات بالتأرجح على وقع المعارك والتطورات الأمنية والعسكرية، وهو ما يشير إليه برهان سريول، مواطن من الغوطة الشرقية، والذي تمكن خلال الفترة القريبة الماضية، من شراء منزل بسعر وسطي قدره خمسة ملايين ليرة، مشيرًا إلى أن سعر شقته ارتفع الآن ويقدر بحوالي سبعة ملايين، في حين لا تزال أسعار المنازل في بعض المناطق البعيدة والنائية يقدّر بحوالي مليون ليرة.
ويرى أصحاب المكاتب العقارية المتبقية في الغوطة، أنّ الحل السياسي والمفاوضات تنعكس مباشرة على عملهم، ويؤكدون على أن حركة البيع مرهونة بالجوانب الأمنية والعسكرية، لكن مع ذلك تجد مواطنين يريدون شراء أي قطعة أرض أو منزل يؤويهم بعدما تهدمت آلاف المنازل وشرد أصحابها، بينما يستمر مغتربون في توريد الأموال لذويهم من أجل سد حاجاتهم أو لشراء المساكن، وبالذات خلال فترات الراحة بين المعارضة والنظام.