بات منح السلطات السودانية الجنسية للسوريين على أراضيها قضية تشغل الرأي العام السوري، وقد بلغت مستويات سياسية في أروقة حكومة الخرطوم، ودخلت على الخط أحزاب سياسية، منها مؤيد ومنها معارض لمنح الجنسية للأجانب أو بيعها في “المزاد العلني”، حسبما كتب أحد المواطنين السودانيين على صفحته الشخصية في “فيس بوك”.
لم تكن حال السوريين ورغبتهم بالحصول على الجنسية الأجنبية قبل اندلاع الثورة كما هي الحال عليه اليوم، فالحرب جعلت حامل جواز السفر السوري كـ “المُقعد الملاحق”، لا تسهيلات بالتنقل لديه، شك وريبة تلاحقه حيثما حل خشية “الإرهاب”، تعقيدات تفرضها السفارات عليه. فكان البحث عن جنسية ثانية وجواز أفضل خيار لآلاف السوريين، اللاجئين والمشردين حول العالم.
السودان، البلد العربي الوحيد، الذي لا يزال يستقبل السوريين دون تأشيرة دخول مسبقة، وذلك بناء على اتفاق مشترك في العام 2009 بين الحكومتين السورية والسودانية ينص على إعفاء مواطني البلدين من التأشيرات. وكان السوري يدخل معظم البلدان العربية (عدا دول الخليج) دون تأشيرة، لكن مع اشتداد الحرب في سوريا وتعقد الأوضاع الأمنية في المنطقة، فرضت العديد من الحكومات العربية والغربية تأشيرات الدخول (فيزا) على المواطنين السوريين. وما زاد الأمر صعوبة، إغلاق سفارات معظم الدول في دمشق.
وطن للبيع
منذ ثلاثة أشهر تقريبًا، بدأ الفضاء العام السوري يشهد أحاديث عن منح السودان الجنسية لمواطنين سوريين وصلوا إلى أراضيه فارين من الحرب الدائرة في بلادهم، وانتشرت أنباء مفادها أن منح الجنسية يتم مقابل الحصول على مبالغ مالية تتراوح بين 5 و10 آلاف دولار أمريكي. ومع تزايد الحديث عن حالات منح الجنسية وخشية تحولها إلى ظاهرة فيما بعد، وجدت الأحزاب السودانية المعارضة للحكومة أنه من المفيد التدخل للانقضاض على الحكومة، المتهمة بالتساهل حيال منح الجنسية للسوريين، وقال زعيم “الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل”، محمد عثمان الميرغني، المعارض للحكومة، وهو أول حزب سياسي تأسس في السودان، “إن الجنسية السودانية سلع تباع في السوق”، مشيرًا إلى مكتب سوري يعرض خدماته لمنح الجنسية السودانية للسوريين يروّج خدماته على وسائل التواصل الاجتماعي.
بطبيعة الحال، تركت هذه القضية ارتدادات مختلفة لدى الشارع السوداني وقسمته بين مؤيدين يرون أن السوريين يمكن أن يكونوا إضافة جديدة للمجتمع ويساهموا في تنشيط الاقتصاد نظرًا لنجاحاتهم في مختلف المجالات، ومعارضين يرفضون الطريقة التي تمنح بها الجنسية “كما لو أنها سلعة للبيع تباع وتشترى في المزاد”.
السوري والسوداني واحد
من المهم جدًا الكشف عن الأسباب التي تدفع السوريين للإقبال على الجنسية السودانية، في وقت يحل فيه الجواز السوداني بالمرتبة 16 عربيًا وفي المركز السابع في قائمة “أسوأ الجوازات في العالم، وفق مؤسسة “Henley & Partners” المتخصصة في مجال البحوث المتعلقة بالمواطنة.
يتساوى الجواز السوري حاليًا مع السوداني في مستوى دخول البلدان دون تأشيرة، وهو ما يثير غرابة سعي السوريين للحصول عليه إن كان هو والسوري سواء.
يقول صاحب أحد المكاتب التجارية التي تعمل على تأمين الجنسية السودانية للسوريين، لعنب بلدي، إن ما يدفع السوريين للحصول على جواز السفر السوداني والجنسية هو الحصول على حرية التنقلات بين الدول وعدم ممانعة دول كثيرة في منح السوادني تأشيرات الدخول إلى أراضيها، في وقت تمنع السوري من ذلك. مشيرًا إلى أن “قوة الجواز السوداني الآن تماثل السوري قبل الأزمة”.
وبحسب صاحب المكتب “تبلغ تكلفة الحصول على الجنسية السودانية نحو 10 آلاف دولار، توضع لدى مكتب تأمين، وتستغرق العملية نحو شهر تقريبًا”.
وبعد حصول صاحب الجواز السوري على الجنسية يمكنه استصدار جواز سوداني يخوله دخول 37 بلدًا دون تأشيرة.
جوازات مخصصة للسوريين
تنقسم الجوازت السودانية إلى ثلاثة أنواع، الأول: يسمى الجواز العادي ولونه أخضر ويستخرج بواسطة البطاقه الشخصية أو شهادة الجنسية السودانية. والثاني: الجواز التجاري ولونه أزرق ويحمله التجار ويستخرج بموجب إبراز شهادة تاسيس شركة.
أما النوع الثالث فهو: الجواز الخاص ولونه أصفر ويطلق عليه ايضًا اسم الجواز الدبلوماسي ويحمله أعضاء الهيئات الدبلوماسية.
وبموجب المعلومات التي جمعتها عنب بلدي فإن معظم السوريون الذين حصلوا على الجنسية السودانية قد منحوا الجواز من النوع الثاني أي التجاري ويرمّز بـ”Pb” في حين يحمل السودانيون الجواز من النواع الأول أي العادي ويرمز له بـ”pc”.
سوداني حلبي
شكلت وسائل التواصل الاجتماعي منصات ناقش السودانيون عبرها قضية حصول السوريون على الجنسية، وكما انقسمت الأحزاب والنخب السياسية بين مؤيد ومعارض، كذلك الأمر تركت القضية مفاعليها بين السودانيين، وكتب أحد المواطنين السودانيين معلقًا، إن معظم السوريون حصلوا على الجنسية السودانية فعلًا، وحصلوا على جوازات تجارية “بزنس باسبورت”، وأصدرت لمجموعة كبيرة من السوريين.
وكتب أحدهم متهكمًا “سوداني حلبي، أين المشكلة؟”، وذلك في معرض تعليقه على صورة جواز سفر لمواطن سوري- سوداني من مواليد مدينة حلب، وقد حصل على الجنسية مؤخرًا.
ويفضل عدد من السوريين التوجه إلى السودان نظرًا لرخص تكاليف المعيشة والتسهيلات التي تقدمها الحكومة لهم، ومنها مجانية التعليم والطبابة ومعاملة الطالب السوري كمعاملة السوداني، ولا توجد إحصائيات دقيقة لعددهم هناك، إلا أن الأرقام المتوفرة تشير إلى أن عدد الوافدين تجاوز 100 ألف سوري بنهاية العام الماضي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :