سيارات أوروبا في الشمال السوري تتحول إلى”سكراب” لعدم توفر قطع الغيار

  • 2016/08/30
  • 6:40 م

أطفال في ورشة تصليح سيارات في حي القاطرجي بحلب (عنب بلدي)

لا تتفاجأ إذا كنت في الشمال الخارج عن سيطرة النظام السوري، ومرت بجانبك سيارة قد تبدو للوهلة الأولى غير مألوفة، وخاصة إن كنت تعيش في مناطق سيطرة النظام مسبقًا أو قادمًا من خارج سوريا، حيث تسود قوانين محددة تنظم عمل المركبات، وتوحّد إلى حد ما ملامحها ومواصفاتها، بدءًا من التصميم الخارجي وصولًا إلى لوحة السيارة (النمرة).

هنا، في مدن الشمال السوري، قد تقع عيناك على سيارة أوروبية المنشأ، (موديل سنتها)، لكنها بعد مضي قرابة عام على استخدامها، أصبحت “سكراب” جسدًا بلا روح، لندرة قطع الغيار، وغياب الـ “معلم” أو الـ “كومجي” أو الـ “ميكانيكي” الذي يشخص مشكلتها، ويعيدها إلى الخدمة، وبذلك تتحول إلى كومة حديد تباع خردة.

ينفق السوريون هنا آلاف الدولارات يوميًا على سيارات خاصة ومركبات متنوعة الأغراض، محدودة العمر، ومهددة بالتوقف كليًا عند ظهور أول مشكلة، وقد شكلت ماركاتها الأوروبية وسمعة المصنعين فخًا يقع فيه الآلاف في إدلب وحلب، دون أن يؤمن موردو هذه السيارات ووكلاء استيرادها ما يعرف بـ”خدمة ما بعد البيع”، التي تريح المشتري وتجعله يشعر بديمومة سيارته كونها “مشروع العمر”، وخاصة لذوي الدخل المحدود، الذين بقوا داخل سوريا وآثروا العيش تحت القصف على اللجوء للهجرة.

منظر السيارة “لا يهم”

بمجرد أن تشتري سيارة أوروبية دخلت إلى الشمال السوري عبر الاستيراد من دول الاتحاد الأوروبي، يبقى لديك هاجس عدم تعطلها بتوقف محركها فجأة، أو تضرر قطعة أساسية في هيكلها الداخلي، وتتفاقم المشكلة عندما لا تجد أحدًا “يفهم عليها”، كما يقول أحد أصحاب محلات تصليح السيارات في مدينة حلب.

لا تستغرب إن مرت بجانبك سيارة بدون نوافذ (بلور)، أو أضواء أمامية أصلية، بعدما تمت الاستعاضة عنها بأضواء دراجة نارية أو شاحنة صغيرة، لأن العثور على قطع الغيار اللازمة لصيانة السيارات الأوروبية المنشأ، أمر “صعب للغاية”، كون معظم مستوردي السيارات يجلبونها للداخل دون أن يحضروا معها قطع الغيار اللازمة، وهذا يسبب مأزقًا كبيرًا للمشترين ولمصلحي هذه السيارات في آن معًا.

يقول عامل في ورشة صيانة سيارات في حي القاطرجي بحلب لعنب بلدي، “أصبحنا نستغني عن منظر السيارة، لا نهتم، قد تجد سيارات بلا أضواء، وبلا شبابيك.. نستعيض عنها بأكياس النايلون”.

وساهمت هجرة الكوادر المهنية العاملة في هذا المجال من الشمال السوري في خلق حاجة لكوادر تجيد التعامل مع هذه السيارات وأعطالها. ولذلك أصبحت سيارات بحالها خارج الخدمة، لا لشيء كبير، بل لأن عطلًا بسيطًا لم يفسره “ميكانيكي شاطر” أصاب السيارة بالشلل التام.

ويضيف العامل “الخدمة سيئة بسبب المعاناة مع توفير قطع التبديل وغياب المهنيين الذين اضطروا للهجرة أو نزحوا في الداخل وغيروا مكان سكنهم”، مشيرًا إلى أن معظم قطع الغيار غير متوفرة الآن، وأن المصدر الوحيد الذي كان يمد ورشات التصليح في حلب يقع في منطقتي السليمانية والشقف، لكنهما أصبحتا خارج الخدمة بسبب القصف.

كما أن قطع الطرق بين الريف والمدينة (الكاستيلو سابقًا، والراموسة الآن)، يهدد بتوقّف وريد القطع من إدلب إلى داخل أحياء حلب، التي يعتمد أصحاب ورش السيارات خلال هذه الفترة على نحو 10 إلى 20% من قطع الغيار المخزّنة في مستوعات قبل الحرب لسد الحاجة المحلية، في حين تعاني السوق من نقص في قطع الغيار يقدر بحوالي 80%.

وطالب المكيانيكي المتخصص، بفتح خط استيراد لقطع الغيار عبر تركيا، والسماح بإدخال القطع الصينية المنشأ نظرًا لرخص سعرها وملائمتها لمعظم المركبات في الشمال السوري.

اسأل “غوغل”

كثيرة هي القصص التي ترد على لسان مواطنين وعاملين في “تصليح السيارات” حول معاناتهم في صيانة أنواع محددة، لعدة أسباب منها عدم وجود جهات تنظم قطاع المرور والنقل في الشمال السوري، حيث لا هيئة للمواصفات والمقاييس، على شاكلة تلك التي تعمل في مناطق سيطرة النظام.

يقول مواطن يملك سيارة “مرسيدس” حديثة أنه قصد ورشة الصيانة أملًا في إصلاحها لكونها لا تدور (أي لا يدور المحرك)، بعد أن حاول كثيرًا “دون أي جدوى”. وبقيت السيارة متوقفة لشهرين، ولم يفلح عمال ورشة الصيانة بإنقاذها، ما دفعه لعرضها للبيع مقابل ألف دولار أمريكي، علمًا أن سعرها الحقيقي نحو خمسة آلاف، لكنه تمهّل قبل بيعها فاستخدم محرك البحث “غوغل” ليكتب مشكلته على شكل سؤال، ويجد من يجيبه من مستخدمي هذا النوع من السيارات.

وبحسب قوله فقد تفاجئ بالإجابة، وخاصة أنه اكتشف عبر الإجابات التي وردته أنه لا عطل في السيارة على الإطلاق، وكل ما في الأمر، أنّ إحدى المرايا الجانية كانت غير متصلة بلوحة التحكم الرئيسية، ولكي يدور محرك السيارة يجب أن تتصل عبر الضغط على زر موجود في لوحة التحكم أمام السائق، وبالفعل تم توصيلها وعادت السيارة للعمل”.

أنواع السيارات في حلب وإدلب

تقسم السيارت التي تعمل في الشمال السوري إلى نوعين، سيارات أوروبية تستورد عبر معبر باب الهوى على الحدود السورية- التركية، وغالبًا ما تكون جديدة كليًا ولا توجد قطع غيار لها في الشمال، ولا متخصصون في صيانتها. وسيارات سورية تستخدم لوحات نظامية، وتتوفر لها قطع الغيار عبر وكلاء الشركات في سوريا، قبل وبعد اندلاع الثورة.

وتتباين أسعار السيارات في مدن حلب وإدلب، وتختلف قيمتها باختلاف المصدر، فالسيارات أوروبية المنشأ تختلف عن الآسيوية، ففي الوقت الذي يبلغ فيه سعر سيارة مرسيدس موديل 2010 أكثر من خمسة آلاف دولار، لا يتجاوز سعر الآسيوية أربعة آلاف دولار.

جهاد العمر (30 عامًا) تاجر سيارات مستعملة في ريف حلب الغربي، يقول لعنب بلدي، إن السيارات العاملة في الشمال السوري تضم جميع أنواع السيارات ومواصفاتها، ولكن أسعارها تختلف تبعًا لمقاييس خاصة بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ولا تعتمد بشكل كبير على سعر السيارة خارج سوريا.

ويضيف “يحدد سعر السيارة بالنظر لعدة أمور، منها توفر قطع الغيار في الأسواق، فمثلًا السيارات الكورية من نوع هيونداي وكيا، تتوفر لهما قطع الغيار على نطاق واسع، ومن الممكن الحصول عليها بأسعار رخيصة، بينما أنواع أخرى، وبالتحديد السيارات المستوردة من أوروبا وتركيا، وهي من ماركات لم تكن موجودة بالأصل في سوريا، لذلك فمن الصعب جدًا الحصول على قطع غيار لها، وبالوقت ذاته إن تعطلت وحصلت على القطع اللازمة فلن تجد ورشة التصليح أو عامل الميكانيك اللازم والمناسب ليقوم بأعمال الصيانة”.

إصلاح المعطّل.. آخر الحلول

زهير أبو المجد، يملك مركزًا لصيانة سيارات المازوت في المنطقة الصناعية في إدلب، يؤكد لعنب بلدي أن مهنته لا يمكن أن تستمر دون توفر قطع الغيار، “ولكننا في كثير من الأحيان لا نجد القطعة المطلوبة إذا كانت السيارة ذات منشأ أوروبي، لذلك نلجأ أحيانًا إلى محاولة إصلاح القطعة المتضررة قدر الإمكان، ولكن هذه الطريقة تصلح في بعض الحالات، وأحيانًا نضطر لاستيراد قطع غيار من تركيا عبر وكالات السيارات، وهذا ما يستدعي صرف الكثير من الوقت والمال”.

وأمام هذا الواقع يستمر المواطنون في ابتكار أساليب يلجؤون إليها لإصلاح سياراتهم الأوروبية والمحلية على حد سواء، وسط غياب الرقابة التامة للمسؤولين عن هذا القطاع، ما يجعلهم ينفقون آلاف الدولارات على أمل الحصول على مركبات تساعدهم في تيسير أمور حياتهم اليومية، بعدما تضرر قطاع النقل العام بشكل كامل، وانتهى كليًا في مناطق أخرى بسبب دمار البنية التحتية وتهدم الجسور والطرق العامة.

يقول أيمن زكريا، نازح من مدينة حماة، لعنب بلدي، إنه يملك سيارة من نوع “هيونداي كلوبر” وقد تتضررت بشكل كبير بسبب غارة من الطيران الحربي، لكن بعد بحث طويل في الأسواق لم يجد قطع الغيار المطلوبة لإصلاحها، فأصابه اليأس، إلى أن عثر على سيارة “خردة” تصلح قطع الغيار فيها لسيارته المتضررة، فاشتراها بسعر ألف دولار، وعاد لاستخدام سيارته بعد إصلاحها كليًا.

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق